ما بدأ رسميا ودستوريا امس مع بدء ولاية #مجلس النواب المنتخب في 15 أيار الحالي وتحول الحكومة الى حكومة تصريف اعمال كان نفير انطلاق مرحلة متغيرة تماما عقب النتائج التي حملتها الانتخابات النيابية ولكنها مرحلة “حمالة أوجه” محفوفة بمحاذير سياسية من شأنها ان تفاقم اكثر فاكثر الازمات المالية والحياتية والمعيشية والخدماتية للبنانيين ما لم يتم ابتداع مخارج سريعة تحول دون تحول التوازنات الجديدة في مجلس النواب الى معارك سياسية حادة قد تنسحب أيضا على استحقاق التكليف والتاليف للحكومة الجديدة . ذلك ان الثابت مع بدء فترة الأسبوعين التي يفترض ان يوجه خلالها الرئيس نبيه بري بصفة كونه رئيسا للسن في المجلس المنتخب ان البرلمان المنتخب سيدشن ليس فقط “أول معمودية” له من خلال الصراع الذي ارتسمت معالمه بقوة في الأيام الأخيرة حول رئاسة بري للمجلس للمرة السابعة بل سيدشن عبرها ما يمكن اعتباره “قواعد الاشتباك ” السياسي المتغيرة عقب المجموعات والتكتلات الجديدة والقديمة التي بات يضمها المجلس المنتخب . ولقد مر امس أسبوع كامل على اجراء الانتخابات بما أتاح بلورة مشهد صراعي تصاعدي حول عدم التسليم بسهولة بانتخاب بري الذي امضى ثلاثين سنة متواصلة رئيسا للمجلس ويترشح راهنا لولاية سابعة على التوالي .
وفي حين لم يوجه بري بعد الدعوة الى المجلس الجديد للانعقاد، افيد انه يتروى لتنفيس الاحتقان الذي رافق الانتخابات وتهيئة الاجواء لاجتماع المجلس واجراء جوجلة للاراء والافكار والطلب من النواب الجدد الذين تسلموا الدستور والنظام الداخلي وعددهم كبير، الاطلاع على بعض النصوص وشرحها ليكونوا على بينة من كامل الحيثيات لعملية الانتخاب.وبدا واضحا ان الأمور لا تزال مقفلة سواء بين بري والتيار الوطني الحر او بين بري والكتل المعارضة .
ومع ان الاجماع الشيعي للنواب ال27 على ترشيح بري يلغي وجود منافس له فان سلاح الرافضين لانتخابه من الأكثرية التي حملتها الانتخابات من الاحزاب اوالنواب التغييريين والمستقلين سيكون في رقم قياسي هذه المرة لرافضي انتخابه ولو كان انتخابه مؤكدا. ومع ذلك فان المعركة لا تبدو سهلة بل ان تداعياتها بدأت تترك أجواء مشحونة ستنسحب أيضا على التجاذبات حول انتخاب نائب رئيس المجلس وما اذا كانت ستنتهي الى مقايضات في حين ان تجدد السجالات والتراشق بالاتهامات بين نواب “التيار الوطني الحر” وحركة “امل” ابعد الاحتمال الذي تردد عن وساطة يتولاها “حزب الله” لقيام تسوية بين حليفيه على غرار التسوية الانتخابية في العديد من المناطق . ويسود اعتقاد ان التنسيق الذي يتولاه بعض الجهات بين مجموعات المعارضة الحزبية وفي طليعتها “القوات اللبنانية” والمستقلين ونواب انتفاضة 17 تشرين من اجل قيام اطار عام لمعركة رئاسة المجلس قد يفتح الباب لاكمال التنسيق لاحقا حول استحقاق تكليف شخصية سنية بتاليف الحكومة الجديدة مع ان هذا المسعى لا يزال محفوفا بكثير من الحذر نظرا الى صعوبة التناغم بين هذه المجموعات ولو كانت تتجمع مبدئيا في اطار أكثرية معارضة للسلطة والعهد والثنائي الشيعي وحلفائهم .
ومن هنا ستكتسب تطورات الأيام المقبلة أهمية بارزة لجهة بلورة الاطار الذي سيدار من خلاله الاستحقاق الأول للمجلس الجديد والذي عليه ستبنى التوقعات حول طبيعة قواعد اللعبة النيابية والسياسية الجديدة علما ان ثمة خشية واضحة ومبررة من ان تتحول الى قواعد اشتباك جديدة .
الراعي وعودة
هذه المحاذير حضرت بقوة لافتة امس في مواقف كل من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الرعي وميتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة في اول عظتين لهما بعد الانتخابات .
فالبطريرك الراعي سارع الى ابداء توجسه “من أن تَندلِعَ، غداةَ إعلانِ نتائج الانتخابات، اضطراباتٌ أمنيّةٌ، وأن تعودَ أزمةُ المحروقات، ويَنقطِعَ الخبزُ، وتُفقَدَ الأدويةُ، وتَرتفعالأسعار، ويَتمَّ التلاعبُ بالليرةِ والدولار” وسأل : “ألم يكن من المفتَرضِ أن يحصُلَ عكسَ ذلك فيَتأمّنُ ما كان مفقودًا ويَرخُصُ ما كان غاليًا؟ إن هذا التطوّرَ المشبوه يؤكّدُ مرّةً أخرى إنَّ هناك من يُريد تعطيلَ واقعَ التغييرِ النيابيٍّ وحركةَ التغييرِ السياسيِّ، والانقلابَ على نتائجِ الانتخاباتِ والهيمنةِ على الاستحقاقاتِ الآتية. إننا نرفض هذا الأمر وندعو جميعَ المسؤولين والقادة إلى تحمل المسؤوليّة وندعو الشعب إلى التصدي له”. وقال “ليس الفوزُ في الانتخاباتِ النيابيّةِ نهايةَ النضالِ بل بدايتَه. لذلك ندعو جميعَ المواطنين، لاسيّما أولئك المؤمنين بالتغييرِ الإيجابيِّ وبالسيادةِ الوطنيّةِ وبوِحدةِ السلاحِ وبالحيادِ وباللامركزيّةِ إلى اليقظةِ والاستعدادِ لمواجهةِ الالتفافِ على الإرادةِ الشعبيّةِ حتى لا يَضيعَ صوتُ الشعبِ الصارخ في وجهِ المصالح السياسيّةِ والتسوياتِ والمساوماتِ وتقاسم المناصب على حسابِ المبادئ”.
بدوره اعتبر المطران عودة ان “معظم الزعماء يتسابقون على الخطابات والوعود وعلى الصراخ أيضا الذي لا يجدي نفعا بل يظهر حالة الضعف عند المتكلم، أما الجوهر الذي هو خدمة الشعب فمفقود. حتى النواب الذين انتخبهم الشعب يتسابقون إلى العد والتنافس، متناسين أن النائب المنتخب يمثل الشعب كله، لا فئة محددة منه فقط”. وقال: “فيا أيها النواب، أملنا أن تعملوا وفق الدستور على بناء دولة ديموقراطية عادلة تحترم جميع الحقوق وتلزم الجميع بالواجبات، وعلى فصل السلطات وتحصين القضاء ليكون مستقلا وفاعلا، وعلى التصدي لتعطيل المؤسسات، وعلى معالجة النزف الاقتصادي والاهتمام بوجع الناس وآلامهم، وعلى كشف حقيقة تفجير بيروت بعيدا من المساومات والتسويات وطمس الحقائق. لا تسكروا بالسلطة ولا تدعوا مرض التسلط يصيبكم. كونوا صوت من انتخبكم ويعلق عليكم الآمال” .
المشهد السياسي
وكانت كتلة “التنمية والتحرير” أعلنت بعد اجتماعها السبت برئاسة بري ترشيحه لمنصب رئاسة المجلس آملة “من جميع الزملاء تأييد هذا الترشيح والعمل له”. كما اعلنت “تبنيها لخريطة الطريق التي تضمنتها الرسالة التي توجه بها رئيس الكتلة نبيه بري عشية اعلان النتائج الرسمية للانتخابات، وتعتبرها دعوة مفتوحة لكل الكتل للحوار تحت قبة البرلمان ومقاربة القضايا والعناوين المتصلة بإيجاد الحلول الناجعة لإنقاذ لبنان من دائرة الخطر الذي يتهدده وإنسانه على مختلف المستويات، فوحده الحوار يمثل مدخلا حقيقيا للانقاذ”.
ولكن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي اعتبر “اننا امام مواجهة كبيرة لاخراج لبنان مما يتخبط به والخطوة الاولى تبدأ مع انتخابات رئاسة المجلس النيابي” جدد التأكيد ان “القوات لن تنتخب الرئيس نبيه بري والانظار متجهة نحو تعاطي رئيس تيار الكذب والخداع والغش في هذا الشأن الذي لطالما كرر بان الرئيس بري وجماعته “ما خلو يشتغل” وانهم فاسدون وبلطجية”. ودعا جعجع “المجموعات المعارضة من افراد ومستقلين ومجموعات صغيرة واحزاب الى ضرورة التنسيق بغية ايجاد الطريقة الملائمة لتفعيل هذه المعارضة بعد ان اصبحت الاكثرية في المجلس النيابي”. وأشار إلى إجراء “اتصالات مكثفة” مع كل النواب الذين انبثقوا عن “ثورة 17 تشرين”، “لمعرفة الأطر الأفضل لتنسيق المواقف”.
وفي ما يتعلّق بصيغة الحكومة المقبلة، رفض جعجع تشكيل حكومة وحدة وطنية وقال “ما يسمونه بحكومات الوحدة الوطنية وهم، نحن مع حكومة أكثرية فاعلة تضمّ فريق عمل متراصاً ومتفقاً على مشروع واحد”.
وفي المهرجان الذي أقامه “التيار الوطني الحر” السبت في بيروت، اعتبر رئيس التيار النائب جبران باسيل : “نحن 21 نائبا ومع الطعون نتوقع أن نصبح فوق ال23 نائبا”، وقال: “الحقيقة الثابتة اننا نحن الكتلة والتكتل الأكبر في المجلس النيابي وسنكبر أيضا ومش زعلان اذا أصغر. يكونوا الاكبر ليتحملوا المسؤولية. نوابنا نجحوا بأصواتنا التفضيلية وبدون أي دعم لهم، ويلي عم يحكي عن الصوت التفضيلي بتردوا عليه بالمال التفضيلي. والحلفاء اليوم أقل وبلاهن أريح. وسنقدم الطعون ولن يمر شراء الاصوات والضمائر”.
وقال: “جاهزون لإلغاء الطائفية بالكامل، ولكن نفهم أنه ليس وقتها حاليا، وما الذي يمنع وجود مرشحين آخرين لرئاسة مجلس النواب، ومن يفكر أن يقايضنا بين رئاسة المجلس ونائب الرئيس غلطان ومسترخصنا”.
وقال: “نلمس بوضوح نية لعدم تشكيل حكومة، وهذا ما سيتسبب بسقوط الطائف، ونريد رئيس حكومة مرضيا عنه من طائفته وليس من الخارج، وعلى الحكومة أن يكون برنامجها واضحا ونريد معرفة موقف رئيسها من رياض سلامة ووزير المالية”.