مع اقفال مهلة تسجيل اللوائح الانتخابية منتصف ليل اليوم الاثنين، تكون البلاد قد دخلت رسمياً وواقعياً مرحلة الاحتدام السياسي والانتخابي الكبير في الشوط الأخير من العد التنازلي الى يوم #الانتخابات النيابية في 15 أيار المقبل. غير ان المفارقة التي لا يمكن أي فريق منخرط في السباق الانتخابي ان يتنكر لها لا تزال تتمثل في معادلة تجمع وجهين متناقضين: احدهما يعكس تصاعد السخونة الانتخابية والسياسية والدعائية لدى الافرقاء السياسيين والمجموعات المنخرطة في الانتخابات الى سقوف بالغة الحماوة، والاخر يتصل بالشريك الأساسي والحاسم في تقرير مصير الاستحقاق أي الناخب الذي تغلب على جبهته برودة قياسية تثير القلق التصاعدي لدى الجميع من ان تفضي الى تضخم قياسي في نسبة عدم الإقبال على الاقتراع. ولكن في انتظار الأسابيع المقبلة الفاصلة عن موعد الانتخابات اتجه لبنان بقوة الى مقلب سياسي محتدم يبدو ان كل الأولويات الرسمية والسياسية باتت في مرتبة خلفية وراءه اذ سجلت في الأيام الأخيرة حماوة عالية في الخطاب الانتخابي على خلفية الصراع المتأصل بين مناهضي “حزب الله” والحزب في شكل أساسي. وتشكل هذه الظاهرة تطوراً أساسياً في رسم معالم المعركة الانتخابية بعنوانها السياسي العريض بما سيترك انعكاسات مباشرة على مختلف الساحات والمناطق الانتخابية حيث ستشتد من اليوم حمى التعبئة والحملات الانتخابية حاملة معها كل وقائع الصراع السياسي الداخلي من جهة وكل ملفات الأزمات والكوارث الاجتماعية والاقتصادية والمالية التي تفجرت تباعا منذ بدء الانهيار في لبنان قبل ثلاث سنوات من جهة أخرى.
لذا تؤكد المعطيات انه لم يبق امام الحكومة في فترة العبور القصيرة المتبقية الى الاستحقاق الانتخابي سوى محاولة حث الخطى لانجاز المرحلة الأولى من المفاضات الجارية مع بعثة صندوق النقد الدولي للتوصل الى مذكرة تفاهم أولية تكون أساس المرحلة التالية التي تستوجب الغوص في تفاصيل ما يسمى خطة التعافي لانجاز الاتفاق الأخير المرجو. وفي ظل ذلك، بدا واضحا ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يقف ضد المضي في تصعيد الإجراءات ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في هذه الفترة تحديدا، اذ وبحسب اوساط رئيس الحكومة “من غير المنطق توجيه الضربات الى الحاكم حيث سيتضرر البنك المركزي والبلد كله بينما المطلوب هو حماية المؤسسة. ولا تستقيم المسائل عند تحميل المسؤولية والاخطاء التي وقعت ووضعها كلها على ظهر سلامة، وانما الطبقة السياسية هي المسؤولة”.
وتقول مصادر السرايا انه لايمكن تاليا للحكومة والجهات المعنية ان تمضي قدما نحو انجاز وضع قوانين وتشريعات جديدة او تطوير القديمة تتصل بوضع منظومة المصارف اللبنانية بما تمثل من موقع اساسي في دورة الاقتصاد الوطني، فيما مصرف المصارف الذي هو حاكم مصرف لبنان، محاصر بسيل من الشبهات وملاحق بالدعاوى القضائية من هذه الجهة او تلك. وتعيد المصادر التأكيد ان ميقاتي ليس في وارد الدفاع عن سلامة بل انه يخوض حملة الدفاع عن المؤسسة التي ناطت بها قوانين النقد والتسليف الموضوعة منذ عقود، مهمة وصلاحية ادارة الشان المالي والمصرفي وتنظيمهما بصرف النظر عمن يشغل منصب حاكم مصرف لبنان. وتذكر بانه سبق لميقاتي ان اعلن مرات الاستعداد للانطلاق في رحلة البحث عن تعيين بديل لسلامة لكن ضمن تحقيق شرطين اساسيين:
اولهما ان مسألة البديل تحتاج الى اتفاق داخلي تام يصل الى حدود الاجماع الوطني على الشخصية التي يتم اختيارها لهذا المنصب الحساس.
وثانيهما ان تتوفر في البديل شرط الكفاءة العالية انطلاقا من جسامة المهمة التي تنتظره ومن استثنائية المرحلة التي نمر فيها.
موقف الراعي
اما التطور الأبرز الذي سجل امس في سياق تداعيات المواجهة القضائية المصرفية فجاء عبر انتقادات قاسية إضافية وجهها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الى القضاء فقال : “تزداد الشبهات حول مسار القضاء في لبنان الذي أصبح بجزء منه أداة في يد السلطة
السياسية تستخدمها ضد العدالة. ونتساءل هل نحن أمام مكافحة الفساد أم أمام مكافحة الأخصام السياسيين؟ كيف للسلطة القضائية إلا تحسم بعد مصير التحقيق في تفجير مرفأ بيروت؟ ولماذا لم تبت بعد بصلاحية قاضي التحقيق العدلي ليستكمل تحقيقاته في هذا الشأن؟ ولماذا يمتنع التفتيش القضائي عن توضيح ملفات القضاة المحالين عليه؟ ولماذا الادعاء التمييزي العام لا ينفذ القرارات التي يصدرها؟ في الحقيقة لم نشهد في أي زمن سابق هذا الاضطراب في عمل القضاء وهذه التبعية للمنظومة السياسية، وهذا التردد لدى الهرمية القضائية في وضع حد لهذه الظاهرة الفوضوية”.
المواجهة الانتخابية
أما في المشهد السياسي – الانتخابي فتصاعدت وتيرة المواجهة السياسية والسجالات الحادة مترافقة مع كثافة لافتة سجلت في اعلان اللوائح الانتخابية في اليومين الأخيرين . وفيما لوحظ ان الاحتدام بين “حزب الله” وخصومه من قوى وشخصيات 14 آذار سابقا يشكل واجهة سياسية وإعلامية متقدمة للمعركة الانتخابية، اعتبر امس احد قادة الحزب الشيخ نبيل قاووق أن “التدخلات الأميركية والسعودية فاضحة، لكن كل هذه التدخلات مع أدواتها في الداخل لن تستطيع أن تتجاوز حقيقة أن حزب الله هو الأكثرية الشعبية التي ستبقى شوكة في عيون المعادين والحاسدين، وسيثبت جمهور المقاومة مجددا للقريب والبعيد أنه أهل الوفاء وأهل أن يحمل المسؤولية ليحمي الكرامة والمقاومة، ويوجه ضربة سياسية كبيرة لكل المشاريع الخارجية لاستهدافه”. وأضاف “نقول للأميركيين ولأدواتهم في المنطقة، إن لبنان قبل الانتخابات وبعدها لن يكون ساحة أميركية في خدمة الأهداف الإسرائيلية. وما دام حزب الله على سلاحه وجمهور المقاومة على وفائه، فلن يأتي اليوم الذي تكون فيه كلمة أميركا هي العليا”.
أما النائب محمد رعد فقال: “نحن نريد الشراكة معكم ولا احد يمكنه الحكم وحده، حتى لو طال رأسه السماء، فطبيعة لبنان وتركيبته الطائفية تفرض التوافق، واذا لم نتفاهم في ما بيننا سنظل نعاني مشاكل اقتصادية وإنمائية وإنتاجية، ليس لدينا فرص عمل لأننا لسنا منتجين، والسلطة علمت الناس على الكسل والاقتصاد الريعي وفوائد البنوك”. أضاف: “نحن متفائلون رغم كل المشاكل لأن الأسباب والحلول معروفة، وطريق الحل اولا تكوين حكومة لديها برنامج مدروس لمصلحة الناس وليس وفق شروط هذه الدولة او تلك. أما بالنسبة الى انتخاب الرئيس فمن مصلحة الجميع التوافق عليه”.
وفي مناسبة احياء ذكرى الحصار السوري لزحلة في 2 نيسان 1981 ذكر رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بان “قلّة قليلة من ابطال القوات اللبنانية مع اهالي زحلة بتلاحمٍ بطولي واسطوري تصدّوا لآلة القتل والتدمير الأسدية وحولّوا زحلة من عروسة البقاع، الى عروسة الثورة، الثورة على الظلم والقهر والاحتلال في لبنان في ذاك الزمان، وانتفاضتهم على المحتل سبقت بشوط كبير بقية اللبنانيين، ولا نستطيع ان ننسى أيضًا ان النظام السوري اعتقد “انو بكم عسكري وبكم دقيقة بينتهي من موضوع زحلة” ولكنه أخطأ في ظنه فهو من انتهى وغادر وبقيت زحلة” مشبهاً مقاومة زحلة في وجه الاسد في العام 1981 بمقاومة الاوكرانيين اليوم”.
وقال” لا يمكننا نسيان هذا “الارنب في الجولان” فكم وكم من ارنب صغير “فقّس” في لبنان، ارانبه تستمر بالتنقل هنا وهناك لتضييع “شنكاش” المعركة الأساسية ويأكلون الغلة والمحصول ويعبثون في الارض فوضى وفسادا، وكما اخرجت زحلة ارنب الجولان الكبير، حان الوقت لإخراج مخلّفاته الصغار في أقرب فرصة، وتاريخها في 15 أيار”.
وهاجم رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب تيمور جنبلاط العهد بعنف قائلا “أن المسؤول الأول الذي أقسم اليمين على حماية الدستور وصون المؤسسات، يستمر عوض ذلك في خلق المبررات تارة والتلميحات المختلفة طورا للهروب من الواقع المؤلم الذي اغرق هذا العهد لبنان فيه، ومن ذلك التلميح لتطيير الاستحقاق الانتخابي الذي يشكّل محطة أساسية في طريق تحصين الدولة واستعادة سيادتها”. وأكد أن “الناس ينتظرون الانتخابات لتحديد خيارهم بأي دولة يريدون، وهي فرصة محاسبة من قاد بلدهم نحو جهنّم ودمّر مؤسساته”.