يمكن القول ان يوم الاستشارات الذي انتهى بتكليف الرئيس #نجيب ميقاتي تاليف رابع حكومة برئاسته منذ المرة الأولى التي دخل فيها الى نادي رؤساء الحكومات عام 2005، كاد يخلو من أي مفاجأة او تطور غير محسوب بما فيها الأكثرية الهشة التي حصل عليها بـ 54 نائبا. ومع ذلك لا يمكن تجاهل ابرز الدلالات المهمة التي حملها تكليف “ميقاتي الرابع” والوقائع السياسية التي واكبته خصوصا انها سترخي ظلالها واثارها على مهمته الصعبة في انجاز تأليف سريع قياسيا للحكومة العتيدة المحكومة مبدئيا ودستوريا بعمر قصير لا يبلغ الأربعة اشهر الا اذا حصل طارئ مجهول – معلوم في اجراء الاستحقاق الرئاسي .
ابرز هذه الدلالات تمثلت في ان اللامفاجأة صحت بحصول الرئيس ميقاتي على ما بات يمكن ادراجه تحت خانة “الاكثريات الصغيرة” او “الأقليات الكبيرة” التي صارت سائدة مع المجلس النيابي المنتخب بحيث توحي هذه الظاهرة بأفول زمن الاكثريات الوازنة كما الاجماعات او شبه الاجماع. بـ 54 نائبا صار ميقاتي الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الأخيرة في عهد الرئيس ميشال عون فيما هو باق في الوقت نفسه رئيس حكومة تصريف الاعمال الامر الذي يضعه امام مفارقة موقع بالغ الحساسية وعند “فالق” اهتزازات او زلازل الاستحقاق الرئاسي الاتي في الأشهر القليلة المقبلة. فسواء نجح ميقاتي في تاليف حكومة جديدة ام تعثر او بالأحرى جرت عرقلة مهمته تعمداً، فان ثمة احتمالا أساسيا ينظر من خلاله الى واقعه الجديد وهو انه سيكون على رأس الحكومة الانتقالية التي يفترض ان تجرى الانتخابات الرئاسية خلال ولايتها او انها ستغدو هي “القائم مقام” رئيس الجمهورية في حال عدم انتخابه في الموعد الدستوري .
اما الدلالة الثانية فاكتسبت واقعيا بعداً خطيراً سياسيا وطائفيا عبر بروز الحجم الكبيرة للممتنعين عن تسمية أي مرشح لتشكيل الحكومة وقد بلغ عددهم 46 نائبا اكثريتهم الساحقة تتشكل من كتلتي “الجمهورية القوية” و”التيار الوطني الحر” . طبعا هذا التقاطع بين اكبر كتلتين مسيحيتين لا يعني توافقا بين الاخوة – الأعداء على أي شيء يتصل بالمرحلة الفاصلة عن نهاية العهد العوني . لكن الدلالة التي استوقفت كثيرين في هذه “المقاطعة” المبطنة لاختيار أي مرشح لتشكيل الحكومة تتمثل في البعد الميثاقي الذي ترددت اصداؤه لدى الأوساط الأخرى. وبدا لافتا مثلا ان يغرد النائب السابق عاصم عراجي قائلا: “من منطلق وطني غير مقبول ان لا يسمي حوالي خمسين نائبآ مسيحياً اليوم اي شخص سني لتشكيل حكومة، كان بامكانهم تسمية شخص غير الرئيس ميقاتي او نواف سلام، ألا يوجد بالطائفة السنية شخص لديهم ممكن أن يشكل الحكومة؟ اذا طبق النواب السنة هذا على انتخابات رئاسة الجمهورية، سنكون امام اشارة خطيرة”.
الدلالة الثالثة في حصيلة الاستشارات تخرج السفير السابق نواف سلام رابحا مرة جديدة ولو خسر. ذلك ان العضو اللبناني في محكمة العدل الدولية في لاهاي حاز على كتلة داعمة لترشحه من 25 صوتا بما يعتبر في ظروف توزع التكتلات الجديدة في المجلس امرا لا يمكن تجاهل أهميته ويؤكد ان نواف سلام صار على نحو غير معلن عابرا للاتجاهات السياسية .
ويبقى ان العد العكسي انطلق من لحظة تكليف ميقاتي لاستحقاق التاليف الذي سيكون بلا أي نقاش وجدل شاقا وشاقا للغاية.
اذاً كلّف الرئيس نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة الجديدة بتسمية من 54 نائباً بعد استشارات نيابية ملزمة أجراها رئيس الجمهورية ميشال عون طوال نهار امس فيما حصل السفير نواف سلام على 25 صوتاً، أما الرئيس سعد الحريري، فقد حاز على صوت واحد، وكذلك الأمر الدكتورة روعة حلّاب، وكان خيار 46 نائباً “لا تسمية”، مع تغيّب النائب أشرف ريفي عن العملية. وعلى الإثر، استدعى عون ميقاتي للقائه إلى جانب الرئيس نبيه برّي وابلغه النتائج والتكليف .
ميقاتي
وقد وجّه ميقاتي كلمة دعا فيها إلى “تعاون الجميع لإنقاذ وطننا وانتشال شعبنا مما يتخبّط فيه، لأن مسؤولية الإنقاذ مسؤولية جماعية وليست مسؤولية فرد”. وشدد على انه “بكل صدق وإخلاص وتجرّد أمدّ يدي إلى الجميع من دون إستثناء، بارادة وطنية طيبة وصادقة”. وفي إشارة الى استحقاق التاليف قال “لم نعد نملك ترف الوقت والتأخير والغرق في الشروط والمطالب، إذ أضعنا ما يكفي من الوقت وخسرنا الكثير من فرص الدعم من الدول الشقيقة والصديقة، التي لطالما كان موقفها واحدا وواضحا”ساعدوا انفسكم لنساعدكم”.
وذكّر “أنّنا أصبحنا أمام تحد الانهيار التام أو الإنقاذ التدريجي إنطلاقاً من فرصة وحيدة باتت متاحة أمامنا في الوقت الحاضر، وعلى مدى الاشهر الماضية دخلنا باب الانقاذ من خلال التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ووقعّنا الاتفاق الأوّلي الذي يشكّل خارطة طريق للحل والتعافي، وهو قابل للتعديل والتحسين بقدر ما تتوافر معطيات التزام الكتل السياسية، وعبرها المؤسسات الدستورية، بالمسار الاصلاحي البنيوي”.
وشدّد على “التعاون في أسرع مع المجلس النيابي لإقرار المشاريع الإصلاحية المطلوبة قبل إستكمال التفاوض في المرحلة المقبلة لانجاز الاتفاق النهائي مع صندوق النقد وبدء مسيرة التعافي الكامل”.
وقال: “من هذا المكان بالذات، أدعو جميع القوى السياسية إلى لحظة مسؤولية تاريخية، لحظة نتعاون فيها جميعا لاستكمال مسيرة الإنقاذ الفعلي باقصى سرعة، وبثقة كاملة من المجلس النيابي الكريم لوضع لبنان على مشارف الحلول المنتظرة”.
ودعا الجميع “لملاقاتنا في هذه الورشة بكل ايجابية وروح بنّاءة، لتتضافر كل جهودنا ولنبحث عن كل أسباب تعزيز الشراكة الوطنية وحماية الاستقرار الوطني، ولنتجاوز كل أسباب الانقسامات والرهانات التي دمرت مجتمعاتنا واقتصادنا وضربت مؤسساتنا”.
وأفادت معلومات أن الاستشارات لتشكيل الحكومة التي يجريها الرئيس المكلف مع الكتل والنواب من المرجّح أن تجرى الاثنين بعد الظهر، والثلثاء قبل الظهر.
وقد اكد ميقاتي في تصريحات مساء انه سيتقدم بتشكيلة حكومية قريبا جدا الى رئيس الجمهورية ربما في مطلع الاسبوع الذي يلي الاستشارات في المجلس النيابي “كما تقدمنا اشواطا في ملفي صندوق النقد والكهرباء والمطلوب حكومة فاعلة”. وقال “على الحكومة أن تكون ميثاقية ومهتم بأن تعبر حكومتي عن جميع أطياف المجتمع اللبناني”. وأشار إلى أن على الحكومة أن تتشكل بأسرع وقت، قائلًا: “كلما مر الوقت نخسر الكثير وهناك مشاريع قوانين عديدة قدمناها يجب أن ينظر إليها مجلس النواب “وأضاف: “لو بدي امسك كباش مع فخامة الرئيس لكنت فعلتها في المرة السابقة” متمنيًا ؛تشكيل حكومة ثم انتخاب رئيس وان تأخذ كل المؤسسات دورها”. وعما تردد عن طلب النائب جبران باسيل وزارتي الخارجية والطاقة قال: “لم يحصل حديث أو لقاء حول هذه المواضيع” مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن “الحكومة سيكون عمرها قصيرًا ولن أدخل في مشكلات بسبب حقيبة وزارية”.
وأضاف: “الميثاقية تقتضي التعاون مع الاشتراكيين فلا استطيع تأليف حكومة من دون الدروز”.
وبدا لافتا قول ميقاتي انه “اذا لم تؤلف حكومة جديدة فالحكومة الموجودة مكتملة المواصفات” في ما فسر بانه احتمال لتعويم الحكومة الحالية اذا أقيمت العقبات امام تاليف حكومة جديدة .
بو حبيب في الناقورة
على صعيد آخر، بدت لافتة الزيارة التي قام بها امس وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الاعمال عبد الله بو حبيب ، لمقر قيادة قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) في الناقورة، وكان في استقباله القائد العام لليونيفيل اللواء ارالدو لازارو وكبار الضباط. وعقد لقاء اطلع خلاله الوزير بو حبيب من لازارو على عمل ومهام اليونيفيل لجهة القرار 1701 والاوضاع الجنوبية لا سيما الانتهاكات الاسرائيلية. كما تطرق البحث الى موضوع الحدود البحرية. وشكر بو حبيب “القيادة الدولية والدول المشاركة في اليونيفيل”، مشيدا بدورها في عملية السلام. ثم دون كلمة في السجل الذهبي لليونيفيل وتبادل مع قائد اليونيفيل الدروع التذكارية. بعدها، تفقد بو حبيب ولازارو، على متن طوافة تابعة لليونيفيل، الخط الأزرق.
وبالتوازي مع هذه الزيارة اعرب نائب رئيس مجلس النواب النائب الياس بو صعب، في حوار مع الإعلامي وليد عبود عبر “تلفزيون لبنان”، عن تفاؤله بـ”إمكان التوصل إلى حل في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية”، وقال: “إن الوسيط الأميركي اموس هوكشتاين اعترف هذه المرة بإيجابية الموقف اللبناني الموحد الذي أبلغه إياه الرئيس ميشال عون”. وكشف أنه “تبلغ هذا الأسبوع من السفيرة الأميركية دوروثي شيا، أن هوكشتاين سلم العرض اللبناني للحكومة الإسرائيلية”. وتوقع أن يأتي “الرد الأسبوع المقبل أو الأسبوع الذي يخلفه”.