بدا بديهيا الا تمر #الموازنة من دون اعتراض، بإقرار سلس ومرن وعادي، مساء يوم مخيف وقف فيه #لبنان في اقرب نقطة من بلوغه حافة انفجار اجتماعي جدي وخطير اختصرته موجة غير مسبوقة من الاقتحامات المسلحة او الترهيبية لاكثر من تسعة فروع مصرفية بين بيروت والمناطق. والحال ان يوم الاقتحامات التي كادت تبدو بتعاقب “عملياتها” الواحدة تلو الأخرى وبسرعة و”فعالية” في تعميم حال الذعر على #المصارف، كأنها صنيعة خطة منظمة ومحكمة التخطيط والتنفيذ. هذا اليوم دفع ازمة المودعين في المصارف اللبنانية للمرة الأولى بهذا التوهج والخطورة الى واجهة الحدث الداخلي منذ انفجار الازمة المالية في لبنان قبل ثلاث سنوات. ومع ان ما يسمى جمعية المودعين لم تنكر للحظة انها تقف وراء هذه الاقتحامات، فان ذلك لم يسقط مخاوف أخرى من تفاعلات بالغة السلبية والخطورة لمسألة تعميم اسلوب الاقتحام بالقوة المسلحة او بالعنف سعيا الى تحصيل الحقوق بالودائع، لان هذه الحقوق قد تغدو بدورها عرضة لتفجير فصل اشد تفاقما في سياق هذه الازمة الكارثية. واذا كانت ردة الفعل الأولى للمصارف تمثلت في اقفال كل الفروع أيام الاثنين والثلثاء والأربعاء من الأسبوع المقبل، فان ذلك لا يعني سوى تفاقم الازمة ما دامت ازمة المودعين باتت محصورة بين المصارف والمودعين، فيما شكل سقوط الموازنة في #مجلس النواب النموذج الأكثر تعبيرا عن مآل التخبط والتفكك والعجز الكارثي عن إبتداع الحلول الأشد الحاحا لاخطر وجوه الازمة المالية. وسادت مخاوف على نطاق واسع من ان يفاقم غياب القضاء أيضا عن تحمل مسؤولياته في هذا الفصل المنذر بالفوضى بمزيد من التداعيات، فيما بدا واضحا ان هذا العامل لعب دورا سلبيا للغاية في ظواهر التفلت التي برزت بقوة مقلقة في يوم الاقتحامات بدليل ان من ابرز مقررات الاجتماع الأمني الطارئ الذي عقد في السرايا كان تحريك النيابة العامة بدءا من مطلع الأسبوع المقبل لمواجهة هذه الموجة .
ووسط هذه التطورات المقلقة أفادت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين ان اجتماعا فرنسيا – سعوديا – اميركيا سيعقد على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك حول لبنان، يشارك فيه كبار مسؤولي وزارات الخارجية للدول الثلاث المتابعين للملف اللبناني، وذلك لمناقشة الأوضاع في لبنان وضرورة اجراء الانتخابات الرئاسية. وقال مصدر ديبلوماسي غربي لـ”النهار” انه في حال لم يجر الانتخاب الرئاسي في موعده وبقي الرئيس ميشال عون في بعبدا ستعلن الدول المعنية بالملف اللبناني وفي طليعتها الولايات المتحدة موقفا سلبيا من هذا الاحتمال . ولم يستبعد المصدر ان يلتقي وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في نيويورك .
عاصفة الاقتحامات
ما يمكن وصفه بانفجار موجة الاقتحامات للمصارف بدأ مع اقتحام مودعين في اكثر من منطقة نحو تسعة فروع مصرفية مطالبين بأموالهم. ومنذ الصباح الباكر بدأت عمليات الدخول الى المصارف بالسلاح، الحقيقي او المزيّف. واقدم مودع على اقتحام “البنك اللبناني الفرنسي” – فرع المريجة وآخر اقتحم “بلوم بنك” – فرع الكونكورد ، كذلك تم إقتحام “البنك اللبناني الفرنسي” فرع الكفاءات، كما اقتحم مسلح بنك “لبنان والخليج” في الرملة البيضاء. وكان اقتحم صباحاً احد المودعين فرع “بنك لبنان والمهجر” في منطقة الطريق الجديدة – الملعب البلدي حيث شهدت المنطقة حضورا كثيفا للمواطنين دعماً للمودع وتم خلع البوابة الرئيسية للبنك دون الدخول اليه، كما وصل النائب اشرف ريفي ودخل الى المصرف محاولا التفاوض مع صاحب الوديعة لساعات طويلة. وفي وقت هددت فيه “جمعية المودعين” ان هذه العمليات ستستمر ما لم يسترجع الناس اموالهم، سادت حالة من الذعر في المصارف وفي صفوف موظفيها. وعلى الاثر، اصدرت جمعية مصارف لبنان بيانا أعلنت فيه انه “بعد الاعتداءات المتكررة (…) فإن مجلس الإدارة اتخذ قرارا بإقفال المصارف أيام 19 – 20 – 21 أيلول استنكارا وشجبا لما حصل وبغية اتخاذ التدابير التنظيمية اللازمة، على أن يعود مجلس الإدارة إلى الاجتماع في مطلع الأسبوع المقبل للنظر في شأن الخطوات التالية”. وشددت على “نبذ العنف بكل أشكاله، لأن العنف لم يكن ولن يكون هو الحل. الحل يكون بإقرار القوانين الكفيلة بمعالجة الأزمة في أسرع ما يمكن…”. وعقد اجتماع طارئ لمجلس الامن الداخلي المركزي بدعوة من وزير الداخلية بسام مولوي، بحث في الإجراءات الأمنية التي يمكن اتخاذها في ضوء الأحداث المستجدة على المصارف. وتوجه مولوي إلى المودعين قائلا “إنّ حقوقكم لا يمكن أن تستردوها بهذه الطريقة لأنّها تدهم النظام المصرفي وتؤدي إلى خسارة بقية المودعين حقوقهم”. اضاف: “هدفنا حماية البلد والمودعين ولا يجب أن يدفع أحدهم المودع للإضرار بالوضع الأمني في البلد وتشدّدنا بالإجراءات الأمنيّة هدفه ليس حماية المصارف بل حماية النظام اللبناني”. ولفت الى ان “هناك جهات تدفع الناس إلى تحركات ضدّ المصارف ولا يمكنني الإفصاح عن التفاصيل لسرية التحقيق ونتعامل بحكمة مع الموضوع”.
تطيير النصاب
وسط هذه الاجواء المشحونة واصل مجلس النواب بعد الظهر درس مشروع الموازنة ولكنه اخفق في تمرير التصديق عليها بعدما افقدت كتل المعارضة الجلسة النصاب في عز التصويت على اقسامها الامر الذي دفع برئيس مجلس النواب نبيه بري الى ارجاء الجلسة الى الاثنين في 26 أيلول وعزي الموعد المستبعد الى انتظار عودة رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي من سفره الى نيويورك .
وكان ميقاتي في رده على كلمات النواب قد شدد على ان “البلد بحاجة للانقاذ، وهذا لا يتحقق الا اذا عملنا معا وتعاونا بجلسات عامة آخذين في الاعتبار أمرين اساسيين: لا للشعبوية في هذا الموضوع لأن الوطنية تتغلب، ولا مجال للانكار، لأن الواقعية يجب أن تسود. لا يمكننا ان نعيش حالة انكار للواقع القائم ويقول كل واحد ما يريده، او ان يبقى الشارع يتحكم بالواقع. هناك رجال دولة ، وانت على رأسهم دولة الرئيس بري ، والمجلس النيابي الكريم، وسعادة النواب الكرام، وكلنا يجب ان نتصرف بروح التعاون ، لأن البلد بحاجة الينا”. وقال : “هل يعتقد احد أننا لا نشعر بما يحصل في الشارع؟هل تعتقد بأنني عندما أدخل الى السرايا الحكومية لا المس القلق في عيون الشرطي الذي يؤدي التحية، وحاجته الى شراء الدواء له ولأهله، والى دفع اقساط المدارس؟هذا الشرطي الذي لا يتجاوز راتبه 70 دولارا يقف بكل احترام ويقوم بواجبه، الا يستحق التحية . أعلم ان غالبية العائلات لديها مصاب بامراض مزمنة وسرطانية، وتبحث عن الدواء…نعلم جميعا كل الواقع الموجود في البلد واذا لم نتعاون جميعا ، فعلى من سنتكل؟ . البديل الوحيد عن التعاون بين الجميع لاقرار الموازنة هو “لا موازنة”، اي العودة الى الانفاق على القاعدة الاثنتي عشرية التي لا تلبي الانفاق المستجد. اي رفض لهذه الموازنة يعني عمليا العودة الى واردات على سعر صرف هو 1500 ليرة للدولار الواحد، مما يعني مزيدا من سرقة ايرادات الدولة… ان حكومتنا مسؤولة وانا مسؤول ، ولا اتهرب من المسؤولية ، ولا اقول” ما خلوني” او “التركة ثقيلة”.
ووافق المجلس على زيادة رواتب موظفي القطاع العام والعسكريين والمتقاعدين والمتعاقدين ثلاثة أضعاف، وذلك ضمن المساعدات الاجتماعية. ولكن الهرج والمرج سادا في المجلس على خلفية البدء بالتصويت على بنود الموازنة وسط اعتراض نواب “قوى التغيير” فرد رئيس المجلس نبيه بري منفعلا: “أنا مش بالشارع هون”. وبعد فقدان النصاب اعلن رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان، أننا “نحن من أفقد جلسة مناقشة الموازنة نصابها، وما يحصل خارج المجلس النيابي وداخله يُؤشر إلى أنّنا نعيش في عالمين مختلفين وعوض السعي لرد أموال المودعين يعملون على تهريبها”. واعلن انه “لا يحق للمجلس النيابي إدخال زيادات على الموازنة وحصلت مخالفات عدة داخل الجلسة والحل اليوم كان بفقدان النصاب في الجلسة ونأتي غداً ومستعدون للبقاء هنا إن أرادوا البحث في خطة شاملة”.
وانتقد عضو كتلة الوفاء للمقاومة علي فياض افقاد الجلسة النصاب وسأل : “ما المصلحة في إفقاد الجلسة النصاب، المشكلة الجوهرية علاجها بخطة التعافي، هل المطلوب الا تصدر أي موازنة بانتظار خطة التعافي؟ هل من المنطق أن يقبض موظفو القطاع العام مليون ومليوني ليرة في ظل هذه الظروف؟ لا أدافع عن الحكومة لكن السبب هو عدم السيطرة على سعر الصرف، وصلاحية الحكومة أن تتابع هذا الموضوع وليس المجلس النيابي”.