قطعا لا يمكن النظر “ببراءة” الى الاندفاعات النارية لمؤشرات الازمة المالية وتحليق سعر الدولار في السوق السوداء وتداعياتهما مجدداً على الارتفاعات النارية في أسعار المحروقات متزامنة مع معالم ازمة في الطحين والخبز والبنزين ومن ثم في التعتيم الكهربائي مجددا ..وكل ذلك متزامنا دفعة واحدة غداة انتهاء اعلان نتائج #الانتخابات النيابية بالتقسيط!
ذلك ان الساعات الأخيرة شهدت تطورات مريبة لجهة تحليق سعر الدولار الى ما تجاوز سقف الـ31 الف ليرة ومن ثم اختفاء مادة البنزين في عدد من المناطق كما برزت معالم ازمة فقدان الخبز وبموازاتها ازمة انقطاع التيار الكهربائي “الرسمي”.
هذه المؤشرات جاءت وسط تفاقم الغموض المتصل بانطلاق الاستحقاقات التي ستعقب بدء ولاية مجلس النواب المنتخب في 22 أيار الحالي بدءا بانتخاب رئيس المجلس وهيئة مكتبه وهو الاستحقاق الذي يواجه عبره رئيس المجلس “التاريخي” منذ عام 1992 بلا انقطاع نبيه بري للمرة الأولى تحديا كبيرا لجهة وجود كتل وازنة ترفض إعادة انتخابه ولو انتفت المنافسة له لعدم وجود مرشح في مواجهته. كما ان الاستحقاق الثاني الأشد تعقيدا سيكون في تسمية شخصية لتشكيل الحكومة الجديدة في الاستشارات النيابية الملزمة وسط فسيفساء سنية مختلفة عن كل المراحل التي طبعت الحقبات السابقة.
وبرزت في هذا السياق الخطوة التنسيقية المبكرة التي اتخذها عدد من النواب الجدد اذ افيد ان 14 نائباً من نواب “الثورة والتغيير” عقدوا إجتماعاً مساء امس في احد فنادق بيروت بعيدا من الاعلام لتشكيل كتلة ودراسة الخيارات المقبلة في استحقاق رئاسة المجلس والاستشارات وغيرها.
في أي حال بدأت الحكومة بالاستعداد لمرحلة تصريف الاعمال باعتبار انها تعتبر مستقيلة مع نهاية ولاية المجلس الحالي. ومن المقرر ان تعقد غدا في قصر بعبدا الجلسة التي قد تكون الأخيرة لمجلس الوزراء قبل تحول الحكومة الى مرحلة تصريف الاعمال ولذلك اعد للجلسة جدول اعمال فضفاض وكثيف وقياسي من 133 بندا بدا معه ان الحكومة جمعت كل ما كان في جعبتها وادرجته على جدول اعمال جلسة وحيدة، علها تنجز في جلسة ما عجزت عنه على مدى اشهر. وهي بذلك، تسعى ايضاً الى تسهيل مهمتها في مرحلة تصريف الاعمال التي ستطول كما هو واضح، بحيث تسعى الى تأمين الاعتمادات المالية وانجاز الحد الأقصى من المشاريع والمراسيم والأمور التي تقع في اطار تسيير شؤون البلد والمواطنين وادارات الدولة ومؤسساتها عبر إقرار سلف خزينة ونقل اعتمادات، تفادياً لتوقفها عن العمل ووقوعها في الشلل التام، وذلك انطلاقاً من المخاوف القائمة حيال الاحتمالات الكبيرة لتعذر تشكيل حكومة جديدة في فترة سريعة، كما تقتضي الظروف الاستثنائية في البلاد، وهي على أبواب اشهر قليلة من انتهاء الولاية الرئاسية. وابرز جدول اعمال جلسة الغد ما يكفي لتلمس عدد من الرسائل التي ترغب حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في توجيهها، واهمها انها جاهزة لتحمل مسؤولياتها في مرحلة الشلل وقد وفرت كل الجهوزية المطلوبة لذلك مالياً عبر السلف والاعتمادات، وتنفيذياً عبر انجاز المشاريع والخطط الملحة الملوبة منها امام المانحين.
وستستهل الجلسة بتقييم لنتائج الانتخابات النيابية، على ان تنتقل مباشرة الى الاستماع الى الوزراء في استعراض لأعمال وزاراتهم، ليصار بعدها الى طرح نائب رئيس الحكومة لاستراتيجية النهوض بالقطاع المالي ومذكرة بشأن السياسات الاقتصادية والمالية. كما ستطرح الجلسة خطط لوزارة الطاقة ايضاً (تعديل المادة 7 من القانون 462 المتعلق بتنظيم قطاع الكهرباء) ومشروع تفويض وزير الطاقة التوقيع على اتفاقيتي شراء الغاز الطبيعي مع مصر وتبادل الغاز مع سوريا، وادرجت بنود تتعلق بعشرات سلف الخزينة بمئات مليارات الليرات لتمويل مختلف الإدارات والوزارات.
وفيما لا تزال القوى السياسية منهمكة في قراءة نتائج الانتخابات النيابية ، تفاقمت الازمات المعيشية بدءا بالإعلان عن ان الافران لا تمتلك كميات كبيرة من الطحين وهي لا تكفي إلا أياماً عدة. وتسببت ازمة ارتفاع أسعار المحروقات بتحركات احتجاجية بعد ظهر امس لاصحاب السيارات العمومية في وسط بيروت. وأوضح عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس ان “البنزين متوافر في مستودعات الشركات وفي بواخر في البحر”. واكد اننا” لسنا في أزمة محروقات في لبنان، لأن الموضوع متعلق ببعض التأخير بانجاز معاملات صرف الدولار للشركات المستوردة من قبل المصارف وفقا لمنصة صيرفة ويجب ان يحل الموضوع سريعا”. واشارت معلومات، الى إن الشركات المستوردة للنفط لن تسلّم المحروقات إلى المحطات قبل صدور الجدول الجديد للأسعار بشرط رفع سعر صفيحة البنزين 11 ألف ليرة إضافية.
اما على صعيد الكهرباء، فاوضحت مؤسسة كهرباء لبنان انها قامت برفع القدرة الإنتاجية لتغطية فترة الانتخابات النيابية، الأمر الذي أدّى إلى استهلاك مخزونها من المحروقات بوتيرة أسرع خلال تلك الفترة، وافادت بأنّها تفاديا للوقوع في العتمة الشاملة، قد قامت باتخاذ إجراءات احترازية إضافية لإطالة فترة إنتاج الطاقة بحدودها الدنيا لأربعة أيام إضافية تقريبًا.
نصرالله
اما على الصعيد السياسي فاطل مساء امس الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله بخطاب مزج فيه بين التصعيد والتهدئة، فدعا الى تهدئة السجالات الإعلامية والسياسية وإعطاء الأولوية لملفات الناس. وإذ اعتبر ان ما حصل في الانتخابات “بالنسبة الى المقاومة هو انتصار كبير ويجب ان نعتز به لان حزب الله لم يخسر لا في عدد النواب ولا في عدد الأصوات”، رأى انه لا يوجد فريق سياسي في البلد اليوم يستطيع الادعاء بان الأغلبية النيابية معه ونحن امام مجموعة كتل نيابية وقوى سياسية ونواب جدد ومستقلين وقد تكون مصلحة لبنان والشعب في ما حصل أي الا يحصل هذا الفريق او ذاك على الأكثرية “. وتابع نصرالله “أن أصوات لائحة الأمل والوفاء في بعلبك الهرمل والجنوب الثالثة وفي الزهراني صيدا وصور ومرشح الثنائي في زحلة حصلوا على أكثر من نص مليون صوت، متسائلاً: هل أنت الذي ليس لديك سوى كم الف صوت تتكلم باسم الشعب اللبناني؟
واكد ان حجم الازمات الموجودة في البلد من كهرباء ودواء وارتفاع سعر الدولار كبير ولن يتمكن فريق معين بمفرده ان يعالجه”. وأشار الى ان “كذبة الانتخابات في ظل السلاح سقطت منذ 2005 وفي حينه حصل الطرف الاخر على الأكثرية” متسائلا “اما آن لكذبة انتخابات في ظل السلاح والاحتلال الإيراني ان تنتهي ؟” متهما السفيرين السعودي والأميركي بالتدخل حتى في اللوائح. وقال ان عدد النواب لا يعبر عن الاحجام الشعبية في ظل القانون الحالي. وبدا لافتا ان نصرالله دعا أنصاره الى وقف المسيرات السيارة التي تزعج الناس كما نبه للمرة الأولى الى ان شعار شيعة شيعة يسيء الى اسم الشيعة وتمنى تجنب هذا الشعار لعدم فهمه كاستفزاز طائفي.
ويعقد اجتماع اليوم لتكتل الجمهورية القوية في معراب تتخلله كلمة لرئيس حزب “القوات “سمير جعجع حول نتائج الانتخابات والاستحقاقات المقبلة.
باريس مجددا
وفي اطار الاصداء الخارجية حيال الانتخابات اصدرت وزارة الخارجية الفرنسية بيانا قالت فيه ان ” لبنان اجتاز مرحلة مهمة يوم الأحد 15 أيار 2022 بإجراء الانتخابات التشريعية في سياق الأزمة الفادحة التي تعانيها البلاد منذ أكثر من سنتين. وتشيد فرنسا بتنظيم هذه الانتخابات في موعدها المقرر، لكنها تأسف للحوادث والمخالفات التي سجلتها بعثة مراقبة الانتخابات التابعة للاتحاد الأوروبي، وتأمل كشف حقيقة ما جرى. وتحض فرنسا جميع المسؤولين اللبنانيين على تعيين رئيس مجلس وزراء من دون تأخير وتشكيل حكومة جديدة لكي تتخذ التدابير الضرورية للنهوض بالبلاد ولكي تقدم حلول يعتد بها تلبي تطلعات السكان، سيما بالاستناد إلى الاتفاق الإطار الموقع مع صندوق النقد الدولي. وستواصل فرنسا وقوفها إلى جانب الشعب اللبناني”.
من جانبها، اعتبرت المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في لبنان ومنسقة الشؤون الإنسانية نجاة رشدي ان “الانتخابات النيابية هي مكسب كبير لشعب لبنان فنتائجها ليست مكسبًا فرديًا أو مكسبًا لحزب سياسي ما، بل ربح حقيقي للبنان. آمل أن يؤدي ذلك إلى مكاسب إصلاحية قيّمة وإلى مستقبل أفضل لشعب، كما أتمنى أن يؤدي إلى استقطاب الأدمغة من جديد مقابل الآثار الفادحة لهجرة الأدمغة التي شهدها”.