قبل 18 يوما من موعد #الانتخابات النيابية في 15 أيار، بدا المشهد الداخلي على قدر كبير من الارتباك والتوزع بين سباق الأولويات التي تتنافس من خلال متطلبات الازمات المعيشية والخدماتية الخانقة والاخذة بالتصاعد من جهة، والعد العكسي للانتخابات المتسارع نحو نهايته. واذا كانت مدينة طرابلس تعيش ظروفا خاصة دراماتيكية منذ حادث غرق “زورق الموت” والتداعيات التي لا تزال ترخي بذيولها الثقيلة على المدينة بحيث اختفت فيها تقريبا معالم السباق الانتخابي مع توقف المهرجانات والحملات الانتخابية، فان كثيرا من المناطق الأخرى لا تعكس في الواقع الشعبي حماسة وغليانا واحتداما كتلك المعالم التي تطبع حركة اللوائح الانتخابية والقوى المنخرطة بقوة في المبارزات الانتخابية. وبات معلوما على نطاق واسع ان معظم القوى السياسية والحزبية كما المجموعات الناشئة من الحراك المدني تتقاسم هاجساً أساسياً مشتركاً هو الحض للاقبال على الاقتراع في ظل اتساع المؤشرات الإحصائية والواقعية المباشرة حيال الفتور الذي يطبع الواقع الشعبي ل#لبنانيين في شكل عام الامر الذي سيشكل المحور الأساسي والأكبر للحملات الانتخابية لمجمل الناخبين والقوى السياسية في ما تبقى من مهلة للانتخابات. وفي ظل هذا الواقع بات من المستبعد تماما ان “تقلع” أي محاولات لتمرير المشاريع التي سعت الحكومة الى تمريرها قبل الانتخابات والتي كان اسقاط نصاب الجلستين الاخيرتين للجان النيابية لاستكمال البحث في مشروع الكابيتال كونترول، تجسيدا حياً لمصير اي محاولات مماثلة بما يعني ان الحكومة ستواجه حتما استحقاق ترحيل المشاريع ذات الصلة باتفاق لبنان مع صندوق النقد الدولي الى ما بعد بدء ولاية مجلس النواب المقبل المنتخب. ولعل الإشكالية الأخرى في هذا السياق تتصل بما اذا كانت الحكومة الحالية التي ستتحول بعد 15 أيار الى حكومة تصريف اعمال بفعل اعتبارها مستقيلة حكما يمكنها ان تنجز استكمال الإجراءات المتصلة بالاتفاق مع صندوق النقد ام سيتعين انتظار تاليف الحكومة الجديدة لهذه الغاية.
وسوف يشهد مجلس النواب اختبارا إضافيا اليوم في مهلة العبور الأخيرة الى الانتخابات من خلال الجلسة النيابية التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري بناء على طلب كتلة “الجمهورية القوية” طرح الثقة بوزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب علي خلفية اتهامه باعتماد إجراءات مخالفة للقانون في توزيع المراكز الانتخابية في عدد من بلدان الاغتراب. ذلك ان الجلسة ستمر باختبار توافر النصاب من عدمه أولا، (علمت “النهار” ان كتل التنمية والتحرير، والوفاء للمقاومة، واللقاء الديموقراطي، ولبنان القوي، وبالطبع الجمهورية القوية، ستحضر جميعها)، وفي حال انعقادها ستمر بالاختبار الثاني المتصل بتثبيت او حجب الثقة عن الوزير الوثيق الصلة برئيس الجمهورية ورئيس “التيار الوطني الحر” وسط طغيان الحسابات الانتخابية وتحالفاتها. وفي ظل الأكثرية الحالية والتحالف “المعوم” انتخابيا في بعض الدوائر بين “حركة “امل” والتيار البرتقالي بواسطة “حزب الله” يستبعد ان يسقط الوزير بالضربة “القواتية”، ومع ذلك فان مجرد انعقاد الجلسة من اجل طرح الثقة به سينعكس مزيدا من ظلال التشكيك في الإجراءات الانتخابية المعتمدة اغترابيا.
ووسط الجمود الذي طبع الحركة السياسية امس مع وجود رئيس الوزراء نجيب ميقاتي في السعودية لاداء مناسك العمرة برز مجددا تصعيد رئيس الجمهورية ميشال عون نبرته على الخط المصرفي والمالي. وقال عون امام زواره “انا مؤمن بقيامة لبنان وأعمل من أجل هذا الأمر، على أمل أن يعمل رئيس الجمهورية المقبل وفق خارطة واضحة تكون قد تحددت نقاطها.” وأضاف “هناك من يتلاعب بالمسائل المالية وبسعر صرف الدولار وهو ما يؤثر بشكل سلبي على المواطنين وهناك تقارير من قبل اختصاصيين محليين ودوليين تشير الى وجود جهات هدفها تأزيم الوضع ومنها من هو في موقع السلطة”.
وتزامنت مواقف عون مع موافقة المجلس المركزي في مصرف لبنان امس على تمديد العمل بالتعميم 161 لمدّة شهر إضافي قابل للتجديد.
طرابلس والتداعيات
وفي غضون ذلك ظلت تداعيات الوضع في طرابلس متصدرة المشهد الداخلي لليوم الرابع . وواصل عناصر من وحدة الإنقاذ البحري في الدفاع المدني ومن المراكز البرية المجاورة العمل بحثاً عن المفقودين الذين كانوا على متن الزورق. وانطلقت عمليات المسح الميداني الشامل براً وبحراً من رأس بيروت وصولاً إلى العبدة في محاولة للعثور على أي من المفقودين. وفي هذا الاطار، ورغم المساعدات التي أقرها مجلس الوزراء في جلسته الاخيرة تجمع أهالي مفقودي الزورق عند ساحة القبة ملوحين بقطع بعض الطرق داخل المدينة، بعدما نفذوا وقفة إحتجاجية أمام مرفأ طرابلس صباحا وطالبوا بلقاء مع قائد الجيش العماد جوزف عون كما هددوا بالإنتقال لاحقا إلى منازل السياسيين في طرابلس .
وفي سياق التداعيات السياسية لحادث الزورق برز موقف حاد غمز فيه من قناة الجيش، للنائب نهاد المشنوق عقب لقائه امس ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، اذ اكد أن “غرق 25 ضحيّة في بحر طرابلس ليس حادث سير، بل هناك أمّهاتٌ ثكالى وآباء فجعوا بأولادهم وطرابلس دمها ليس رخيصاً أبداً ودم الناس قبل أيّ مؤسسة، وقبل أيّ مجموعة وقبل أيّ قرار”. واعلن “لن نقبل أن يتكرّر التعاطي كما حصل مع تفجير التليل، حين جاء الجيش لتوزيع البنزين على أهالي الشمال الساعة 12 ليلاً، وقيل ما قيل من كلام عن خزّان وقعت قداحة قربه. وكأنّ الضحايا فئران تجارب”. وسأل المشنوق “أين تحقيق التليل بعد 8 أشهر؟ ومن حوسب؟ وما المانع من تكرار قصّة التليل بغرق الزورق؟ فهل كان ضحايا الزورق ذاهبين للسياحة، أم كانوا هاربين من جهنّم؟ وهل النقاش إذا كان المركب كبيرا أو صغيرا؟” وتمنى تحويل القضية إلى المجلس العدلي “حتّى لا يُظلم أحد. فنحن نثق بالجيش وبمسؤوليته الوطنية وبنزاهته وصدقه، لكن هذا لا يكفي لكشف الحقيقة”. وأضاف “أعتبر هذا النداء موجّهاً إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تحديداً، لأنّ هذه مدينته وهؤلاء أهله وبيئته ومحيطه، وهو نائبهم ورئيس الوزارة”.
اتهام وزير المال
ولعل اللافت في هذا السياق انه وسط استمرار تفاعل تداعيات حادث طرابلس تحركت مجددا تفاعلات تعطيل التحقيق في ملف انفجار مرفأ بيروت. وحمل أهالي الضحايا وأهالي شهداء فوج الاطفاء بشدة على وزير المال لتعطيله التعيينات القضائية موضحين أنه “بعد انتهاء كل حجج التأخير والتعطيل للقاضي طارق البيطار، وصل الملف الى وزير المال الذي يجب أن يوقع عليه ضمن سلسلة امضاءات لاعادة تشكيل الهيئة العامة لمحكمة التمييز”. وبحسب الأهالي “قرر وزير المال يوسف الخليل ان يحمي الميثاقية بامتناعه عن الامضاء والذي يخرج عن اختصاصه تماما” وتوجهوا الى خليل بالقول: “انت تضرب استقلالية القضاء وتناقض مبدأ فصل السلطات والشي الوحيد الذي تفعله هو تغطية المجرمين وحمايتهم.. الموضوع مفضوح ورئيس جمهورية قالها علنا انت ومن تتبع تعرقل التحقيق يا حضرة الوزير! ” وحملوا وزير المال المسؤولية عن ضياع المعلومات التي تشكل رأس الخيط للوصول للحقيقة” وحددوا مهلة “أيام قليلة معدودة”، محذرين من انه “اذا لم يوقع وزير المال فلا يلومنا أحد على ما سنفعله”.
المشهد الانتخابي
اما على الصعيد الانتخابي فنبه امس الرئيس فؤاد السنيورة اثر زيارة لدار الفتوى “من تزويرإرادة اللبنانيين وإرادة أهل بيروت”، مضيفا “العاصمة لم تكن، ولا يجوز أن تصبح سائبة أو أرضا شائعة يتولى كل واحد محاولة تزوير إرادتها”. ودعا “اللبنانيين جميعا، ليس فقط أهل بيروت، أن يبذلوا جهدهم من أجل أن يعبروا عن رأيهم، وبالتالي أن ينتخبوا من يريدون، ولكن يجب أن يمارسوا هذا الحق الواجب، لأن الاستنكاف عن المشاركة في الانتخابات سيؤدي عمليا إلى خفض الحاصل الانتخابي في كل المناطق، وبالتالي سيسمح لجميع الذين يريدون تزوير إرادة اللبنانيين بأن يحصلوا على عدد أكبر من المقاعد. اضاف: “هذا هو الهم الذي يجب أن يكون الشاغل الأساسي لدى جميع اللبنانيين، وتحديدا لدى الذين يؤيدون اللوائح السيادية، فاللبنانيون يستطيعون من خلال تضامنهم وعملهم ووطنيتهم أن يغيروا الأمور، وهذا ما يجب ان يسعوا اليه”.