لم يكن مفاجئاً ولا مستغرباً ان تعود ظاهرة قطع الطرق الرئيسية والمستديرات في قلب بيروت، كما في عدد من المناطق، احتجاجا على تفاقم الأوضاع المعيشية والخدماتية في مختلف القطاعات العامة والخاصة الحيوية، في الوقت الذي راحت فيه الموجات الجديدة من الانهيار تسابق التأزم السياسي الاخذ في التصاعد والمنذر بانسداد في مسالك ازمة تاليف الحكومة الجديدة. ذلك ان العامل الأكثر اثارة للمخاوف من ان يكون لبنان عند مشارف متاهة جديدة من الانهيار يتصل بتدهور الخدمات الأساسية تدهورا دراماتيكيا جديدا، ولا سيما في ما يتصل بالتطور البالغ الأذى الذي تمثل ببدء اغلاق المعامل الحرارية عصر امس بسبب استفحال ازمة التشغيل وتمويل الفيول لهذه المعامل. الانهيار الكهربائي هذا يأتي بعد موجات انهيار أخرى، منها ازمة دفع الرواتب في القطاع العام وتاخرها، وانقطاع المياه عن العاصمة، وازمات أخرى متعددة، ليرسم السؤال الكبير المثير للقلق حيال أي موسم سياحي موعود تكثفت حوله الامال وبنيت أحلام حصد ثلاثة مليارات دولار على الأقل على تقديرات تدفق السياح والمغتربين اللبنانيين، فاذا بالايام الأخيرة تقدم الصدمات المتعاقبة لهذه الامال حينا عبر “مسيرات المقاومة” وحينا عبر انفجار أزمات اهل السلطة وكل حين عبر استفحال كارثة الكهرباء وسائر الخدمات الحيوية.
اما في الأزمة السياسية الحكومية فبدا واضحا، وطبقا لما كانت أوردته “النهار” امس، ان الانسداد السياسي بلغ ذروته جراء تداعيات “بيان السرايا” الذي أصدره رئيس حكومة تصريف الاعمال #نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب في شأن مسيرات “#حزب الله” الى حقل كاريش، ولو ان بعض المعطيات تحدث عن عملية احتواء جارية للتوتر الناشئ بين ميقاتي و”حزب الله” بعد هذا التطور. ولكن مسرح عملية التاليف شهد امس شللا تاما اذ لم يسجل أي لقاء على صلة بالازمة الحكومية فيما تواترت معطيات، ولو لم تتاكد رسميا، حيال خطوة تصعيدية يدرس العهد و”التيار الوطني الحر” القيام بها للضغط على ميقاتي ودفعه الى اتخاذ خيار حاسم بتشكيل حكومة جديدة واخذ اتجاهات رئيس الجمهورية حيالها بكل جدية.
ووسط الانسداد السياسي، جاء التطورالابرز من خلال عودة كابوس التعتيم الشامل قبل ان تتسرب مساء معلومات عن السعي الى تامين التمويل العالق لمشغلي المعامل. وكانت مؤسسة كهرباء لبنان اعلنت أن مشغل معملي الزهراني ودير عمار أفاد بأنّه سيتوقف عن القيام بأعماله، وذلك بسبب عدم تقاضيه مستحقاته بالعملة الصعبة (دولار نقدي)، وفق قراري مجلس الوزراء رقم 12 تاريخ 14/04/2022 ورقم 171 تاريخ 20/05/2022 الصادرين بهذا الشأن، ما سيؤدي إلى توقف معمل الزهراني، وهو المعمل الحراري الوحيد حاليا المنتج للطاقة الكهربائية على الشبكة، عن إنتاج الطاقة من بعد ظهر امس.
وفي المعلومات أنّ دفع المبلغ المستحق دخل في بازار الرسائل المتبادلة بين مصرف لبنان ووزارة المال ووزارة الطاقة، وانتقدت أوساط رسمية عبر الـ”النهار” مماطلة وزارة المال والبيروقراطية فيها، ما أدّى إلى هذا التأخير.
ومساء اعلنت مؤسسة كهرباء لبنان في بيان جديد أنّه بعد أن جرى إبلاغ مؤسسة كهرباء لبنان من قبل مصرف لبنان، بصورة غير رسمية، عن قيامه بصرف مستحقات مشغل معملي الزهراني ودير عمار بالعملة الصعبة التي سبق وارسلتها المؤسسة إليه، والموافق عليها من قبل وزارة المال، قامت مؤسسة كهرباء لبنان، على أثر ذلك فوراً، بالطلب من المشغل معاودة وضع معمل الزهراني في الخدمة وفق الخطة الإنتاجية المعدة سلفًا.
مسيّرة جديدة
في غضون ذلك لم تغب تداعيات ملف ترسيم الحدود البحرية ومسيّرات “حزب الله”، عن واجهة المشهد السياسي .
وكشف الجيش الإسرائيلي مساء امس عن قيام القبة الحديد باعتراض طائرة مسيرة إضافية تابعة لـ”حزب الله” الثلثاء كانت متوجهة إلى منصة الغاز الإسرائيلية كاريش وتم اعتراضها وإسقاطها في المياه اللبنانية، بعيدًا عن الحدود البحرية مع إسرائيل.
ولكن رئيس الجمهورية ميشال عون اعلن أنّ “المدة التي سنصل فيها إلى حل بملف ترسيم الحدود البحرية قصيرة” مضيفًا: “أعتقد أنّنا وصلنا إلى تفاهم مع الأميركيين الوسطاء بيننا وبين إسرائيل”. وقال عون في حديث لمحطة “او تي في” ان “نتائج الترسيم ستكون إيجابية لما فيه مصلحة للطرفين، ولو لم تكن الأجواء إيجابية لما تابعنا عملية التفاوض”. واشار الى أنّ “نتائج جولة وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض بما يتعلّق باستجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن إيجابية”.
وفي المقابل اعتبر رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ان “حزب الله” لم يطلق مسيراته نحو كاريش من اجل تقوية موقف الحكومة، كما يدعي، بل لسببين بسيطين: الاول لان المفاوضات التي جرت في قطر بين الولايات المتحدة وايران لم تفض باي نتيجة ما دفع هذه الاخيرة الى توجيه رسالة الى الفريق المفاوض عبر “حزب الله” بانه باستطاعتها “التدمير” في اي بلد تريد اذا لم تمنح مطالبها، اذا هذه الرسالة وجهتها ايران من لبنان على حساب شعبه. اما السبب الثاني فهو تذكير اللبنانيين بان “حزب الله” مقاومة وباستطاعته ضرب اسرائيل وارسال المسيرات بعد ان علم اللبنانيون تأثيره السلبي على الاوضاع اللبنانية السيادية والمعيشية”. اما رئاسيا، فدعا جعجع “كل افرقاء المعارضة من نواب جدد ومستقلين واحزاب الى التفاهم على مرشح مختلف عن مرشح السلطة الحالية”، مضيفا “اذا لم نتوصل كمعارضة الى الاتفاق على اسم رئاسي واحد لخوض المعركة سنخون عندها ثقة الشعب التي منحت لنا وسيبقى عملنا في اطار التصاريح المشابهة فقط لا غير، لذا اتمنى الا يخون نواب المعارضة هذه الامانة ولندرك جميعا كيفية التصرف على المستوى العملي كي نفتح باب الخلاص لهذا الشعب”.