لم تكن “الهيصة” الإعلامية التي نظمت امس استعداداً للجلسة الأولى التي سيعقدها #مجلس النواب المنتخب، اليوم، لانتخاب رئيس المجلس ونائبه وهيئة مكتب المجلس سوى “اشعار” بان مساراً عمره 30 عاما منذ العام 1992 قد تبدل أيا تكن النتائج التي سيفضي اليها هذا الاستحقاق الأول بعد الانتخابات النيابية. فمع ان عودة الرئيس #نبيه بري رئيسا للمجلس للمرة السابعة بلا انقطاع هي مسألة محسومة فان حجم الأوراق البيضاء الاعتراضية التي سترفع في مواجهة هذه العودة لن تكون امراً شكلياً عابراً يمكن إدارة الظهر له بعد اليوم بمنطق المتاريس الحديد غير القابلة للاختراق لدى “الثنائي الشيعي”. واذا كان “التيار الوطني الحر” تحسس الاحراج التام لدى انكشاف ازدواجيته في تسريب الصفقة حيال معركة نائب الرئيس لايصال مرشحه، فان نفيه لما أوردته “النهار” امس عن هذه الصفقة لن يجدي بإزاء تسريب أسماء النواب من كتلته وممن انتخبوا على لوائح مشتركة مع “امل” في مناطق عدة الذين وضعت قائمة بهم على ان يصوتوا لبري. واذا كانت تسريب الصفقة من احد افرقائها او من المطلعين عليها احرج “التيار” فان استدراك الامر بالنفي الإعلامي والتذكير بان رئيسه اعلن سابقا ان لا موجب لانتخاب بري لن يلغي الرصد الدقيق في الساعات المقبلة لوقائع التصويت.
وعشية جلسة الانتخابات حفلت الساحة الداخلية بالتحركات والاجتماعات والمشاورات في حين برز بوضوح ان المعركة الأساسية باتت على نائب رئيس المجلس بحيث نادرا ما شهدت مبارزة انتخابية حول هذا المنصب دلالات مثيرة على غرار ما تشهده المنافسة الحالية. وقد أصبحت المنافسة محصورة على منصب نيابة الرئيس بين النائب الياس بو صعب مرشح “التيار الوطني الحر” والثنائي الشيعي وحلفائهما، والنائب غسان سكاف المرشح المستقل، بعدما بات النائب سجيع عطية خارج ساحة التنافس، وتراجع مساء عن ترشحه لمصلحة سكاف، بما يعني ان المرشحين الوحيدين يبقيان بو صعب وسكاف ستكون المواجهة محصورة في محطتها النهائية بينهما. وينطلق النواب السياديون من أن محطة انتخاب نائب رئيس مجلس النواب، ستمثل الاختبار الأوليّ أمام الأكثرية الجديدة في مهمة الانتقال إلى صفحة التغيير. وشكل ترشّح سكاف نقطة ارتكاز في مقاربة استحقاق نيابة الرئاسة، بما يجعل من “البوانتاج” النيابي بمثابة مؤشّر أوليّ في قياس صلابة المعطى الأكثري، انطلاقاً مما سيرشح عن تصويت بعض النواب المستقلين الذين يضطلعون بدور في ترجيح مسار المعركة التنافسية بين المرشحين الأكثر حظاً.
وتواصل سكاف في الساعات الماضية مع عدد من النواب المستقلين الذين عبّروا عن مقاربة إيجابية لناحية منحى توجّههم في انتخابات نيابة الرئاسة علما انه يعتمد على أرضية داعمة من المؤشرات الأساسية التي وصلته من الكتل السيادية، بما يشمل كتل “اللقاء الديموقراطي” و”الجمهورية القوية” ونواب الكتائب وكتلة اللواء أشرف ريفي. وفي غضون ذلك، تؤكد معطيات أن اجتماع النواب التغييريين المحسوبين على الأحزاب الناشئة وقوى الانتفاضة، كان قد بحث فكرة ترشيح النائب ملحم خلف لمنصب نائب رئيس مجلس النواب. لكن الفكرة بقيت في إطار المقترح العام على سبيل النقاش الذي لم يصل إلى حدود الأخذ به أو بلورته لجهة الترشّح من عدمه حتى مساء امس .
تحركات ومواقف
وفي التحركات المتصلة بالجلسة عقد نواب “التكتل الوطني المستقلّ” ويضمّ النواب فريد هيكل الخازن وطوني فرنجية ووليم طوق اجتماعاً في دارة الخازن في جونيه مع النائب بو صعب، تمت خلاله مناقشة مسألة الانتخابات التي ستجري اليوم في مجلس النواب. وفي الاجتماع الذي حضره الوزير السابق يوسف سعاده، اتفّق الحاضرون على “التعاون المستمر في ما بينهم”.
وأعلنت كتلة “اللقاء الديموقراطي” بعد اجتماعها في كليمنصو برئاسة النائب تيمور جنبلاط “دعم ترشيح الرئيس نبيه بري لرئاسة المجلس النيابي كونه المرشح الوحيد لهذا الموقع، وكون اللقاء يحرص على أفضل العلاقات مع الرئيس بري وما يمثله لضمان استمرارية عمل المؤسسات الدستورية، وكذلك اتخذ “اللقاء” قراره بدعم ترشيح سكاف لمنصب نائب الرئيس، ودعا جميع القوى التغييرية والسيادية إلى دعم هذا الترشيح، لكي يكون هناك تنوع في المجلس النيابي وتوازن بكافة المعايير، في إطار استمرارية هذه المؤسسة الدستورية الأم”.
وعقد “تكتل الجمهورية القوية” اجتماعاً استثنائياً ، برئاسة رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ، وبحضور اعضاء التكتل ونتيجة التداول ، قرر المجتمعون “تلبية دعوة رئيس السن لجلسة الثلثاء، والمخصصة لانتخاب الرئيس ونائبه وهيئة مكتب المجلس. وقرر التكتل التصويت بورقة بيضاء لرئاسة المجلس تأكيدا للموقف المعلن من قبل التكتل. وبالنسبة الى نيابة الرئاسة ، قرر التكتل التريث باتخاذ موقف نهائي والاستمرار بسعيه التوفيقي، بانتظار التوصل الى مرشح موحد للاكثرية المذكورة” .
وكان بري التقى في عين التينة وفد “كتلة نواب عكار”، ضم: وليد البعريني، سجيع عطية، محمد سليمان وأحمد رستم، وتم عرض للاوضاع العامة والمستجدات. بعد اللقاء اعلن البعريني :” كـ”كتلة أبناء عكار”، كنا موحدين على كلمة واحدة مؤيدين الرئيس نبيه بري، ومن ضمن سياق الحديث نائب الرئيس، طبعا نحن معنا زملاء من الشمال وزملاء من بيروت كسائر لبنان سنتشاور ولكن في المبدأ نرشح الأخ سجيع عطية ويمكن ان نوحد الاسم مع باقي الزملاء على صعيد لبنان يمكن ان يكونوا من البقاع، من عكار، من الضنية والمنية”.
البنك الدولي
وسط هذه الأجواء، مضت أجواء التهدئة في الأسواق المالية وواصل الدولار تراجعه في مطلع الأسبوع مستفيدا من تعاميم المصرف المركزي الأخيرة لجهة الإفساح امام تلبية طلبات المواطنين بالحصول على الدولار بسعر منصة “صيرفة” وتمديد دوام العمل في المصارف حتى السادسة مساء .
ولكن تطورا سلبيا جديدا في ملف الازمة المالية برز مع اعلان تقرير مجلس المديرين التنفيذيين لمجموعة البنك الدولي في شأن مراجعة الأداء والدروس المستفادة لإطار الشراكة الإستراتيجية للبنان الذي يُلخِّص التقدم المحرز في التنفيذ خلال السنوات المالية 2017-2022، ويُنقِّح أهدافه في وقتٍ يشهد فيه لبنان إحدى أشد الأزمات الاقتصادية والمالية في التاريخ الحديث.
وفي خلاصات هذا التقرير قال ساروج كومار جاه، المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي: “على الرغم من التحذيرات المبكرة، أضاع لبنان وقتاً ثميناً، والعديد من الفرص لتبنِّي مسار لإصلاح نظامه الاقتصادي والمالي. إن تكاليف التقاعس والتلكؤ هائلة، ليس فقط على الحياة اليومية للمواطنين، وإنما أيضاً على مستقبل الشعب اللبناني. وبعد مرور عامين ونصف عام على الأزمة، لم يشرع لبنان حتى هذا التاريخ في تطبيق برنامج شامل للإصلاح والتعافي يحول دون إنزلاق البلاد إلى مزيد من الغرق. وينطوي استمرار التأخير المتعمد في معالجة أسباب الأزمة على تهديد ليس على المستوى الاجتماعي والاقتصادي فحسب، وإنما أيضاً على خطر إخفاق منهجي لمؤسسات الدولة وتعريض السلم الاجتماعي الهش لمزيد من الضغوط”.
وأشار التقرير الى انه “وفقا للدعوات التي أُطلقت سابقاً، من الضروري أن يسارع لبنان في المرحلة المقبلة إلى اعتماد خطة ذات صدقية لتعافٍ شامل ومنصف لتحقيق الاستقرار المالي الكلي، وتسريع وتيرة تنفيذها لتفادي دمار كامل لشبكاته الاجتماعية والاقتصادية، وإيقاف الخسائر التي لا يمكن تعويضها في رأس المال البشري. وكما هو مُبيَّن في الأعداد السابقة من تقرير المرصد الاقتصادي للبنان، على هذه الإستراتيجية أن ترتكز على: (أ) إطار جديد للسياسة النقدية يكفل استعادة الثقة والاستقرار في سعر الصرف؛ (2) برنامج لإعادة هيكلة الديون من أجل تحقيق حيز للإنفاق في إطار المالية العامة في الأمد القصير والقدرة على الاستمرار في تحمل أعباء الدين في الأمد المتوسط؛ (3) إعادة هيكلة شاملة للقطاع المالي من أجل استعادة قدرة القطاع المصرفي على الوفاء بالالتزامات؛ (4) ضبط أوضاع المالية العامة على نحو تدريجي منصف من أجل استعادة الثقة في السياسة المالية العامة؛ (5) إصلاحات تهدف إلى تعزيز النمو؛ و(6) تعزيز سبل الحماية الاجتماعية”.