بات في حكم المؤكد انه لن يكون ممكناً تشريع قانون ثابت ونهائي للـ”#كابيتال كونترول” في لبنان الا بعد #الانتخابات النيابية وربما ابعد منها أيضا. فبسرعة خاطفة قياسية اسقط ظاهراً امس مشروع “الكابيتال كونترول” في اللجان النيابية المشتركة قبيل وصوله الى الهيئة العامة لمجلس النواب اليوم، فيما بدا واقعياً كأنه ارسل ليسقط وليقدم خدمة جلى للكتل النيابية اللاهثة وراءالشعبوية الانتخابية في فترة العد العكسي للانتخابات النيابية. اقرب ما يكون مسرحية هزلية كان مآل الرحلة السريعة لهذا المشروع الذي في ظل ما انهمرت عليه من ملاحظات واعتراضات نيابية مقترنة بحملة من الانتقادات الشديدة، عاد “الكابيتول كونترول” الى حيث أتى، بعدما طالب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي استرداده من امام اللجان النيابية المشتركة لعرضه على جلسة مجلس الوزراء المزمع عقدها غداً الأربعاء في قصر بعبدا، تمهيداً لإحالته مجددا على المجلس النيابي. وبذلك تتكرس حقيقة ان الحكومة والمجلس سواء بسواء لم يظهرا الجدية اللازمة لاصدار هذا المشروع بعد تأخير اكثر من سنتين بما ساهم مساهمة أساسية في استفحال ازمة المودعين الذين يزعم الجميع انهم يعملون لضمان استعادة حقوقهم وودائعهم.
ولم يكن المخرج الذي حظي به المشروع مفاجئاً، ولكن ما كان لافتاً هو ان تعمد الحكومة الى سحبه واسترجاعه، بعدما احالته يتيم المرجع الى اللجان وسط اقتناع بأن يتم إقراره في اللجان ورفعه الى الهيئة العامة.
وبدا واضحا ان الصيغة المقترحة والتي وزعت على نحو شديد الالتباس، ثم عزيت أبوتها الى نائب رئيس الوزراء بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي، لم تعمر لحظات في جلسة اللجان امس حيث اشتعلت عملية توظيف هذه “الهدية” المجانية الطوعية في مواقف حادة عمت معظم الكتل. وكان المخرج ان اللجان خرجت بتوصية الحكومة بصوغ مشروع قانون كابيتال كونترول متماسك يأخذ في الاعتبار المصلحة العليا للمودعين.
وخرج من الجلسة رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابرهيم كنعان ليعلن اعتراضه على صيغة المشروع التي “تختصر فيها لجنة، الدولة بكاملها من القضاء والحكومة وغيرها وهذا الامر ليس مقبولاً فعلى الحكومة ارسال مشروع قانون وتحمل مسؤولياتها تجاه المودعين”. وأضاف “أرسلوا لنا الكابيتال كونترول مفصّلاً فيه أسباب موجبة ونحن نتعهد انه في أيام قليلة سندرس الصيغة بحسب الاصول ولكن لن نقبل أن تجمّد أموال الناس لخمس سنوات وتمديد هذه المهلة من دون الرجوع إلى المجلس النيابي”. اما رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان فأكد أن “أي خطة لا تراعي استعادة أموال المودعين وتشرح خطة استعادتها لن تمر في المجلس النيابي”، معتبرا أن “ما تم عرضه في ما يتعلق بقانون الكابيتول كونترول هو شرعنة الإستيلاء على أموال المودعين أولاً، وتغيير النظام المالي ثانياً”. ولفت عدوان الى أن “الكابيتال كونترول هو جزء لا يجتزأ من خطة الحكومة المالية، واليوم نائب الرئيس يكلمنا عن خطة حتى اللحظة لا تزال سرية، ولا أحد يعلم بها إلا من أوصل البلاد الى وضعها اليوم. فيما المجلس النيابي لا يعلم ما هي وليس مسؤولا عنها ولم تحل إليه، وليست هذه طريقة العمل الصحيحة”.
بين الجلستين
وفيما يعقد مجلس النواب جلسة تشريعية اليوم ليس مستبعدا ان تكون الأخيرة قبل موعد اجراء الانتخابات في 15 أيار ما لم تطرأ تطورات تلزم المجلس الانعقاد مرة أخرى لاصدار قوانين ذات طبيعة ملحة، تتجه الانظار الى جلسة مجلس الوزراء التي ستعقد غدا في قصر بعبدا. ذلك انه من المستبعد ان يحضر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة هذه الجلسة بعدما كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اقترح في الجلسة الأخيرة دعوة سلامة الى حضور الجلسة المقبلة للبحث في الملفات المالية الملحة. حتى ان بعض المعطيات اشارت الى ان سلامة ، في حال بقي الامر مطروحا ولم يجر صرف النظر عنه، قد لا يحضر أيضا الى السرايا ما دامت المراجعات القانونية التي يقدمها وكلاؤه في مواجهة القاضية غادة عون لا تأخذ طريقها القانوني الى البت بها . وامس أصدر حاكم مصرف لبنان تعميماً طلب فيه من المصارف “تأمين السيولة اللازمة لسحب موظفي القطاع العام كامل رواتبهم وملحقاتها وعدم وضع قيود عليها”.
وعلى مسار المواجهة القضائية المصرفية سجل امس تقديم وكيل الموقوف رجا سلامة طلب اخلاء سبيل الى القاضي نقولا منصور مرفقا بالمستندات المطلوبة لتثبيت كيفية تسديده ثمن العقارات موضوع القضية وتم تحويل الطلب الى القاضية عون لابداء الرأي.
الى ذلك، افيد ان النيابة العامة التمييزية قررت الرجوع عن قرار النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان الذي قضى بمنع تحويل وشحن الاموال من عدد من المصارف الى خارج لبنان نتيجة الطلب المقدم من الوكيل القانوني للمصارف المحامي صخر الهاشم وأرسل القرار الى المديرية العامة للجمارك.
لودريان والملف اللبناني
في سياق التحركات الخارجية المتصلة بالوضع في لبنان افاد مراسل “النهار” في فرنسا سمير تويني ان الملف اللبناني بدا حاضرا بقوة في مجمل محادثات وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان خلال جولته على عدد من دول الخليج العربي. ويقوم لودريان بجولة على قطر وعمان والكويت بين ٢٧ و ٢٩ اذار الحالي وتهدف الجولة الى مناقشة القضايا الثنائية والاقليمية والدولية مع السلطات القطرية والعمانية والكويتية في سياق غزو روسيا لاوكرانيا والعمل لتنويع مصادر الطاقة الاوروبية.
وكان الملف اللبناني على طاولة هذه المباحثات بين لودريان وجميع محاوريه بالاضافة الى الملف النووي الايراني والحاجة الملحة للتوصل الى اتفاق يسمح بالعودة الى خطة العمل الشاملة المشتركة وضرورة اقامة حوار اقليمي حول قضايا السلام والامن.
وافادت الخارجية الفرنسية ان لودريان شارك في منتدى الحوار الاستراتيجي الفرنسي – القطري خلال نهاية الاسبوع المنصرم، واجرى محادثات مع امير قطر الشيخ تميم ال ثاني ووزير الخارجية الشيخ محمد ال ثاني أثيرت خلالها الازمات الاقليمية والوضع في لبنان وليبيا والملف النووي الايراني وامداد اوروبا بالطاقة.
اما في الكويت التي يزورها اليوم فسيبحث فيها مع نظيره الشيخ احمد ناصر المحمد الصباح مجمل الازمات الإقليمية والوضع في لبنان، في ظل المبادرة الكويتية لعودة العلاقات الاخوية بين دول الخليج ولبنان.
كما اجرى وزير الخارجية الفرنسي محادثات مع نظيره الاماراتي الشيخ عبد الله بن زايد ال نهيان بهدف تنويع مصادر الطاقة الاوروبية والتقيد بخطة العمل الشاملة المشتركة وذكر لودريان بان الاعتراف بالنظام السوري بلا اي مقابل لن يحقق الاستقرار في سوريا والمنطقة.
اما مع نظيره السعودي الامير فيصل بن فرحان فسعى لودريان الى تنويع مصادر امداد الدول الاوروبية بالطاقة. وتطرق معه الى الازمات الاقليمية ونتائج زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى جدة في كانون الثاني المنصرم وزيارة وزير الخارجية السعودي الى فرنسا الشهر الماضي الذي تزامن مع استهلال مشاريع عدة تتيح توفير مساعدات مباشرة للشعب اللبناني.
“حزب الممانعة”
على صعيد المواقف الداخلية من التطورات برز امس موقف عنيف للحزب التقدمي الاشتراكي مما وصفه “حزب الممانعة” واعلن في بيان “أمّا ويُتحفنا مسؤولو “حزب الممانعة” بتكرار التصريحات التي تضرب حقائق التاريخ والحاضر وتهدّد باستمرار فكرة لبنان الشراكة والتنوع، وآخرها مزايدات أحد منظّريهم المنبريين حول العداء لإسرائيل، فإننا نسأل ونذكّر في آن: هل هم فقط من قاوم الاحتلال الإسرائيلي؟ هل يعرفون أن المقاومة الوطنية بدأت قبلهم واستمرت وقدّمت الشهداء والجرحى والتضحيات؟ هل يعترفون بنضالات الحركة الوطنية إلى جانب القوى الفلسطينية؟ وأين هم من كمال جنبلاط شهيد فلسطين والعروبة؟ وأين هم من كل شهداء الأحزاب الوطنية؟ إنها ثقافة الإلغاء السياسي والاغتيال الجسدي تحكّمت ولا تزال بعمل الأحزاب الممانعة على اختلافها من العراق إلى سوريا ولبنان، وإذا ما انتصرت هذه الثقافة فلن يبقى شيء، لا الطائف ولا العروبة ولا الديموقراطية ولا التنوع ولا لبنان.
وأكد انه “اذا كان الحزب التقدمي الاشتراكي قد تخطّى كل الاعتبارات الخلافية الكبيرة، ورسّخ مع الجميع مصالحات وطنية لتكريس قاعدة أساسية وهي أن الخلاف السياسي طبيعي لكنه يجب أن لا يمسّ على الإطلاق بالحياة الوطنية الجامعة، فإن ذلك لن يثنيه عن خوض معركة الدفاع عن الحرية والتعددية”.