اعتباراً من منتصف الليل الفائت، بدأت فترة الصمت الانتخابي الالزامي إيذانا بانطلاق المرحلة الأولى من استحقاق #الانتخابات النيابية اللبنانية لسنة 2022 بدءاً بانتخابات المغتربين غداً الجمعة في السادس من أيار في الدول العربية والتي تعتمد يوم الجمعة عطلة أسبوعية، على ان تجري المرحلة الثانية الاحد المقبل في الثامن من أيار في دولة الامارات وسائر دول الانتشار الأخرى فيما تتوج المراحل الانتخابية في لبنان يوم الاحد في الخامس عشر من أيار. ولعل المفارقة الأولى التي واكبت وستواكب بدء الصمت الانتخابي منتصف الليل الفائت والذي سيستمر حتى صباح الاثنين المقبل تتمثل في “ارتياح” عارم للهدنة الإعلامية والكلامية القسرية التي يفرضها هذا البند من قانون الانتخاب الهجين الذي ينفذ للدورة الثانية بعد دورة عام 2018 بعدما شهدت البلاد في عطلة عيدي العمل والفطر فصولا تصعيدية بالغة العنف في السجالات والحملات والمهرجانات والمنابر التلفزيونية استحضرت في الكثير من جوانبها كل ما ينفر ويشوه ويثير عوامل التشكيك في مناخ الاستحقاق واجوائه والنتائج التي سيؤدي اليها. واذا كان “لبنان ينتخب” للمرة الأولى بعد انهيار تاريخي ضربه وانفجار مأسوي أصاب قلب عاصمته بما يملي التطلع الى الامال الكبيرة المعقودة على تغيير كبير تحمله هذه الانتخابات في شقيها الاغترابي والمقيم، فان الغليان السياسي المتصاعد والمتنوع الجهات والاتجاهات والطوائف الذي عكسته الأيام الأخيرة من شأنه ان يعزز انطباعات القلقين حيال تعميق الانقسامات التي احدثها ويحدثها استغلال قوى سياسية وحزبية للسباق الانتخابي في وسائل وحملات تعتمد شد العصب الغرائزي الطائفي والمذهبي وصولا الى تسخير شعائر وادبيات دينية صرفة في استحقاق مدني سياسي ديموقراطي لا صلة له بالدين، على غرار تلك المبادرة المستهجنة غير المسبوقة في زج الدين في الاستحقاق التي طلع بها المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان في عظة عيد الفطر مستخدما ما اعتبر بمثابة “تكليف شرعي” ليلزم الشيعة بانتخاب “الثنائي الشيعي” وحده ومحرما عليهم انتخاب أي طرف اخر او عدم الانتخاب!
ولعل الغرابة التي واكبت بلوغ المرحلة الأولى من الانتخابات تمثلت في التباينات العلنية بين وزارة الداخلية وهيئة الاشراف على الانتخابات، اذ انتقد وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي ما ذكره رئيس هيئة الاشراف على الانتخابات نديم عبد الملك في حديثه الأخير الى موقع “النهار” عن دفع رشاوى وقال هذا “كلام خطير ويجب ان يكون موثقا، كما عليه ان يبلغني ويبلغ النيابات العامة التي ستتحرك فورا، ولكن في الحقيقة، انا لم أتبلغ شخصيا من أي مرشح شكوى عن رشوة موثقة كما لم يصلني من هيئة الاشراف أي شكوى”. وقال “ان هيئة الاشراف بدأت عملها في 15 كانون الثاني 2022 واليوم نحن في شهر 5 اي شهر ايار، ولم يتبين لي انها اتخذت اي اجراء رادع او اي اجراء بحق اي وسيلة اعلامية. انا ادعوها الى ان تقوم بدورها كاملا بالقرارات والتدابير وليس فقط عبر الاعلام. واذا كان الموضوع يستدعي تدخل القضاء، فنحن نضعه عند القضاء، او عند النيابة العامة اذا كان يتعلق الموضوع برشاوى، ونضعه عند محكمة المطبوعات اذا كان يتعلق بالاعلام والاعلان. هيئة الاشراف تعرف دورها ويجب ان تقوم به حتى النهاية، ونحن نؤمن لها كل اللوجستيات والدعم والمساندة في كل ما تحتاجه”. كما نفى كلام عبد الملك عن وجود صعوبات مالية عند الهيئة.
المشهد السياسي
اما الجوانب الأخرى من الغليان السياسي الذي تبحر عبره المراحل الانتخابية فعكستها الهجمات العنيفة وحملات التهجم الخارجة عن الادبيات السياسية والتنافس الطبيعي التي تخللت جولات رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل على مناطق البقاع والشوف وبيروت مفجراً مزيداً من المعارك الكلامية والإعلامية مع خصومه المسيحيين ولا سيما منهم “القوات اللبنانية” ، كما ان الساحة السنية تشهد معالم ارباكات عميقة بدأت تترجم في تصاعد تبادل الاتهامات حول موضوع المشاركة والمقاطعة بين تيار “المستقبل” من جهة وشخصيات وجهات سنية من جهة أخرى.
وفي هذا السياق، اثارت مواقف مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان من ضرورة المشاركة في الاستحقاق مزيدا من الغبار. ولكن أوساط دار الفتوى اكدت أنّ “التواصل بين مفتي الجمهورية ورئيس تيار المستقبل الرئيس #سعد الحريري كان وما زال وسيبقى مهما قيل ويقال”، ونفت أي خلاف بينهما بسبب خطبة عيد الفطر، ولفتت الى أنّ الحريري هنأ المفتي دريان بالعيد بعد إلقاء الخطبة، وشدّد على متانة العلاقة بينهما التي لا تشوبها شائبة.
اما الوزير السابق والمرشح عن طرابلس اللواء أشرف ريفي، فأكد أن “مقاطعة الانتخابات من قبل السنة سيصب في خانة محور #حزب الله”، ورأى ان الرئيس الحريري “ارتكب خطيئة حين دعا لمقاطعة الانتخابات النيابية”. وأشار الى أن دار الإفتاء دعت لأكثر من ثلاث مرات الى الاقتراع الكثيف وشدد على أن “المشاركة الكثيفة في الانتخابات هي المقاومة الحقيقية في وجه الاحتلال الإيراني”.
ولفت في المواقف القيادية البارزة توجه رئيس كتلة “اللقاء الديموقراطي” النائب تيمور جنبلاط في مهرجان انتخابي الى الاخصام قائلا “اسمحوا لي بكلمة إلى الأخصام، تريدون إلغاءنا، لكن نحن نريد الشراكة مع الجميع، تريدون تدمير الوطن لأجل الآخرين، نحن نريد أن نبنيه لأجل اللبنانيين، تريدون رهن سيادة لبنان في أسواق المفاوضات لحماية نظام القتل ونووي إيران، نحن نريد لبنان سيدا مستقلا، لكي يحمينا ويحميكم، تريدون اختراق الجبل، جربتم بـ 7 أيار وكان الجواب المناسب من أهل الجبل، ولأن أيضا الجواب هالمرة معروف سلفا، تعالوا إلى الشراكة بدل الإلغاء، فهذا الوطن لنا جميعا”.
ووسط هذه الأجواء كرّر المطارنة الموارنة عقب اجتماعهم الشهري في بكركي “تشديدهم على وجوب سعي المسؤولين جديا إلى إزالة كل الألغام من أمام إجراء الانتخابات النيابية في الخامس عشر من الشهر الجاري، وتحرير إرادة الناخبين والمرشحين من الضغوط المختلفة التي تعرقل حسن هذا الإجراء. وهم يشجعون جميع المواطنين على الإقبال بكثافة على ممارسة حقهم الدستوري، بضمير واع والتزام وطني صادق، علهم يسهمون في إحداث التغيير المنشود، وإخراج البلاد من الإنهيار الذي يدهمها”، محذرين “من ظاهرة تفشي الإخلال بالأمن، المتنقل من منطقة إلى أخرى، ولا سيما جرائم القتل التي تحدث في شكل شبه يومي. ويناشدون المعنيين التنبه لمحاذير ذلك، محيين الأجهزة العسكرية والأمنية الساهرة على ضبط الأوضاع الميدانية بما تملك من إمكانات ولو محدودة”.
ميقاتي
الى ذلك، يعقد مجلس الوزراء جلسة عادية بعد ظهر اليوم في السرايا، برئاسة رئيس الحكومة #نجيب ميقاتي مخصصة للبحث في جدول اعمال عادي خال من التعيينات الادارية والملفات السياسية المؤجلة. وعلى جدول اعمال الجلسة 40 بنداً معظمها يتعلق بفتح ونقل اعتمادات مالية الى عدد من الوزارات والمؤسسات العامة وفق القاعدة الاثني عشرية ومجموعة من الاتفاقيات الدولية الخاصة ببعض القطاعات.
وتحدث ميقاتي مساء امس عبر برنامج جديد في “تلفزيون لبنان” يقدمه الزميل وليد عبود عن مختلف الملفات المطروحة عشية الانتخابات فعرض التحديات التي واجهتها الحكومة منذ تشكيلها وابرز التوصل الى اجراء الانتخابات وتوقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي كما لفت الى إعادة لبنان الى الخريطة العالمية والعربية واكد ان التعافي سيتحقق كما عرض ملابسات عدم إقرار مشروع الكابيتال كونترول “الذي وجد لحماية المودعين” وعزا ذلك الى “الشعبوية التي رافقت المناقشات عشية الانتخابات” . وتحفظ عن اعتبار السنة مقاطعين للانتخابات مشددا على ضرورة المشاركة فيها للتغيير ودعا السنة الى النزول بكثافة الى صناديق الاقتراع .وقال انه يتفهم ظروف الرئيس الحريري كما الرئيس السنيورة اما هو فلم يترشح شخصيا وقرر اعطاء المجال للشباب .ولم ينف وجود عمليات رشاوى انتخابية كاشفا ان الأيام العشرة الأخيرة شهدت دخول كميات كبيرة من الدولارات الى لبنان. ومع مرور 21 شهرا امس على انفجار مرفأ بيروت شدد على عدم تدخله لدى القضاء . وقال ميقاتي انه يشعر مع الموظفين في أوضاعهم المالية والاجتماعية واكثر فاكثر مع العسكر ووصف علاقته برئيس الجمهورية بانها جيدة جدا.