ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة قطعا، ان تواجه السلطة الرسمية بكل أركانها وقواها تراكم أولويات مستحقة ومتداخلة ومتشابكة في توقيت بالغ الحساسية والدقة، ولكن التجربة هذه المرة تكتسب خطورة بالغة لجهة رسم السيناريو الأشد اثارة للمخاوف. ذلك ان #لبنان الخارج لتوه من الانتخابات النيابية يواجه شبكة استحقاقات متزامنة من “العيار الثقيل” بل الاثقل داخليا وإقليميا بدءا من مقاربة استحقاق تشكيل الحكومة الجديدة مرورا باستحقاق مقاربة ملف #ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وصولا الى احتواء التداعيات المتدحرجة للانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي عند مشارف بدء العد العكسي للاستحقاق الأكبر المتمثل في انتخابات #رئاسة الجمهورية في نهاية تشرين الأول المقبل. ومع ان ملف الحدود البحرية والتنقيب عن الغاز ظل متصدرا واجهة التطورات والمشهد الداخلي في الأيام الأخيرة، فان تحوله الى مبارزة بالمزايدات لم يحجب طلائع تصاعد المواقف المشككة في نيات واتجاهات العهد المتريث في الاقدام على انجاز استحقاق اجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف شخصية بتأليف الحكومة الجديدة، علما ان أي معطيات جدية لم تتوافر بعد في شأن تحديد موعد قريب لاجراء الاستشارات، وتتسرب في المقابل ذرائع وحجج للتريث تكشف ان العمل جار خلف الكواليس لاستباق التكليف بوضع الأسس الكبرى للحكومة العتيدة وفرضها على الرئيس المكلف سواء رسى الخيار مجددا على الرئيس نجيب ميقاتي او سواه. وقد حذرت أوساط نيابية معارضة في هذا السياق من ان البلاد ستقبل على ازمة خطيرة ان مضت رئاسة الجمهورية في تجاهل ان مجلسا نيابيا جديدا قد انتخب، وان المكون السني أيضا لن يبقى يتفرج على شل موقعه الدستوري والتلاعب بصلاحياته من خلال المضي في تجميد الاستشارات أولا، ومن ثم العودة الى اللعبة الخطيرة التي طالما اعتدها الطاقم السياسي باستباق التكليف بصفقة التاليف ومحاصصاته. وقالت ان جلسة انجاز انتخاب اللجان ستعقد عصر الجمعة بما يقفل الحجج الشكلية الواهية امام العهد لتأخير الاستحقاق الحكومي ومن بعدها سيفتح باب الضغوط المعارضة على الغارب، على العهد من اجل استعجال تحديد موعد الاستشارات وترك الأصول الدستورية والبرلمانية تأخذ مجراها خصوصا ان البلاد تحتاج الى حكومة كاملة الصلاحيات في اسرع وقت وقادرة على الاستنفار 24 ساعة في اليوم مدى الأشهر القليلة المقبلة قبل نهاية ولاية العهد الحالي نظرا الى خطورة التحديات التي ستواجهها داخليا وخارجيا في هذه المرحلة .
في انتظار الوسيط
اما في ما يتصل بتطورات ملف ترسيم الحدود والتنقيب عن الغاز، فبات واضحا ان كثرة التعويل على تحرك طلبه ويترقبه لبنان الرسمي من الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل آموس هوكشتاين، كادت ترمي الكرة سلفا في ملعب لبنان نفسه وسط تصاعد الشكوك في قدرة اركان السلطة على مقاربة وساطة هوكشتاين، وتاليا إسرائيل كما المجتمع الدولي، بموقف موحد من جهة واحتواء موجات المزايدات السياسية والإعلامية من هذا الملف من جهة ثانية. وإذ تترقب الأوساط الداخلية الموقف الذي سيعلنه اليوم الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله من التطورات الأخيرة في هذا الملف، بدا لافتا ان نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الذي يضطلع أيضا بدورالمستشار لدى الرئيس ميشال عون في ملف التنسيق مع الجانب الأميركي، اكد ان زيارة هوكشتاين الاحد او الاثنين مؤكدة. وخرج بو صعب عن تحفظه في هذا الملف مدافعا عن موقف عون، واعلن ان ” من يزايد اليوم في موضوع توقيع المرسوم 6433 استند الى تقرير فني اعده المعنيون في الجيش اللبناني. لكن وجهة نظر هؤلاء هي ان الخط 29 ليس الا خطا تفاوضيا وبالتالي توقيع المرسوم من دون ان يكون السير بالخط 29 موقفا نهائيا من قبل التقنيين والسياسيين سياخذ البلاد الى مكان اخر ولا مصلحة لاحد في خيار الحرب، بل مصلحتنا انجاز الترسيم وهو ما لا يريده العدو”. واعلن بو صعب انه “يجزم بان هوكشتاين لم يطلب ردا خطيا على طرحه بل فضل عدم تقديم رد خطي في حال عدم قبول لبنان بطرحه إفساحا في المجال امام التفاوض قبل الخروج بموقف حاسم”. ولفت في كلامه كشفه ان “بعض المسؤولين السابقين عن الملف تحدثوا بشيء امام المفاوض الأميركي وبشيء اخر امام الاعلام وانصح من لم يعد في موقعه بالتوقف عن الكلام خصوصا انه يدرك ماذا فعل وماذا قال وماذا طلب وما يجبرنا نطلع نحكيها”.
في المقابل أكد وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، أن “سفينة التنقيب عن الغاز تقع في أراضينا ولن تستخرج الغاز من المنطقة المتنازع عليها مع لبنان”. وقال: منصة “كاريش” للغاز تقع في المناطق الإسرائيلية وليس في المنطقة التي يتم التفاوض عليها بين إسرائيل ولبنان. ودعا غانتس لبنان إلى الإسراع في المفاوضات بشأن الحدود البحرية، مشيراً الى أن “إسرائيل على استعداد لحماية أصولها الاستراتيجية والدفاع عن بنيتها التحتية”.
وبدوره قال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد ان “حقل “كاريش” للغاز هو أحد أصولنا الاستراتيجية ومصممون على الاستفادة من المنطقة الاقتصادية الخالصة لإسرائيل”.
تحركات ومواقف
وعرض الرئيس عون امس مع وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب الاتصالات الجارية في اطار معالجة قضية التحركات البحرية التي تقوم بها سفينة وحدة انتاج الغاز الطبيعي المسال “انرجي باور”. وأوضح بو حبيب ان “الاتصالات الديبلوماسية جارية لمعالجة الوضع الذي نشأ في المنطقة الجنوبية الحدودية في انتظار مجيء الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية السفير اموس هوكشتاين الى لبنان”. كما بحث بوحبيب مع السفيرة الاميركية دوروثي شيا موضوع ترسيم الحدود البحرية .
بدوره اعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي خلال جولته في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت للاطلاع على التحضيرات الجارية “استعداداً لبدء موسم سياحي واعد في لبنان” أنه سيعقد قبل نهاية الاسبوع اجتماعاً مع رئيس الجمهورية لبحث الخطوات الواجب اتخاذها في ما يخصّ ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وناشد الجميع “وقف السجالات في هذا الموضوع، فالخط ٢٩ هو اصلا خط تفاوضي وانا شخصيا لست على استعداد للقيام بأي عمل ارتجالي يعرّض لبنان للمخاطر. هذا الموضوع يحل بديبلوماسية عالية وبروية… والمسألة قيد الحل سلمياً”.
على شفير الانهيار!
وفي مفارقة أخرى تتصل بملف ازمة الطاقة في لبنان أعلنت امس مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، بربارة ليف أنّ “قطاع الطاقة في لبنان أصبح على شفير الانهيار”. واشارت ليف الى ان “الولايات المتحدة لم تتخذ، حتى الآن، أي قرار برفع العقوبات، أو أي استثناءات تتعلق بالعقوبات على سوريا، بشأن نقل الغاز المصري إلى لبنان، “لأن هذه الدول لم توقع أي عقود بعد”.
وقالت ليف، في جلسة للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، خصصت لمناقشة سياسة إدارة بايدن تجاه سوريا إن “هناك عملية جارية الآن لإنهاء هذه العقود بين الحكومات”، مضيفة أن واشنطن ستنظر في تفاصيل هذه العقود وتقرر بشأنها في حينها”. ونفت تقديم أي ضمانات بشأن رفع العقوبات، لكنها أشارت إلى أن ما تم الإلتزام به هو إجراء محادثات بشأن هذه المسألة.
وأكدت ليف “أن الهدف من هذا المشروع مساعدة الشعب اللبناني في المقام الأول”.
وقالت: “لبنان يعاني منذ سنوات وهو الآن من دون شك على شفير انهيار الدولة والمجتمع، ونحاول عبر إجراءات عدة وضع حد لهذا الاحتمال لأن انعكاس ذلك على اللبنانيين شيء، لكن الانعكاس على المنطقة بشكل أوسع سيكون أكبر، على إسرائيل والأردن ودول أخرى”. وأضافت: “لذا نعمل على إجراءات عدة منها خيار نقل الغاز المصري عبر الأردن من خلال أنبوب يمر عبر سوريا، الذي طرحته حكومتا القاهرة وعمان”، مشيرة إلى أن الشعب اللبناني لديه ساعتان فقط من الكهرباء يوميا حاليا. وكشفت أن “العاهل الأردني هو أكثر الأشخاص القلقين بين شركائنا حيال احتمال الانهيار في لبنان، ويريد أن يقوم بكل شيء ممكن لتخفيف هذا الاحتمال”. كما أكدت على أنه “لن يكون هناك تحويل لأموال نقدية من أي نوع للحكومة السورية”.
ورداً على سؤال أخر للسناتور كروز حول ما إذا كان الجيش اللبناني، الذي تقدم له الولايات المتحدة مساعدات بمليارات الدولارات، يحاول وقف مواكب الأسلحة لـ”حزب الله” في لبنان وعدد هذه العمليات في حال حصولها، قالت ليف التي استلمت منصبها الأسبوع الماضي: “أريد أن أطلع على التفاصيل وآتي إليك بجواب”. لكنها استطردت قائلة “إن القوات المسلحة اللبنانية على شفير أن تصبح المؤسسة الوطنية الوحيدة التي لديها القدرة على الحفاظ على الأمن وتخفيف بعض انعكاسات انهيار لبنان . وهي المؤسسة الوحيدة على مستوى البلاد التي يثق بها الشعب اللبناني وهي تعاني في تنفيذ مسؤولياتها وآخر شيء نريد أن نراه هو انهيار القوات المسلحة اللبنانية أيضاً”.