لم يكن أدل على التوهج المحموم في الأيام القليلة المتبقية الفاصلة عن الاحد الانتخابي الكبير من ان تنبري زعامات الصف الأول وتتزاحم على احتلال واجهات المهرجانات والاحتفالات والمنابر الانتخابية في عملية تحفيز وتعبئة وشد عصب شاملة يراد منها حض اللبنانيين على المشاركة بكثافة في الانتخابات النيابية لئلا تصطدم “حسابات الحواصل” الثابتة بصدمات ومفاجآت غير محسوبة. واذا كانت الساعات الأخيرة شهدت تظاهرة لافتة ونادرة لهذا السباق في اطلاق المواقف المتطايرة في فضاء المشهد الداخلي المتوهج سياسيا وحزبيا والمنتظر توهجا شعبيا لا يزال دون مستوى هذه التعبئة الحارة ، فان ما استوقف المراقبين أيضا في التدليل على الطابع المفصلي للاستحقاق هو الانخراط القوي الاستثنائي للمراجع الدينية ولا سيما منها الإسلامية الشيعية ثم السنية في التعبئة الشعبية للمشاركة في الانتخابات.
وبعدما اعتبرت مواقف المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان في عيد الفطر بمثابة سابقة اصدار “فتوى” او “تكليف شرعي” للشيعة بانتخاب لوائح الثنائي الشيعي، بدا لافتا امس أصدار المديرية العامة للأوقاف الإسلامية امس بتوجيه من مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، تعميما الى أئمة وخطباء المساجد في لبنان لدعوة اللبنانيين في خطبة الجمعة المقبلة إلى المشاركة الواسعة وبكثافة في الانتخابات واذا كان التعميم لم يلحظ أي “تورط” في انحياز انتخابي لاي فريق وحث المواطنين على “النزول الى صناديق الاقتراع للانتخاب وعدم التهاون في ممارسة هذا الاستحقاق الذي هو فرصة للتغيير بالتصويت لمن يرونه يحافظ على لبنان” ، فان ذلك لم يحجب الخلفية المكتومة لهذه الخطوة التي جاءت وسط تصاعد التجاذب الحاد على الساحة السنية لمصلحة الاتجاه للمشاركة في الانتخابات في مواجهة الاتجاه لمقاطعتها من جانب “تيار المستقبل” وانصاره ومؤيديه. واتخذت التجاذبات السنية دلالات ساخنة للغاية في ظل احتدام الحملة العنيفة المتواصلة التي تشنها منذ أيام صحف سعودية على الرئيس سعد الحريري والتي بلغت عبر احدى هذه الصحف حدودا غير مسبوقة وغير مألوفة في التعامل مع أي زعامة لبنانية او عربية او اجنبية بهذا المستوى من الحدة والتهجم الشخصي والسياسي.
اما على “الأرض” الانتخابية فان الرمز الأساسي لخيار المشاركة الرئيس فؤاد السنيورة اعتبر امس “أننا على أعتاب إجراء الانتخابات من الضروري أن يصار إلى احترام القانون وتلبية هذه الانتخابات من أجل فرز مجلس جديد واستعادة السلطات”. وقال ان الرئيس سعد الحريري “لم يطلب من اللبنانيين أن يعتكفوا ولا يجوز أن يُقوَّل ما لم يقُله ويجب تلبية هذا الاستحقاق بل يجب الانتخاب لأن المقاطعة تؤدي إلى تخفيض الحاصل ما يسمح للطارئين بأن يُصادروا رأي أهالي بيروت واللبنانيين وكي لا يستطيع #حزب الله ومَن معه أن يحلوا محلّ السياديين”. وأشار إلى أن “الدولة مخطوفة من قبل حزب الله والقرار الحرّ لم يعد موجوداً وجرى تخريب السياسة الديموقراطية في البلد واللبنانيون هم من يدفعون الثمن و”ما خلق يلي بدو يتّهم السنيورة بالخيانة”.
واتخذت التعبئة التصاعدية للانتخابات ذروة شمولية في مشهد الزعامات السياسية والحزبية تنخرط بقوة في الاطلالات المتزامنة واطلاق المواقف من الاستحقاق ومن مختلف الملفات .
بري ونصرالله
وفي هذا السياق بدا لافتا ان رئيس مجلس النواب #نبيه بري خصص الحيز الاساسي من رسالة وجهها امس للدفاع عن الثنائي الشيعي في ظل ما اثاره من مواقف مناهضة منه. ورد بري مدافعا بقوله “إن التحالف بين حركة أمل وحزب الله ليس تحالفاً طائفياً من أجل استقواء طائفة على أخرى وليس تحالفاً إنتخابياً لكسب أكثرية من هنا أو هنالك وهو تحالف راسخ رسوخ الجبال بمثابة علاقة بين الروح والجسد الواحد، والمقاومة لا تزال حتى هذه اللحظة الراهنة التي يستبيح فيها العدو سيادة لبنان ويهدد ثرواته وينفذ مناوراته حتى في يوم الإنتخابات على طول الحدود مع لبنان تمثل حاجة وطنية ملحة الى جانب الجيش”. ودعا الرئيس بري “للإقتراع بكثافة ودون تلكؤ لتأكيد التمسك بالمقاومة نهجاً وثقافة وسلاحاً الى جانب الجيش والشعب والمقاومة”.
واظهاراً لوحدة الحال في الانتخابات عمد كل من بري والأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الى الاستشهاد بمواقف الاخر. وبعد وقت قصير من رسالة بري القى نصرالله كلمة في مهرجان للحزب في الضاحية الجنوبية وتناول فيها المناورة الإسرائيلية الجارية، فقال “أن رئيس حكومة العدو نفتالي بينت ذهب للإشراف على المناورة وصرّح بأن الكيان لا يريد مواجهة مع أحد، وبعد يوم القدس بأيام أُبلغت عبر قنوات دبلوماسية رسالة مفادها أنَّ الإسرائيليين لا يريدون القيام بأي عمل تجاه لبنان . ولكن نحن لا نثق لا بكلام العدو ولا بكلام رئيس حكومته وسُنبقي الإستنفار حتى انتهاء المناورة”. ولفت الى “أن كل ما قاله دولة الرئيس نبيه بري يعبر عن توجهات ومضامين الثنائي الذي يقف بقوة وصلابة ويواصل الطريق، بالمقابل اعتبر أنه لا يمكن لأحد أن يكون بديلًا عن الدولة ونحن لا نطرح أنفسنا دولة إلى جانب الدولة ولا حزبًا بديلًا عن الدولة ونحن نؤمن ونساهم في تحقيق هذا الأمر”. واشار الى “أن هناك كثيرين جربوا أن يُحدثوا خلال الفترة السابقة تغييرات دراماتيكية فذهب البلد باتجاه الحرب الأهلية التي نعتبرها خطا أحمر ويجب أن ينظر إلى من يدفع باتجاهها على أنّها خيانة”.
جعجع… وباسيل
في المقابل اعتبر رئيس حزب “القوات اللبنانية” #سمير جعجع في كلمة امام مهرجان للائحة “القوات” في دائرة بيروت الاولى أن “كل صوت لأي مرشح على لائحة #التيار الوطني الحر في بيروت الاولى يصب تلقائياً لمصلحة حزب الله ولـجهنم الحقيقي الذي نعيش فيه اليوم” . ورأى ان “من يقول انه “مجتمع مدني” لا يمكنه أن يترشح الى الانتخابات ويبقى “مجتمع مدني”، فلا يوجد لوائح مجتمع مدني بل هناك لوائح للأحزاب مثل لائحة القوات اللبنانية وهناك لوائح سياسية اخرى تتخذ عنوان “المجتمع المدني” لكسب بعض الأصوات”. ولفت الى أنه “اذا كان بعض الاحزاب سيئة فهذا لا يعني ان مفهوم الاحزاب سيّء، ومن لديه حد ادنى من الموضوعية عليه تسمية الامور كما هي والقول من هو فاسد ومن ليس فاسداً، من سرق ومن لم يسرق، من وقف مع سيادة لبنان ومن لم يقف مع السيادة. وبالنسبة للمستقلين، لنفترض فوز احدهم في الانتخابات النيابية، هل يمكن لأحد الاجابة عمّا يمكنه أن يفعل بمفرده؟ هناك اشخاص جيدين بالفعل، ولكن علينا تحديد الامور كما يجب وعدم شيطنة كل الاحزاب، هناك اشخاص مسؤولون واشخاص غير مسؤولين”.
وشن رئيس “التيار الوطني الحر” النائب #جبران باسيل هجوما جديدا على “القوات” من دون ان يسميها وقال في مهرجان للتيار في المتن ” من يسمع البعض يعتقد انهم ذاهبون في ١٥ أيّار الى حرب، لأنهم بالفعل ذاهبون الى حرب الغاء للتيار خطّطوا لها واشتغلوا لها منذ 17 تشرين”. وأضاف: “نحن ذاهبون الى الانتخابات حاملين بقلبنا وجع الناس والخوف على المستقبل وبين إيدينا خارطة طريق واضحة للإنقاذ وتطوير النظام وإعادة بناء الإقتصاد واستعادة الأموال بالقوانين. وهم ذاهبون الى الانتخابات وقلوبهم مليئة بالحقد وعيونهم بالكذب، ويحملون بايديهم سواطير المال لقطع رؤوسنا”.
الياس وميشال المر
وفي مهرجان اقامته لائحة المرشّح ميشال الياس المرّ في بتغرين قال المرشح ميشال المر ان برنامجه “يقضي بأن أتبنى مطالب الناس وأعمل قدر المستطاع على خدمتهم وتخفيف معاناتهم وان برنامجي يهدف إلى فصل السياسة والخلافات السياسية عن الحقوق الأساسية للمواطن والمواطنة المتنية لأن الشعارات الكبيرة لا تُشبع طفلاً ولا تؤمِّن الدواء لمريض ولا الدِفءَ لكبار السن في أيام البرد” .
والقى نائب رئيس الوزراء السابق الياس المرّ كلمة حذر فيها من ان “البلد ينهار والناس تعاني الأمرين وهم ما زالوا كما كانوا قبل 30 سنة يتقاتلون ويتبادلون الاتهامات ولا يفكرون الاّ في أحجامهم ومصالحهم .. يرفعون شعار التغيير ويأتون بمرشحين تعتير”. واعلن “اننا رشّحنا ميشال المرّ لأنه يحمل هموم الناس ويشعر بوجعهم ولأنه يحمل أمانة غالية من أبو الياس دولة الرئيس الراحل ميشال المر” موضحا ان “وصية أبو الياس هي الاستمرار في خدمة الناس والوفاء لمن كان وفياً معنا لأكثر من ستين سنة ونحن لن نتخلى عن هذه الامانة لا اليوم ولا بعد مئة سنة”.