حيث ان حلول الأول من أيار سيعتبر بداية دخول البلاد في “المنطقة الحمراء” الانتخابية التي لن يبقى فيها حتى الخامس عشر من أيار صوت يعلو صوت المبارزات الانتخابية الصاخبة والحملات المحمومة لاستنفار القواعد الناخبة وتحفيز الناخبين على الاقبال الكثيف على صناديق الاقتراع، لم يبق امام الحكومة ومجلس النواب سوى الفترة القصيرة الأخيرة الفاصلة عن بداية أيار لانجاز المشاريع المصنفة “ملحة وحيوية واساسية” في سياق ترجمة التزامات لبنان مع صندوق النقد الدولي. سباق لاهث مع الوقت بعدما تمادى قتل الوقت على يد المؤسسات منذ بدء الانهيار قبل ثلاث سنوات فهل ستتمكن الحكومة والمجلس من استدراك إقرار رزمة المشاريع في مهلة عشرة أيام؟
الواقع ان الشكوك العميقة والكثيفة كانت عادت ترخي بظلالها بقوة على إمكانات إقرار مشاريع “#الكابيتال كونترول” والموازنة وإنجاز خطة التعافي الاقتصادي بصيغتها النهائية، ولو سربت طبعتها المحدثة الأخيرة، ليس بسبب عامل الوقت “النافد” الضاغط فحسب، بل لان مضامين واتجاهات هذه المشاريع لا تزال محور تباينات وانقسامات عميقة بين اهل السلطة انفسهم قبل ان تكون بينهم وبين الجهات السياسية والنيابية والنقابية والاهم المصرفية المعارضة. وقد برزت مع عودة دورة العمل الرسمي امس معالم تعقيدات لا يستهان بها على صعيد انجاز مشروع الكابيتال كونترول من جهة، كما على صعيد انجاز خطة التعافي الحكومية من جهة أخرى وكلاهما من “المشاريع المفاتيح” التي يتطلبها الاتفاق الاولي الموقع بين لبنان وصندوق النقد الدولي .
ويبدو ان واقع التعقيدات هذا، أملى قيام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بزيارة لرئيس مجلس النواب نبيه بري في اعقاب اجتماع اللجان المشتركة لدرس الكابيتال كونترول والتي ستستمر في عقد جلساتها اليوم وغدا الخميس للمضي في محاولة إقرار تعديلات جوهرية على المشروع علها تكفل مروره في مجلس النواب. وقد أفادت معلومات مساء امس ان جلسة اللجان امس كرست مسار إقرار المشروع في الأيام المقبلة على رغم الاعتراضات التي ترفعها قوى معينة. وبعد جلسة البارحة التي أدخلت فيها تعديلات إضافية الى مشروع القانون، اكد رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان ان “الحكومة لم تقدّم أيّ خطة للتعافي وكي لا يتذرّع أحد بأنّ المجلس النيابي لا يريد الكابيتال كونترول قمنا بـ”تشحيل” بعض مواده”. اما النائب نقولا نحاس فقال: “دخلنا في التعريفات وأوضحناها ونحن بحاجة إلى لجنة تصدر الإجراءات التطبيقية لتطبّق مندرجات قانون الكابيتال كونترول وهذه اللجنة أخذت سجالاً حول مرجعيتها القانونية” .
كما ان النائب علي حسن خليل شدد على انه “لن يكون هناك قانون “كيفما كان” انطلاقا من ثابتة اكيدة هي طريقة الحفاظ على اموال المودعين وترك الباب مفتوحا حتى لا يتضرر هؤلاء ولا يتضرر الوضع المالي اكثر مما هو حاليا. وايضا، لن يكون هناك حماية لاحد في هذا القانون”.
اما اللافت في كلام حسن خليل فكان رده على كلام رئيس الجمهورية ميشال عون عن تعليق مرسوم غرف التمييز اذ استغرب “التصويب نحونا، وسؤالي: من عطل التشكيلات القضائية مدى عامين، والمهم ان يجيبنا فخامة الرئيس عن هذا الموضوع وعن الاسباب التي عطلت عمل القضاء ككل في غياب التشكيلات القضائية لاكثر من عامين، ولا يمكن لمن يطالب بالحفاظ على التوازنات بالمؤسسات الوطنية ويحجز مراسيم تتعلق بتعيينات للفئات الثالثة وما دون خلافا للنظام العام وللدستور ان يمارس او يضغط في اتجاه توقيع مرسوم مخالف لهذه التوازنات عندما اضيفت غرفة الى غرف محكمة التمييز حتى حصل خلل كبير في هذا الموضوع وصرنا بهيئة عامة لمحكمة التمييز غير متوازنة”.
خطة التعافي والودائع
اما في ما يتصل بخطة التعافي، وعشية جلسة لمجلس الوزراء قبل ظهر غد في السرايا ستعرض لهذه الخطة، فقد عادت التوترات تغلف مناخ السعي الى إقرارها بعدما اثار تسريب نسختها الأخيرة موجة ردود سلبية لجهة ما لحظته من اقتطاعات على الودائع المصرفية . وبازاء موجات التوتر التي أثيرت في الساعات الأخيرة، سارع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى محاولة تبديد القلق، فاعلن “أن من اولويات الحكومة في المعالجة الاقتصادية الحفاظ على حقوق المودعين وليس التفريط بها”. وقال خلال اجتماعه مع وفد من جمعية المصارف “ان خطة التعافي تعطي الاولوية للحفاظ على حقوق الناس واعادة تفعيل مختلف القطاعات الانتاجية وايضا المحافظة على القطاع المصرفي الذي يشكل عنصرا اساسيا في التعافي الاقتصادي وان كل ما يقال عن تفريط بحقوق المودعين وضرب القطاع المصرفي هدفه اثارة البلبلة وتوتير الاجواء”.
ولكن المعلومات اشارت الى ان الخطة المقترحة لا تلقى قبولاً لدى المصارف التي حُمّلت مسؤولية الخسائر وتعويضها على الناس. وقد نقل وفد جمعية المصارف الى رئيس الحكومة أمس هذا الانطباع، من دون ان يخرج بما يطمئنه او يبدده، خصوصاً ان الخطة تحدد بوضوح الحد من اي مسار يتسبب باللجوء الى الموارد العامة، اي بكلام أوضح، تتنصل الدولة من اي مسؤولية او التزامات تجاه المصارف او تجاه المودعين، برفضها المساس بأصولها او مواردها علماً ان المصارف كانت اقترحت واعادت الاقتراح انشاء صندوق لإدارة أصول الدولة.
وتلحظ استراتيجية القطاع المصرفي في الخطة المسربة “العمل على حماية كل مودع في كل مصرف وفي حدود تصل الى 100،000 دولار على الاقل على ان لا تشمل هذه الحماية اي زيادة رصيد طرأت على حساب المودع بعد تاريخ 31 آذار 2022. وفي ما يتعلق بالودائع التي تتخطى الحد الادنى المستفيد من الحماية سيتم اما تحويلها الى حصص ملكية او حذف جزء منها، كما تحويل جزء من ودائع العملات الاجنبية الى الليرة بأسعار صرف ليست تبعاً لسعر سوق القطع. وتحقيقاً لهذه الغاية، ولكي يتم تحديد حجم متطلبات الرسملة الداخلية للبنوك الفردية واعادة صياغة ميزانياتها العمومية، يتطلب تقييم الخسائر وبنية الودائع لكل بنك على حدة وذلك لاكبر 14 مصرفا (ما يمثل 83% من مجمل الاصول) عن طريق لجنة الرقابة على المصارف بمساعدة من شركات دولية مرموقة بحسب المعايير المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي على ان يتم إنجاز هذه التقييمات بنهاية شهر أيلول 2022. ”
توزيع الناخبين المغتربين
في غضون ذلك وعلى صعيد المشهد الانتخابي تواصلت تداعيات ملف اقتراع المغتربين في ظل ما اثير أخيرا عن شوائب حصلت في توزيع المسجلين في بعض بلدان الانتشار اللبناني . واتهم رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع امس وزارة الخارجية والمغتربين بـ”ارتكاب جريمة موصوفة بعض معالمها طريقة توزيع المغتربين على مراكز الاقتراع، ففي العام 2018 اقترع المغتربون وفق توزيع معيّن بينما في العام 2022 خرّبت الوزارة هذا التوزيع وبدّلته من ولاية الى اخرى بدل ان تعتمد طريقة الانتخابات السابقة التي اعتاد عليها الناخبون. وهذا التغيير شهدناه في بعض البلدان فقط ويؤثر فيها على تنقّل الناخب اذ بات يحتاج ساعات وساعات اضافية للوصول الى الولاية التي سيقترع فيها”. ودعا جعجع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى “وضع يده على الملف وتصحيح هذه الاخطاء”.
الزيارة البابوية
من جهة اخرى، انطلقت الاستعدادات لزيارة البابا فرنسيس للبنان . وفي هذا السياق، استقبل البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي امس رئيس اللجنة الوطنية للاعداد لزيارة البابا وزير السياحة وليد نصار الذي أكد بعد اللقاء ان” قداسة البابا سيزور لبنان ليومين في 12 و13 حزيران”، مشيرا إلى أنه” عرض التحضيرات للزيارة مع البطريرك وسيلتقي السفير البابوي في لبنان ليقدم له المسودة الأولية لبرنامج الزيارة متوقعا الانتهاء من وضع البرنامج النهائي وتشكيل اللجان المختصة أواخر الاسبوع الجاري”. وكشف نصار انه “سيرفع تقريرا اوليا عن برنامج الزيارة إلى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في جلسة مجلس الوزراء المقبلة”.