شاءت المصادفة ان تلفظ المحكمة الخاصة بلبنان حكمها المبرم بالسجن المؤبد على المدانين الاخرين في اغتيال الرئيس الشهيد #رفيق الحريري في لحظة بدء البحث العميق في مواصفات الحكومة الأخيرة التي ستشكل في عهد الرئيس ميشال عون. وعلى رغم انتفاء أي تزامن متعمد طبعاً بين هذا التطور القضائي الدولي الجديد الذي أعاد حضور “محكمة الحريري” بقوة الى قلب الحدث اللبناني، فان الاصداء الخارجية الفورية التي أحدثها غداة صدور الحكم اتخذت دلالات معبرة للغاية، يصعب القفز فوقها وتجاهلها تحت أي ضغط يمكن ان يمارسه “حزب الله” باعتباره ان المدانين الثلاثة في اغتيال الحريري هم من “اركانه” الأمنيين، على حلفائها والسلطة لتجاهل أي اثر للحكم على مسار تأليف الحكومة واعتبار الحكم كأنه لم يكن كما تعامل أساسا مع انشاء المحكمة الدولية . ذلك ان مسارعة الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية الى الترحيب بحكم المحكمة الدولية اتخذ دلالات سياسية بارزة اذ اظهر التفاعل مع القرارُ الذي صدر عن المحكمة والذي فرض بالإجماع على كلّ من حسن مرعي وحسين عنيسي عقوبة السجن المؤبد خمس مرات لإدانتهما في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وهذه الاصداء أدرجت في اطار اشارات الى موقف الخارج السلبي من اي حكومة يمكن ان تكون لـ”حزب الله” الاكثرية او النفوذ الزائد فيها. ولم تخف عن المتابعين في هذا السياق الدلالات الأخرى التي برزت مع دعوة المدعي العام للمحكمة نورمان فاريل في دعوته المجتمع الدولي الى توفير كل الإمكانات المتاحة لتوقيف المدانين الثلاثة في الجريمة .
وفيما التزم سائر اركان السلطة والدولة جانب الصمت والتجاهل ازاء قرار المحكمة، سارعت وزارة الخارجية الأميركية الى الترحيب بالحكم. وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس “يمثل هذا الحكم علامة بارزة طال انتظارها في السعي لتحقيق العدالة لشعب لبنان”.
وبدورها، أعربت وزارة الخارجية السعودية عن ترحيب المملكة “بالحكم الصادر بالإجماع عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بحق عميلين تابعين لحزب الله لدورهما في الهجوم الإرهابي الذي تسبب في مقتل اثنين وعشرين شخصاً من بينهم رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وجرح 226 شخصاً.” ودعت المملكة بحسب بيان رسمي “المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بمسؤولياته تجاه لبنان وشعبه الذي يعاني من الممارسات الإرهابية العبثية للمليشيا المدعومة من إيران، والعمل على تطبيق القرارات الدولية الخاصة بلبنان، وتتبع الجناة الذين أسهموا عمداً في إزهاق أرواح الأبرياء مما تسبب بفوضى غير مسبوقة في هذا البلد، والقبض عليهم إحقاقاً للعدالة، ونزع فتيل الأزمات التي يعيشها لبنان وشعبه خلال العقود القليلة الماضية بسبب ممارساتهم الارهابية”.
وفي اطار ردود الفعل المحلية برز موقف عضو “اللقاء الديموقراطي” النائب مروان حمادة الذي اعلن أنه “سيتقدم بسؤال الاثنين المقبل الى الحكومة، بعد التطور القضائي البارز في ضوء دعوة المدعي العام للمحكمة الخاصة بلبنان نورمان فاريل من يحمون المتهمين الثلاثة الى تسليمهم للمحكمة أي سليم عياش وحسن مرعي وحسين عنيسي، اذ سيطالب الحكومة ووزير العدل باتخاذ المقتضى القانوني والعدلي في ضوء ما صدر عن المحكمة الدولية وكيفية التعاطي مع هذا القرار الصادر عن المدعي العام فاريل”. بدوره، رأى الرئيس فؤاد السنيورة ان “على القضاء اصدار مذكرات توقيف بحق مرعي وعنيسي وعلى حزب الله تسليم القتلة”.
ميقاتي والتكليف
وبالعودة الى الاستحقاق الحكومي وفي انتظار ما ستحمله الاستشارات النيابية الملزمة الخميس المقبل في قصر بعبدا، لم تبرز أي تطورات يعتدّ بها في الساعات الأخيرة في وقت يترقب الجميع مطلع الأسبوع المقبل كنقطة انطلاق لحسم مواقف الكتل النيابية والقوى السياسية من تسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة. وإذ يبدو واضحا ان اسم رئيس حكومة تصريف الاعمال #نجيب ميقاتي لا يزال يتقدم حتى الساعة على الأقل كل الاحتمالات الأخرى، نقل عنه انه باق على موقفه بأنه لن يتهرب من الواجب الذي تقتضي المصلحة الوطنية الركون اليها. وهو يأمل في المقابل لا بل يتمنى ان تتوفر جملة من المعطيات والعناصر التي تتطلب تضافر جهود الجميع في هذا التوقيت او بالأحرى العدد الاكبر منهم بغية التعاون سويا لاخراج البلد من ازماته مع ضرورة استمرار المعارضة البناء والحفاظ عليه بهدف تصويب عمل اي حكومة وبغض النظر عن مكوناتها ورئيسها. ويقول المتصلون بميقاتي ان هذا هو موقفه ورؤيته من الحكومة المقبلة حيث لن يتساهل في قبول هذه المهمة او وضع شروط عليه من هنا وهناك ، ويتجه ميقاتي الى توجيه رسالة الى كل من يهمه الامر وليس من باب التهديد او ممارسة سياسة التعقيد او وضع العصي في طريق التأليف بعدم فرض شروط او طلب امور لا يمكن تحقيقها في الحكومة المقبلة.
وجاءت الكلمة التي القاها في حفل تخريج طلاب جامعة العزم في طرابلس مطابقا لهذه المواقف اذ دعا ميقاتي إلى الإسراع في اختيار رئيس جديد للحكومة وتقديم كل التسهيلات لذلك، معتبراً أن “ترف الوقت لم يعد متاحاً أبداً”.
وأبدى رفضه “تحويل موقع رئاسة الحكومة وشخص رئيس الحكومة الى مادة للتسويات”، وقال: “مستعدون للخدمة العامة بقناعات وطنية وشخصية واضحة، ومخطئ مَن يعتقد أنّ رفع الصوت وافتعال الغبار السياسي والاعلامي في وجهنا يمكنه أن يلزمنا بأن نزيح قيد أُنملة عن قناعاتنا”. وقال : “لن أتردد في رفض أي محاولة لادخالنا في تسويات لا مصلحة للوطن فيها أو في مساومات سياسية مخالفة لقناعاتنا”.
أما في المواقف السياسية الأخرى من الاستحقاق، فأكدت امس “كتلة اللقاء الديموقراطي” بعد اجتماعها، ضرورة تأليف الحكومة بأسرع وقت، وبحثت في المواصفات المطلوبة في رئيس الحكومة الذي يجب تكليفه، ودعت إلى “بحث جدّي في شكل الحكومة التي تنتظرها مهمات أساسية، ما يُوجب أن تكون حكومة إنتاج وعمل فعلي، لكي تتولى تطبيق الإصلاحات الضرورية ومتابعة مسار التفاوض مع صندوق النقد الدولي والتصدي للأزمة المالية والمعيشية والاقتصادية” كما شددت الكتلة على “رفض أي محاولة لإعادة طرح البدعة المسماة الثلث المعطل، ورفض منطق الوزارات السيادية وغير السيادية وضرورة الخروج منه بحيث تكون كل الوزارات متاحة أمام ممثلين من كل الفئات” . وفي ملف ترسيم الحدود البحرية، استغربت الكتلة تقديم لبنان جواباً شفهياً للوسيط الأميركي لا خطياً، “الأمر الذي يبعث على التساؤلات حول حقيقة ما يجري وغياب الشفافية في التعامل الرسمي مع هذا الملف” واتهمت العهد بانه “فتح بازاراً كبيرا لحسابات شخصية لا تمت للمصلحة الوطنية بصلة”.
موقف بريطاني
الى ذلك اختتم مدير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية والتنمية البريطانية ستيفن هيكي زيارة للبنان التقى خلالها، بحسب بيان للسفارة البريطانية ، “كبار المسؤولين اللبنانيين والخبراء المحليين والشركاء الدوليين وزار المشاريع التي تمولها #المملكة المتحدة لدعم الفئات الأكثر ضعفاً في لبنان” وركزت المحادثات على “آخر التطورات في البلاد ودعم المملكة المتحدة للشعب اللبناني”.
وفي ختام زيارته، قال هيكي: “جئت في وقت يمر لبنان فيه بأزمة اقتصادية غير مسبوقة تؤثر بشكل كبير على شعبه. ما يجب القيام به واضح، فعلى القيادة اللبنانية أن تتصرف فورا عبر تنفيذ إصلاحات عاجلة بما في ذلك إبرام صفقة مع صندوق النقد الدولي. المملكة المتحدة على استعداد للمساعدة ولكن أولاً يجب أن نرى أفعالا من السياسيين اللبنانيين. ومن دون ذلك لا يمكن لبنان أن يقف على قدميه ويستعيد ثقة المجتمع الدولي”. وأضاف: “لقد تشرفت أيضًا بلقاء مجموعة من خريجي منح تشيفننغ الجامعية الذين يقومون بعمل رائع في مختلف المجالات من أجل بلدهم. وفي مقهى “هنا بيروت”، كان من المجدي سماع التأثير الإيجابي لمشروعنا على حياة الشباب والاستماع إلى مخاوفهم وتطلعاتهم وآمالهم في لبنان أفضل”.
وختم: “ستظل المملكة المتحدة صديقة لشعب لبنان وخصوصا من هم أكثر ضعفاً بمن فيهم اللاجئون”.