صحيح ان النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية #غادة عون، “ممثلة” قضاء العهد، قد حطمت أرقاما قياسية في السوابق الفاشلة والخارجة عن الأصول الجادة الرصينة في الأداء القضائي بصرف النظر عن مضمون الملفات التي تتولاها. غير ان ما حصل امس في مصرف لبنان، المصرف المركزي للدولة اللبنانية وللبنانيين، يعتبر بحق ذروة السوابق الغرائبية. فالمصرف المركزي ليس “شركة مكتف”، رغم ان اقتحام الشركة شكل انتهاكا فظيعا للأصول أيضا، لا تزال تردداته تطارد السمعة والهيبة القضائيتين. والاغرب ان تمعن القاضية عون في تنصيب نفسها قائدة للضابطة العدلية التي تتمثل بجهاز امني، ومن ثم تقتحم حرم المصرف المركزي، وتطارد حاكم مصرف لبنان #رياض سلامة حتى في مكتبه، رغم موقف قضائي منع هذا الاقتحام الذي كان يمكن ان يتسبب باشتباك بين جهاز امن الدولة وقوى الامن الداخلي المولجة بحماية مصرف لبنان.
واما الأسوأ في الصورة الاوسع، فبرز في تزامن حلقات وانتهاكات ومخالفات تصب جميعها في ما يخشى انه اما تفكك خطير في مركزية اداء القضاء بما ينذر بمزيد من تراجع هيبته وصدقيته، واما امعان خطير من جهات نافذة ومعروفة في تسخير بعض القضاء لشن حملات تصفية الحسابات السياسية عند مشارف المعركة الرئاسية. هذه الحلقات تمثلت في الفصل المسرحي في اقتحام مصرف لبنان والتضييق المشبوه على النائب البطريركي الماروني على حيفا والأراضي المقدسة المطران #موسى الحاج بالتحقيق الطويل معه، واستدعائه الى التحقيق العسكري غدا على يد جهة قضائية معروفة بارتباطها بجهة سلطوية نافذة، كما في استدعاء رئيس دائرة المناقصات جان العلية الى التحقيق للتضييق عليه.
واعتبرت مصادر معنية بتداعيات ما قامت به القاضية عون ان اخطر ما رتبته خطوتها هو أن قوى امن الدولة التي كانت برفقتها كان يمكن ان تتواجه بالأسلحة مع قوى الأمن الداخلي الموجودة في المصرف المركزي. واعتبرت المصادر ان مصرف لبنان هو مؤسسة مستقلة لها شخصيتها المعنوية. وهي الحاكمية المستقلة الوحيدة في لبنان، وفيها لجنة التحقيق الخاصة القضائية الدائمة الإنعقاد وتتضمن في عضويتها بشكل دائم ممثلا للقضاء العدلي هو المدعي العام المالي بصفته رأس هرم القضاء الجنائي المالي في لبنان. وتساءلت : كيف تدخل المدعي العام لجبل لبنان بهذه الطريقة وما هو الموجب القانوني لذلك ؟
ولم يكن ادل على غرابة هذه السابقة ومخالفتها لابسط الأصول من ان القاضي المناوب في النيابة العامة الاستئنافية في بيروت رجا حاموش رفض اعطاء الإشارة لدخول عناصر امن الدولة الى مصرف لبنان. وبعد وصول القاضية عون الى المكان، دخلت الى المصرف وبحثت عن سلامة ولم تجده، وخرجت لتعلن ان إشارة جاءت من القاضي رجا حاموش لإخلاء المكان. وافادت معلومات ان سلامة كان داخل مكتبه في المركزي لكن القاضية غادة عون لم تستطع الوصول إليه.
وعلى الاثر، اتخذ مجلس نقابة موظفي مصرف لبنان قرارا بالاجماع باعلان الاضراب والإقفال التام لمدة 3 ايام ابتداءً من اليوم الأربعاء “إتاحة للعقلاء للتدخل حمايةً للمؤسسة”.
وجاءت الإدانة الأبرز لخطوة القاضية عون من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي ابدى “أسفه للطريقة الاستعراضية التي تتم فيها معالجة ملفات قضائية حساسة لها ارتباط بالاستقرار النقدي في البلاد، مما يعرّض البلد لاهتزاز لا تحمد عقباه.” وقال “إن مداهمة المصرف المركزي بهذا الشكل الاستعراضي وسط تداخل الصلاحيات بين الاجهزة القضائية ليس الحل المناسب لمعالجة ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. قلت وأكرر لسنا متمسكين بأحد، ولا ندافع عن احد، بل نتمسك بالقضاء العادل بعيدا عن الاستنسابية، مع الحرص على سمعة لبنان المالية دوليا. والمطلوب ان تتم معالجة هذا الملف بتوافق سياسي مسبق على حاكم جديد لمصرف لبنان، ولتأخذ القضية مجراها القانوني المناسب بعد ذلك”.
ملاحقة المطران الحاج
وليس بعيدا من هذا التفلت القضائي، تفاعلت قضية توقيف النائب البطريركي الماروني على القدس والأراضي الفلسطينية المطران موسى الحاج عند معبر الناقورة ابان عودته الى لبنان والتحقيق معه لساعات، ومن ثمّ استدعاؤه من قاضي التحقيق العسكري فادي عقيقي للتحقيق معه في المحكمة العسكرية اليوم الأربعاء. وإذ لم يعلق المطران لدى زيارته امس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بحيث اطلعه على ما جرى معه واكتفى بالقول انه “عومل باحترام”، تقرر عقد اجتماع استثنائي لمجلس المطارنة الموارنة في الديمان اليوم لاتخاذ موقف من قضية توقيف المطران الحاج والتحقيق معه .
البطريرك بشارة بطرس الراعي يستقبل المطران موسى الحاج بعد اخضاعه للتحقيق لساعات عند معبر الناقورة.
وفي هذا السياق، رأى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ان “المطلوب من رئيس مجلس القضاء الأعلى ومدعي عام التمييز وضع حد لتصرفات القاضي عقيقي وصرف النظر عن استدعاء النائب البطريركي على القدس والأراضي الفلسطينية والمملكة الهاشمية في الطائفة المارونية المطران موسى الحاج والاستماع اليه”.وأكد انه “ليس مفهوماً أبداً ان يقوم الأمن العام بتوقيف المطران الحاج عند معبر الناقورة لدى عودته الى لبنان والتحقيق معه لساعات طويلة متواصلة، ومن ثمّ استدعاؤه من قبل قاضي التحقيق العسكري فادي عقيقي للتحقيق معه في المحكمة العسكرية يوم الأربعاء. إنّ استدعاء المطران الحاج الى التحقيق في المحكمة العسكرية ليس انطلاقاً من شبهة او دليل او قرينة ما، بل نعتبره رسالة الى غبطة البطريرك الراعي انطلاقاً من مواقفه الوطنية”.
كما ان الحزب التقدمي الاشتراكي سأل بدوره “عن المعيار الذي يتحرك القضاء على أساسه، إذ كيف تقف التحقيقات في ملف وطني كانفجار المرفأ بينما تتحرك تحقيقات أخرى بمجرد طلب سياسي ما أو جهة سياسية ما؟ أين هو مبدأ الفصل بين السياسة والقضاء؟ وسأل المعنيين “عن مصير التشكيلات القضائية التي أوقفتها الوصاية الجبرية المفروضة على القضاء؟ وهل تكون العدالة بخروج قاضية عن أصول القانون والصلاحية المكانية وتكرار الاستعراضات الإعلامية التي تؤكد للبنانيين شكوكهم حول جدوى القضاء وسلامة عمله؟ وهل العدالة القضائية تكون بالاستدعاء المثير للاستغراب لرئيس إدارة المناقصات جان العلية في محاولة لمعاقبته على كشفه الحقائق للرأي العام وفضحه للممارسات التي راكمت نصف الدين العام في قطاع الكهرباء وحده؟ إنّ هذا التمادي الفاقع في كسر القانون واستنسابية تطبيقه ينذر إذا ما استمر بعامل إضافي من عوامل تفكك الدولة، وهو أمر نضعه برسم السلطة القضائية لوضع حد نهائي لهذا الانتهاك الخطير.”
يشار الى ان رئيس دائرة المناقصات جان العلية اعلن لدى خروجه امس من قصر العدل بعد الاستماع إليه على خلفية الاخبار المقدم في حقه من مجلس شورى الدولة “لي الشرف اليوم ان اقدم واجبا وطنيا ووظيفيا مقدسا وأن امثل أمام سعادة النائب العام الاستئنافي القاضي غسان عويدات. وقد استمع إلي على سبيل المعلومات. وكانت جلسة مطولة اجبت فيها عن كل الاسئلة”. أضاف “سأتقدم بواسطة المحامي نزار صاغية باخبار منفصل في موضوع مزايدة السوق الحرة”