لم تكن الا هدية مسمومة ل#لبنان تلك التي قدمت المعتدي على #سلمان رشدي في نيويورك على انه أميركي من اصل لبناني جنوبي . في عز حاجة البلاد الى أي تطور يساهم في تنقية صورة لبنان المشوهة خارجيا والمتهالكة داخليا ، كان وقع تداول الاعلام العالمي لاخبار الاعتداء ومنفذه كلبناني الأصل ثقيلا ومحرجا ولو كابر المكابرون المحليون في عدم الاعتراف بهذه الحقيقة . ومع ذلك فان الأنظار تتركز في اتجاهات أخرى اشد تأثيرا على الواقع الداخلي أي انطلاق الاستعدادات بجدية للاستحقاق الرئاسي الذي يحين موعد بداية مهلته الدستورية بعد أسبوعين تماما . وما يمكن استخلاصه من كثافة التحركات والزيارات في الأيام الأخيرة للديمان يتمثل في “استشعار” الجهات السياسية كما المرشحين غير المعلنين بعد بان بوابة العبور الأساسية الى بداية التعامل مع مرحلة طرح المرشحين قد اوشكت على الانطلاق . ولم يكن ادل على ذلك من انفتاح مرحلة تحديد المواصفات الرئاسية على الغارب بما يوحي ان “تحمية” الاستحقاق بدأت واقعيا عبر طرح المواصفات تمهيدا لمقاربة مرحلة طرح المرشحين ولو ان بداية المهلة الدستورية في الأول من أيلول لا تعني حكما ان خريطة السباق الى بعبدا ستبصر النور او ان الأسماء الجدية للمرشحين ستنكشف بسهولة . ذلك ان ثمة جهات معنية برصد كل التحركات المتصلة بالاستحقاق سياسيا وديبلوماسيا تقول ان حذرا كبيرا يسود كواليس معظم القوى النافذة داخليا في انتظار جلاء الغموض الكبير الذي يحوط المعطيات الخارجية والداخلية التي ستؤثر على الاستحقاق وان هذه الحالة الضبابية تبقي كل الاحتمالات السلبية قائمة ومنها احتمال الفراغ الرئاسي . لذا لن تقدم الكتل الكبيرة على احراق اوراقها ومرشحيها قبل اقتراب المهلة الدستورية من مراحل متقدمة علما ان ثمة قلقا اخر يسود كواليس الكثيرين ويتعلق بمصير ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل والذي يحوطه منذ أسبوعين غموض متجدد يفترض تبديده في وقت قريب وقبل بداية أيلول .
اذن بدا واضحا ان ثمة مقدمات تتكثف لجولات من التحركات والمشاورات المتصلة بالاستحقاق الرئاسي اذ يشهد الصرح البطريركي الصيفي في الديمان حركة كثيفة على خلفية دورها المؤثر في الاستحقاق الرئاسي . وثمة توقعات بان الاتصالات التي بدأت لبلورة صورة الانتخابات الرئاسية، ستتكثف تباعا وتصاعديا وسط العد العكسي لبدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية اعتبارا من منتصف ليل 31 آب – الأول من أيلول . وفي هذا الاطار وغداة لقاء كليمنصو بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ووفد قيادي بارز من “حزب الله” ، يجري التواصلُ على خط النواب المعارضين لثنائي العهد – حزب الله اذ سيتخذ ابعادا جديدة بدفع من “القوات اللبنانية ” المصرّة على التواصل مع كل المعارضين اكانوا من التغييريين او المستقلين او الحزبيين لرص الصف ومنع وصول مرشح 8 آذار الى بعبدا. وذكرت معلومات ان هذه الاتصالات ستشمل المختارة التي ترفض معراب اعتبارَها في الخندق الآخر، خصوصا ان جنبلاط أعلن ان هناك تباينات مع “حزب الله”. وسيعقد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع مؤتمرا صحافيا اليوم يتناول فيه التطورات المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي .
كما ان الحركة التنسيقية التشاورية ستجري ايضا في كواليس 8 آذار. فحتى الساعة، الحزبُ لم يحسم موقفه ولا اسم مرشحه، وقد بدأت هذه الضبابية تثير الخلافات من جديد، بين كل من رئيس التيار الوطني الحر النائب #جبران باسيل ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، الطامحَين الى الرئاسة والى كسب دعم الضاحية لترشيحيهما.
الانسحاب من الصراعات
ولعل اللافت ان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس #الراعي عاود غداة أيام كثيفة من اللقاءات التي اجراها الى وضع النقاط على حروف المواصفات الرئاسية انطلاقا من موقفه من الحياد اذ قال امس في عظته : “من غير الممكن أن يعيش لبنان هويته وطبيعته ورسالته إذا لم يستعد حياده الناشط الذي هو في جوهر كيانه الدستوري. ان إعتماد الحياد لا ينقذ فقط لبنان من التورط في صراعات الآخرين وحروبهم، بل يخفض أيضا عدد القضايا الخلافية بين اللبنانيين، لاسيما على صعيد الخيارات الدستورية المختلفة.” . وأشار الى أن “الانحياز لم يجلب إلينا جميعا، بخاصة في تاريخ لبنان الحديث، سوى الأزمات التي تكاد تطيح الدولة اللبنانية وصيغة العيش معا. لقد اعتادت البطريركية المارونية أن تكون الصوت الذي يعبر عن مكنونات اللبنانيين، وعلى الجهر بالمواقف الوطنية المصيرية التي يتردد بعضهم في الجهر بها ولو كانوا مؤمنين بها. دور هذا الصرح عبر التاريخ أن يدافع عن جميع اللبنانيين وعن الكيان اللبناني، وأن يواجه التحديات ويصبر على الضيم من دون الخضوع للضغوط أو أي اهتمام للمزايدات. إذا إلتزم المرشحون الجديون لرئاسة الجمهورية بالسعي لإعلان حياد لبنان، لكسبوا ثقة غالبية الرأي العام اللبناني والعربي والدولي. الشعب يحتاج رئيسا يسحب لبنان من الصراعات لا أن يجدد إقامته فيها”.
وقال: “في هذا السياق، طبيعي أن يطلع الشعب اللبناني على رؤية كل مرشح جدي لرئاسة الجمهورية. صحيح أن الرئيس في لبنان ليس حاكما منفردا، إذ يترأس الجمهورية بترفع وحيادية مع مجلسي النواب والوزراء وسائر المؤسسات الدستورية والإدارية. لكن هذا لا يعفي المرشح لهذا المنصب من إبداء تصوره للمشاكل والأزمات والحلول، وإعلان مواقفه الواضحة من القضايا المصيرية”.
عودة والمواصفات
وليس بعيدا من هذا الموقف كانت لميتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة مواقف من الاستحقاق والمواصفات الرئاسية فقال :” لا بد من التذكير أن على مجلس النواب أن يحزم أمره ويلتئم من أجل انتخاب رئيس للجمهورية، في المهلة الدستورية المحددة، عل روحا جديدة تنسل إلى لبنان وتعيده إلى الحياة. والرئيس الذي نريده هو رئيس قريب من شعبه، يعي هموم الشعب، ويتبنى أحلامه، ويعمل على تحقيقها. عاشق لوطنه، ناذر النفس لخدمته، متخليا عن ذاته وأنانيته ومصلحته. صاحب هيبة يعيد للدولة هيبتها وسيادتها واستقرارها، ويحسن قيادتها بحكمته وعلمه وخبرته لا بأتباعه. رئيس يعيد للبنان مركزه في قلوب أبنائه أولا، ثم في محيطه والعالم، يبني مستقبله على ركائز متينة لا تزعزعها أدنى العواصف، صاحب رؤية واضحة وشخصية قوية بتواضع، محاور ذكي يحسن الإصغاء إلى محاوريه، ويحسن اختيار وقيادة فريق عمله، يستبق الأحداث ويستشرف المستقبل. شجاع حيث تدعو الحاجة ووديع حيث يجب، لا تحيز عنده ولا انتماء إلا للبنان، يحترم الدستور والقوانين ولا يتساهل مع من يخالفها، يطبق المبادئ الديمقراطية، يحترم القيم ولا يساوم أو يتنازل عن حق. باختصار، نحن بحاجة إلى رئيس متحرر من أثقال المصالح والإرتباطات، يضع مصلحة لبنان نصب عينيه، ولا يعمل إلا من أجل تحقيقها، فيلتف الشعب حوله ويقتدي به”.
اما على صعيد حركة الديمان فان النائب جبران باسيل زار الصرح السبت حيث استقبله البطريرك الراعي. وبعد اللقاء اكد رئيس “التيّار الوطنيّ الحرّ” أنّ “بكركي مرجعيّة أساسيّة لنا، ولا يفكّر أحد أبدًا في اتّهامها بالعمالة، وقد حصلت أخطاء يمكن معالجتها، إلّا أنّ هذا الأمر ليس سياسيًّا”، مبيّنًا أنّه “تمّ استغلال حادثة المطران موسى الحاج سياسيًّا، لكنّ بكركي أعلى من ثقافة الاستغلال ومن الأذى، وهي تحت القانون ولها قوانينها المشرقيّة الّتي لا تتعارض مع القانون العام”.
وشدّد على أنّ “البلد بحاجة إلى حكومة، أوّلًا لأنّ هذا الأمر طبيعيّ، ثانيًا لأنّنا نمرّ بأزمة غير طبيعيّة، وثالثًا لأنّها ضمانة في الحدّ الأدنى كي لا يحصل فراغ”، مركّزًا على أنّ “مشكلتنا أنّ هناك رئيسًا مكلّفًا قرّر أنّه لا يريد تأليف حكومة، تحت عدّة حجج منها الوقت والظّرف وتحمّل المسؤوليّة بهذا الوقت الضّيق، وأنّ هناك من يراهن على الفراغ، وهذا أمر غير مقبول وغير دستوري. وللأسف لهذا الرّهان داعمون من قبل الّذين سمّوه”. وأعلن “أنّنا ضدّ الفراغ ولا نرى أنّ البلد يحتمله، وسنعمل كي لا يحصل”، لافتًا إلى أنّ “الانتخابات الرئاسية للأسف لن تأتي بالتّغيير الكبير المطلوب، لكنّها يجب أن تحصل”. وأكّد “أنّنا نؤيّد انتخاب الرئيس مباشرةً من قبل الشّعب، وهذه الخطوة تمنع شبح الفراغ في الدّرجة الأولى”، مشدّدًا على أنّ “تمثيل رئيس الجمهوريّة ووجود كتلة وازنة معه تدعمه أمر مهمّ، ومن المرفوض كليًّا أن يكون الرّئيس منعزلًا كليًّا عن الأرض. نرفض أن يُفرَض علينا الرّئيس سواء من الخارج أو من الدّاخل”.