مع اكتمال اعلان النتائج الرسمية للانتخابات النيابية امس في كل الدوائر الانتخابية بما أتاح تظهير الصورة الكاملة والواضحة لمجلس النواب المنتخب باعضائه الـ 128، اقفل باب المفاجآت التي ظلت مشرعة حتى صباح البارحة، ولم يعد ثمة التباسات متاحة للاجتهادات التي يوظفها أي فريق للتخفي على خسارة من هنا او أخطاء من هناك. ومع ان الصورة العامة للمجلس المنتخب بقدامى أعضائه والجدد منهم، كانت اتضحت الى حدود بعيدة قبل اكتمال اعلان النتائج الرسمية امس، فان نتائج الدوائر الثلاث في الشمال وبيروت الثانية جاءت لتكرس الصورة المختلفة تماما للبرلمان الجديد الذي اول ما يميزه انه ازاح أكثرية 8 اذار عن سيطرتها واسقط اكثريتها بشكل مثبت بحيث لم يعد نواب الثنائي الشيعي مع حليفه “التيار الوطني الحر” وحلفائهما يشكلون الأكثرية بل تراجع عددهم الى نحو 59 نائبا. ثم انه رغم مسارعة رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الى التباهي بان “التيار” لديه اكبر كتلة في المجلس المنتخب، بدا واضحا انه اتبع سياسات الانكار واتهام خصومه “بانتصار وهمي” متجاهلا النكسة الكبيرة التي مني بها والاختراق المسيحي الأقوى الذي حققه حزب “القوات ال#لبنانية ” الذي كبر حجمه من 14 نائبا الى 18 نائبا صافيا من دون حلفائه فيما حجم كتلة “التيار” تراجع على الأقل تسعة الى عشرة مقاعد فبات عدد أعضائه 18 من دون حلفائه.
اما الميزة الثالثة للمجلس الجديد فتتمثل في انه بتوزع تكتلاته المستعادة والجديدة مقبل على كسر الثنائية الحصرية بين أكثرية واقلية تقليديتين كانتا تكرستا بصراع معسكري 14 اذار و 8 اذار . فالثابت أيضا ان مجموع التكتلات الخارجة عن محور 8 اذار والأكثرية السابقة التي حملتها الانتخابات الأخيرة الى البرلمان المنتخب، تشكل أكثرية جديدة ويبلغ عدد نوابها مبدئيا 69 نائبا. ولكن توزع التكتلات هذه لا يتيح بعد رسم اطار جبهوي واحد للاكثرية الجديدة لكونها موزعة على ثلاث تكتلات أساسية: أولا التكتل الذي يضم الكتل السيادية وهو الأكبر وفي مقدم هذه القوى واكبرها “القوات اللبنانية” ومن ثم الحزب التقدمي الاشتراكي فالكتائب والنواب “المتحدرين” من التحالف السيادي سابقا في مختلف المناطق. ثانيا التكتل الجديد المنبثق من انتفاضة 17 تشرين وحركة المجتمع المدني والذي يربو عدده على 14 نائبا جديدا . ثالثا النواب المستقلون الموزعين بين قدامى وجدد . لذا يبدو المجلس المنتخب الجديد امام تجربة مختلفة يصعب الجزم مسبقا باي الية ستتسم عبرها عمليات توزع القوى وهل سيكون ثمة اطار جامع لمجمل هذه التكتلات في مواجهة تحالف الثنائي الشيعي و”التيار الوطني الحر” .
وبطبيعة الحال سيشكل انتخاب رئيس المجلس ومن ثم تشكيل الحكومة الجديدة الاستحقاقين الاولين الفوريين اللذين سيرسما الاطار الأساسي الاولي لطبيعة عمل المجلس الجديد .
ولعل اللافت انه مع اكتمال اعلان النتائج الرسمية امس استمرت حلقات التساقط المتعاقب داخل فريق 8 اذار الذي فقد الاكثرية “للرموز السورية” اثر ثبوت خسارة فيصل كرامي في طرابلس ملتحقا برموز سبقوه الامر الذي اثار مزيدا من التساؤلات والشكوك عما اذا كان الامر من تداعيات التراجع والضعف الذي أصاب هذا المحور ام ان ثمة خلفيات تتصل بالحديقة الخلفية للنفوذين الإيراني والسوري داخل محور اتباعهما في لبنان .
بري
وفي انتظار توجيه الرئيس نبيه بري بصفته رئيس السن الدعوة الى المجلس الجديد للاجتماع بعد انتهاء ولاية المجلس الحالي نهاية الاسبوع، يطل القادة السياسيون تباعا في اطلالات ومؤتمرات صحافية يتناولون فيها حصيلة الاستحقاق . وكان اولهم امس بري الذي وجه كلمة الى اللبنانيين حول نتائج #الانتخابات النيابية فدعا إلى أن “تكون نتائج الإنتخابات محطة تلقي فيها كل القوى التي تنافست في هذا الإستحقاق الخطاب السياسي الإنتخابي المتوتر والتحريضي جانباً ولتهدأ كل الرؤوس الحامية وليقتنع الجميع بمعادلة لا مناص منها بأننا كلبنانيين أبناء وطن واحد قدرنا أن نعيش سوياً”. وشدد على أنّ “الأزمات التي تعصف بنا هي عابرة للطوائف. ما من أحد أو من طائفة تريد أن تلغي طائفة أخرى” . وقال “فلتكن نتائج يوم الخامس عشر من أيار يوماً لبنانياً آخراً يؤكد فيها الجميع صدق نواياهم واستعدادهم وانفتاحهم لحوار” حدد له مجموعة عناوين منها :
-” نبذ خطاب الكراهية وتصنيف المواطنين.
– دعوة مفتوحة لكل القوى السياسية والكتل البرلمانية للبدء فوراً وبعد الإنتهاء من إنجاز المجلس النيابي الجديد لمطبخه التشريعي رئيساً وهيئة مكتب ولجان، بحوار جدي بالشراكة مع كل قوى المجتمع المدني المخلصة والجادة من أجل دفن هذا القانون المسيء للشراكة والذي يمثل وصفة سحرية لتكريس المحاصصة وتعميق الطائفية والمذهبية. آن الأوان لقانون انتخابي خارج القيد الطائفي .
– إقرار خطة للتعافي المالي والإقتصادي تكرس حقوق المودعين كاملة دون أي مساس بها.
– إنجاز كل الإستحقاقات الدستورية في موعدها وقطع الطريق على أي محاولة لإغراق البلد أو أي سلطة في الفراغ”.
كما عقد رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل مؤتمراً صحافيا زعم فيه “أنّه لدينا الكتلة والتكتل الأكبر في المجلس النيابي” وفيما دعا إلى الحوار “لئلا يحسبنا أحد على محور معيّن”، اتهم “الثلاثي بري – جنبلاط – القوات بانهم عملوا على لعبة الانتشار ودفعوا حقها ودفع الناس حقها لأنّ الأصول أن ينتخب المغتربون نوّابهم”.
ويتحدث الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في رسالة متلفزة مساء اليوم فيما يعقد رئيس حزب “القوات اللبنانيّة” سمير جعجع مؤتمرا صحافيا الخميس في معراب بحضور النواب القواتيين المنتخبين.
أصداء خارجية
على صعيد الاصداء الخارجية للانتخابات نقلت امس مراسلة “النهار” في باريس رنده تقي الدين عن مصدر مسؤول في الرئاسة الفرنسية ان “فرنسا سرت لحصول الانتخابات كما انها سرت للتمثيل المتنوع في البرلمان الجديد ولظهور شخصيات جديدة فيه”. واضاف ” بعد هذه المرحلة الايجابية تبقى التحديات نفسها اي تنفيذ الاصلاحات المنتظرة من قبل اللبنانيين والاسرة الدولية” .
وبعدما هنأ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس اللبنانيين على الإنتخابات النيابية التمشيرًا إلى أنه “ينتظر بفارغ الصبر أن تشكل سريعًا حكومة جامعة في بلدهم الغارق في أزمة إقتصادية خطيرة” هنأت المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانّا فرونِتسكا لبنان على إجراء الانتخابات “مما مكّن الشعب اللبناني من ممارسة حقه الديمقراطي في اختيار ممثليه وإسماع أصواتهم”. ورحبت بالدور الذي لعبه مراقبو الاتحاد الأوروبي ومراقبون دوليون ومحليون آخرون في العملية الانتخابية واخذت علماً بإصدار بعثة الاتّحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات لبنان بيانها الاولي. وحثت “القادة السياسيين اللبنانيين على وضع مصالح البلاد في المقام الأول وعلى المشاركة بشكل بناء لضمان عدم وجود فراغ أو شلل في عملية صنع القرار التنفيذي، لا سيما من خلال التشكيل السريع لحكومة ذات منحى إصلاحي”.واشارت المنسقة الخاصة إلى الدور المهم للمجلس النيابي الجديد في العمل مع الحكومة لإعطاء الأولوية لتنفيذ الإصلاحات وتعافي لبنان، بما في ذلك من خلال اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي.”
الى ذلك رحب الاتحاد الأوروبي بإجراء الانتخابات النيابية في لبنان، واشاد في بيان، بـ”اللبنانيين الذين اقترعوا والذين انخرطوا في الإعداد للعملية الانتخابية وتنفيذها، على حس المواطنة الذي أظهروه عبر مشاركتهم فيها، رغم الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي أحاطت بهذه الانتخابات”.
كما واشاد بـ”القوى الأمنية لمساهمتها في الحفاظ على بيئة هادئة وآمنة بشكل عام، والمساعدة في ضمان إجراء الانتخابات دون وقوع حوادث أمنية كبيرة”.
واضاف البيان: “وقد ساهم الاتحاد الأوروبي في جعل هذه الانتخابات ممكنة، من خلال تقديم مساعدة فنية مكثفة لهيئات إدارة الانتخابات وإيفاد بعثة لمراقبة الانتخابات.
واشارت بعثة الاتحاد الاوروبي لمراقبة الانتخابات في مؤتمر صحافي في بيروت الى أن “ممارسات شراء الأصوات أثرت في حرية اختيار الناخبين وأدت الى غياب تكافؤ الفرص”. وافادت انه “طغى على ھذه الانتخابات ممارسات واسعة النطاق من شراء الأصوات، والزبائنية شوھت مبدأ تكافؤ الفرص وأثرت بشكل كبیر على خیارات الناخبین. وكانت الحملات الانتخابية مفعمة بالحماس ولكن شابتھا حالات مختلفة من الترھیب، والبعض من ھذه الحالات حصل في محیط أقلام الاقتراع وداخلھا وعلى وسائل التواصل الاجتماعي كما حصلت البعض من حالات عرقلة الحملات الانتخابیة. وتم أیضا تشویه المساحة المتاحة على الإنترنت من خلال انتشار التلاعب بالمعلومات”. واكدت “إن الاّتحاد الأوروبي جاھز للتعاون مع المجلس النیابي الجدید كما ومع الحكومة الجدیدة باّتجاه مسار تطبیق الإصلاحات اللازمة على نحو عاجل”.