أربعة أيام فقط تفصل عن طي الشهر الأول من المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد، ولا تظهر أي مؤشرات جادة في المشهد الداخلي حيال امكان ضخ الاستحقاق بنبض او حيوية كافية لتوقع انعقاد الجلسات الانتخابية المطلوبة دستوريا ووطنيا و”مصيريا”. على أهمية الأصوات والمواقف المدوية التي تعاقب اطلاقها في اليومين الأخيرين عن مواقع ومراجع دينية وسياسية محذرة بنبرات استثنائية من خطورة الشغور الرئاسي، وعلى اهمية الترددات البارزة للبيان الثلاثي الأميركي الفرنسي السعودي، لا يزال الاستحقاق يتسم بمسار سلحفاتي بارد لا ينم عن توقعات متفائلة في الفترة القصيرة المتبقية من المهلة الدستورية. سيشاهد اللبنانيون اليوم، وبالاحرى القلة النادرة ممن يتوافر لديهم التيار الكهربائي، وقائع الجلسة النيابية المفترض ان تكون نهائية لاقرار الموازنة فيما سينطلق بعدها “تكتل النواب التغييريين” في الجولة الرقم 2 على الكتل النيابية حاملا هذه المرة تصورا من بضعة أسماء لمرشحين رئاسيين، علّ وعسى يمكن الانطلاق من هذه الجولة لاطلاق وتيرة تحريك “عملاني” للاستحقاق تدفع برئيس المجلس نبيه بري الى توجيه دعوته الأولى لعقد الجلسة الانتخابية وهو الذي يزمع، كما يتردد، توجيه دعوات عدة الى النواب قبل بلوغ المهلة الدستورية ايامها العشرة الأخيرة بحيث تبدأ فترة الانعقاد الحكمي للمجلس من دون دعوات من رئيسه. كما ان هذا الأسبوع الذي تتشابك فيه جملة “انتظارات” متصلة بالاستحقاقات يفترض ان يشهد “حسما” لدوامة “الملل” الكلامي عن الملف الحكومي في ظل عودة رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي من نيويورك وزيارته المرتقبة لقصر بعبدا باعتبارها زيارة الحسم الحكومي الموعود ما لم تكن دخلت منذ زيارة ميقاتي الأخيرة الى زيارته المرتقبة عوامل تعقيدات طارئة تحول دون تنفيذ الوعد بانهاء المأزق الحكومي كما بدأ يتصاعد بعض الهمس السياسي في اليومين الأخيرين .
إسرائيل والترسيم
ولا يقف أسبوع الانتظارات على المشهدين الرئاسي والحكومي ومشتقات الازمات المتعددة وصدمة الفصول والتداعيات المتلاحقة لفاجعة غرق المركب اللبناني الأخير، بل ان ملف #ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بات امام نهاياته شبه المثبتة بما يتسرب من معلومات عن تقدم مهمة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين.
وفي هذا السياق أفادت تقارير صحافية ان رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، عقد امس الأحد اجتماعاً أمنياً طارئاً مع سلفه نفتالي بينيت، ووزير الدفاع بيني غانتس، وبعض المسؤولين الأمنيين بشأن بحث ملف ترسيم الحدود البحرية مع لبنان. وأفادت هيئة البث الإسرائيلية، بأن لابيد أجرى اجتماعاً خاصاً مع بينيت وغانتس لبحث مدى التقدم في ملف المفاوضات الحالية مع لبنان بشأن ترسيم الحدود البحرية معها عبر الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين. ونقلت القناة الإسرائيلية الـ13 عن لابيد توقعه التوصل إلى اتفاق مع لبنان حول ترسيم الحدود من خلال الوسيط الأميركي، قريباً، ربما خلال الأسبوعين المقبلين.
وكان لابيد توعد في وقت سابق بعمليات سرية ضد “حزب الله”. وأكد في مقابلة مع الموقع الإلكتروني الإسرائيلي “وللا”، أن “بلاده تقوم بعمليات سرية ضد حزب الله، وأنه ليس هناك من داع لخوض الحرب في أعقاب تهديد جديد من الحزب اللبناني” مدعياً أن “هناك دائماً حلول وسط”. وأفاد بأن “من بين الحلول الوسطية لبلاده، الحرب بين الحروب، وأنه من بين تلك الحلول أيضاً العمليات السرية” مشيراً إلى أنه “في حال أضحى تهديد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله جدياً وحقيقياً، ولا يمكن احتوائه، فإن الجيش الإسرائيلي سيتعين عليه الرد، آنذاك”.
المفتي واللقاء السني
بالعودة الى المشهد الداخلي ترك الكلام المتقدم لمفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف #دريان في اللقاء النيابي السني في دار الفتوى السبت ترددات واسعة لدى معظم الأوساط لجهة الإشادة بنبرته الميثاقية والدستورية والاصلاحية في ان واحد بحيث تجاوز كلام المفتي بذاته باهميته الموقف الجامع للنواب .
وامام 24 نائبا سنيا من اصل 27 اجتمعوا في دار الفتوى، لفت المفتي دريان في كلمته “إلى الأَهَمِّيَّةِ الفَائقَةِ لِمَنْصِبِ رِئاسَةِ الجُمهُورِيَّةِ في لُبنانَ بِالذَّات، فَالرَّئيسُ المَسِيحِيّ، رَمزٌ وَوَاقِعٌ لِلعَيشِ المُشتَرَك، الذي يَقُومُ عليه النِّظَامُ الذي اصْطَلَحَ عَليهِ اللبنانيون. وَيَنظُرُ إليهِ العَرَبُ بِاعترافٍ وَتَقدِيرٍ لِلتَّجْرِبَةِ اللبنانية، لأنَّهُ الرَّئيسُ المَسِيحِيُّ الوَحِيد، في العَالَمِ العَرَبِيّ. إنّ رَئيِسِ الجُمهُورِيَّةِ في النِّظَامِ السِّيَاسِيِّ اللبنانِيّ، هو رَأْسُ المُؤَسَّسَاتِ الدُّسْتُورِيَّةِ القَائمَة. ولا يَنْتَظِمُ عَمَلُهَا وَلا يَتَوَازَنُ إلاّ بِحُضُورِه، مِنْ خِلالِ انْتِخَابِ مَجلِسِ النُّوَّابِ له. ولِضَرُورَاتِ انْتِخَابِ رَئيسٍ جَديد ، ينبغي الحِفاظُ في الفُرصَةِ الأَخِيرَةِ على وُجُودِ النِّظَامِ اللبنانِيّ ، وَسُمعَةِ لُبنانَ لَدَى العَرَبِ وَالدَّولِيِّين” محذرا من “اننا سَائرونَ بِسُرعَةٍ بِاتِّجَاهِ اللادَولَة؛ وَيُوشِكُ العَرَبُ وَالعَالَم ، أَنْ يَتَجَاهَلُوا وُجُودَ لبنان، بِسَبَبِ سُوءِ الإِدَارَةِ السِّيَاسِيَّةِ على كُلِّ المُستَوَيَات”. وحدد مجموعة مواصفات لرئيس جديدٍ “يُحافظُ على ثوابتِ الوَطَنِ والدَّولة” من ابرزها “الحِفَاظُ على ثَوَابِتِ الطَّائفِ وَالدُّستُور ، والعَيشِ المُشتَرَك ، وَشَرعِيَّاتِ لُبنانَ الوَطَنِيَّةِ وَالعَرَبِيَّةِ وَالدَّولِيَّة . وَلا يُمكِنُ التَّفرِيطُ بها مَهمَا اخْتَلَفَتِ الآرَاءُ وَالمَواقِفُ السِّيَاسِيَّة ، لأنَّهَا ضَمَانَةُ حِفظِ النِّظَامِ وَالاسْتِقرَارِ وَالكِيانِ الوطني.
الاتِّصَافُ بِصِفاتِ رَجلِ العَمَلِ العَامِّ الشَّخصِيَّةِ والسياسية ، لأنّ رَجُلَ العَمَلِ العَامِّ تَحكُمُهُ أخلاقُ المُهِمَّة، وأخلاقُ المسؤولية. الاتِّصافُ بِالحِكْمَةِ والمَسْؤوليةِ الوَطنيةِ والنَّزَاهَةِ ، وبالقدرةِ على أن يكونَ جَامعاً للبنانيين ، والانصرافُ الكُليُّ مَعَ السُّلُطاتِ الدُّستُورِيَّةِ والمُؤَسَّساتِ والمَرَافِقِ المُتاحَة ، لإخراجِ البِلادِ مِنْ أزَمَاتِها، وَمَنْعِهَا مِنَ الانهيارِ الكامِل. لا بُدَّ مِنْ رئيسٍ بِهذِهِ الصِّفَات. أو نَتَفَاجَأُ بِاختفاءِ النِّظَامِ ثُمَّ الدَّولة”.
اما البيان الذي صدر عن المجتمعين فتعهد عبره النواب “المُحافَظَةُ على سِيَادَةِ لبنانَ وَوَحدَتِهِ وَحُرِّيَّاتِه ، وعلى حُسنِ عَلاقَاتِه ، خُصوصاً مَعَ الأُسرَةِ العَرَبِيَّةِ التي يَنتَمِي إليها . والعملُ مَعَ زُملائهِمُ النُّوابِ الآخَرِين مِن كُلِّ الطَّوَائف ، ومِن كلِّ المَنَاطِق، لِرَدِّ الأَذَى عَنْ أيِّ عُضوٍ مِنْ أعضاءِ هذه الأُسرَةِ العَرَبِيَّة ، وعدمُ التَّدَخُّلِ فِي شُؤونِها الدَّاخِلِيَّة . والعَمَلُ مَعَ زُملائهِم أَعضَاءِ المَجلِسِ النِّيَابِيِّ على انتِخَابِ رَئيسٍ جَدِيدٍ لِلجُمْهُورِيَّة ، فِي المَوعِدِ الدُّسْتُورِيِّ المُحَدَّد ، يَكُونُ مِمَّنْ يَحتَرِمُونَ الدُّستُور ، وَيَلتَزِمُونَ القَسَمَ الدُّستُورِيّ ، وَفَاءً لِشَعبِ لبنانَ وَلِمَصَالِحِه العُليا” .
وبعد الاجتماع لبى المفتي دريان والنواب دعوة السفير السعودي وليد بخاري الى لقاء وعشاء في السفارة .
وفي ما بدا ملاقاة لمناخ ومواقف المفتي، جادت عظة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس #الراعي لتصب مجددا في الموقف نفسه من الاستحقاقات فتساءل “بأي راحة ضمير، ونحن في نهاية الشهرالأول من المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية، والمجلس النيابي لم يدع بعد إلى إي جلسة لانتخاب رئيس جديد، فيما العالم يشهد تطورات هامة وطلائع موازين قوى جديدة من شأنها أن تؤثر على المنطقة ولبنان؟”. وقال “صحيح أن التوافق الداخلي على رئيس فكرة حميدة، لكن الأولوية تبقى للآلية الديموقراطية واحترام المواعيد، إذ إن انتظار التوافق سيف ذو حدين، خصوصا أن معالم هذا التوافق لم تلح بعد. إن انتخاب الرئيس شرط حيوي لتبقى الجمهورية ولا تنزلق في واقع التفتت الذي ألم بدول محيطة… ولا تستقيم الدولة مع بقاء حكومة مستقيلة، ولا مع حكومة مرممة، ولا مع شغور رئاسي، لأن ذلك جريمة سياسية وطنية وكيانية. إن أي سعي لتعطيل الإستحقاق الرئاسي إنما يهدف إلى إسقاط الجمهورية من جهة، ومن جهة أخرى إقصاء الدور المسيحي، والماروني تحديدا عن السلطة من جهة أخرى، فيما نحن آباء هذه الجمهورية ورواد الشراكة الوطنية. لذا، إذا كان طبيعيا من الناحية الدستورية أن تملأ حكومة مكتملة الصلاحيات الشغور الرئاسي، فليس طبيعيا على الإطلاق ألا يحصل الاستحقاق الرئاسي، وألا تنتقل السلطة من رئيس إلى رئيس. وليس طبيعيا كذلك أن يمنع كل مرة انتخاب رئيس لكي تنتقل صلاحياته كل مرة إلى مجلس الوزراء. فهل أصبح الاستحقاق الرئاسي لزوم ما لا يلزم؟”.
نهاية الاضراب المصرفي
وسط هذه الأجواء أعلنت جمعية مصارف لبنان امس انهاء الاضراب المصرفي من اليوم . وقررت بعد اجتماعها امس “استئناف #المصارف مزاولة أعمالها ابتداء من الاثنين في 26/9/2022، عبر قنوات يحددها كل مصرف لعمليات المؤسسات التجارية والتعليمية والاستشفائية وسواها وعبر الصرافات الآلية للجميع، مما يسمح لهم بإجراء ايداعاتهم وسحوباتهم كما يسمح بتأمين رواتب القطاع العام إثر تحويلها إلى المصارف من مصرف لبنان ورواتب القطاع الخاص الموطنة لديها. ويمكن لأي زبون عند الاضطرار الاتصال بالادارة العامة للمصرف المعني أو بقسم خدمة الزبائن لديه لكي يتم تلبية أية حاجة ملحة اخرى له بالسرعة الممكنة”.