بدا من الصعوبة الكبيرة التكهن الاستباقي بمصير اتفاق الترسيم البحري بين #لبنان وإسرائيل في قابل الأيام والاسابيع، بعدما مني هذا الاتفاق الذي كان على مشارف الابرام بصدمة حادة مفاجئة وضعته في وضع معلق في افضل الأحوال ان لم يكن صار على مشارف الانهيار. وتبعا لتتابع التطورات المتسارعة التي سجلت في الساعات الأخيرة، بدا من البديهي طرح تساؤلات عاجلة املاها التدهور المفاجئ في الخطوات الايلة الى استكمال المسار التنفيذي لمشروع الاتفاق كما كان وضعه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين مقترنا بموافقة واضحة من كل من لبنان وإسرائيل. ابرز هذه التساؤلات تتصل بما اذا كانت الاعتبارات الانتخابية الضاغطة والساخنة جدا في إسرائيل، وقفت وراء رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد وفريقه الوزاري الملاحظات والتعديلات التي طلب لبنان إدخالها على الاتفاق لانه وجد نفسه محاصرا امام الضغط المتصاعد عليه انتخابيا وشعبيا من منافسه رئيس الوزراء سابقا وزعيم “ليكود” بنيامين نتنياهو. وفي المقابل ثمة تساؤل عما اذا كان الجانب اللبناني اثقل ملاحظاته وتعديلاته بما يمس جوهر الاتفاق الأساسي فذهب الرهان اللبناني على تحقيق انتصار كامل في تحصيل مطالبه في اتجاه هز الاتفاق وتهديده من الجهة الإسرائيلية. واما التساؤل الملح الثالث فهو يتصل بما اذا كان الوسيط الأميركي سيتمكن مجددا من منع انهيار اتفاق كان سيشكل اختراقا ديبلوماسيا كبيرا للولايات المتحدة، وهل يتمكن تاليا من منع تفاقم الأمور وتصاعدها نحو ملامح مواجهة عسكرية بدأت المخاوف منها حال اعلان إسرائيل رفضها التعديلات اللبنانية على مشروع الاتفاق.
في أي حال ، وفيما التزم لبنان الرسمي الصمت حيال الرفض الإسرائيلي للتعديلات والملاحظات التي طلب إدخالها على الاتفاق، بدا لافتا ان مسؤولا رفيع المستوى في البيت الأبيض في واشنطن سارع الى التأكيد ان “محادثات #ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان في مرحلة حرجة” ولكنه استدرك قائلا ان “الاتفاق البحري بين لبنان وإسرائيل تراجع لكن يمكن إنقاذه”.
ونقل موقع اكسيوس الاميركي عن ثلاثة مسؤولين إسرائيليين قولهم بأنّ “أهم تغيير في مسودة الاتفاق الذي طالب به لبنان يتعلق بالاعتراف بـ”خط العوامات” كحدود دولية”. ولفت المسؤولون الاسرائيليون إلى أنّ “إسرائيل قامت بتركيب خط العوامات العائمة الذي يبلغ طوله ثلاثة أميال، والذي يمتد من ساحل رأس الناقورة إلى البحر الأبيض المتوسط بعد انسحابها أحادي الجانب من لبنان في عام 2000، وكان الاعتراف بـ “خط العوامات” مصلحة أمنية رئيسية لإسرائيل ومطالبها في المحادثات، كما أشاروا إلى أنّ “تثبيت “خط العوامات” مهم للغاية لأسباب أمنية”. ونقل الموقع عن المسؤولين الإسرائيليين، أنّ الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين “أبلغ القادة اللبنانيين أن إسرائيل مستعدة للتنازل عن أشياء كثيرة، ولكن ليس موقع خط العوامات، الذي سيتحول إلى حدود دولية متفق عليها”.
وأفادت المعلومات ان لبنان شرع في اجراء اتصالاته مع الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين لمعرفة حقيقة الموقف الإسرائيلي من اتفاق ترسيم الحدود، بعدما نقلت مصادر اسرائيلية عن رئيس الوزارء يائير لابيد رفضه للمقترحات اللبنانية أو الملاحظات. وأشارت المعلومات الى ان لبنان لم يكن تبلغ جوابا رسمياً حتى مساء امس من الإسرائيليين عن طريق الاميركيين في انتظار ما سيتبلغه هوكشتاين لإبلاغه إلى لبنان.
ونقلت القناة 12 العبرية مساء ان “الكابينت” فوض لابيد وبينيت وغانتس بإدارة سيناريو تصعيد في الشمال حتى من دون اجتماع اخر للوزراء وأشارت الى ان اجتماع الكابينت استمر امس اربع ساعات .
لبنان ينتظر
ومساء أوضح مصدر لبناني معني بالتفاوض في شأن ترسيم الحدود البحرية لـ”النهار” انه “لن يكون للبنان أي موقف قبل تبلغه رسميا من الوسيط الأميركي الملاحظات الإسرائيلية وما اذا كان الرفض لبند محدد او اكثر وعندما نتبلغ نبني موقفنا وفي حال عدم تجاوب الوسيط واذا كان الامر مستبعدا كذلك سيكون لنا موقف”. بدوره “حزب الله” لم يعلن موقفا من التطورات، وهو، وفق ما علمت “النهار” ثابت على الوقوف وراء الدولة اللبنانية في ما تقرره.
وكان مسؤول إسرائيلي كبير قد كشف رفض تل أبيب تعديلات اقترحها لبنان على مشروع اتفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية من شأنه أن يسهل استثمار الموارد المحتملة من النفط والغاز في عرض البحر. وقال المسؤول إنّ إسرائيل “تلقت الرد اللبناني على اقتراح الوسطاء ورئيس الوزراء يائير لابيد اطلع على تفاصيل التغييرات الجوهرية التي يسعى لبنان إلى إجرائها وأصدر تعليماته إلى فريق التفاوض برفضها”. وبحسب المسؤول الإسرائيلي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، فإن “إسرائيل لن تتنازل عن مصالحها الأمنية والاقتصادية حتى إذا تسبب ذلك بعدم التوصل إلى اتفاق”.
وعلى الأثر اصدر وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس تعليمات للجيش “بالاستعداد لتصعيد أمني على الحدود مع لبنان” وفق ما افادت “سكاي نيوز عربية”. واشارت القناة 14 الإسرائيلية الى حالة خوف بين المستوطنين في الشمال بعد بيان غانتس الإيعاز للجيش بالاستعداد لاحتمال اندلاع تصعيد مع لبنان، وبأن رؤساء المجالس غاضبون من عدم تنسيقه معهم قبل إصدار البيان . وكان غانتس قد هدد لبنان في وقت سابق اليوم بالقول: “إذا استهدف حزب الله بنيتنا التحتية سيدفع مع لبنان ثمناً باهظاً”. وقال إنّ “اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان سيضر بمصالح إيران”. لكن مصادر اعلامية اسرائيلية اكدت ان لا تغيير في الوضع الامني على الحدود، والاعلان عن الجهوزية خدعة معيبة.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤولين بأنه أصبح من الصعب إبرام اتفاق ترسيم الحدود مع لبنان قبل الانتخابات الإسرائيلية.
في المقابل وفي معرض ايراد نشاط رئيس الجمهورية ميشال عون وعرضه مع وزير الدفاع امس للوضع الأمني وحاجات العسكريين، ولملاحظات لبنان على عرض هوكشتاين، التي تضمن حقه في التنقيب عن النفط والغاز افاد البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية بعد الاجتماع أنّ “هذه الملاحظات التي قدمها لبنان تضمن حقوق لبنان في التنقيب عن النفط والغاز في الحقول المحددة في المنطقة الاقتصادية الخالصة، كما ان هذه الملاحظات تمنع أي تفسيرات لا تنطبق على الإطار الذي حدده لبنان لعملية الترسيم وخلال المفاوضات التي استمرت أشهراً”.
المشهد الرئاسي
اما في المشهد الداخلي فتحرّكت الامور على الضفة الرئاسية عبر توجيه رئيس مجلس النواب نبيه بري دعوة الى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية الخميس 13 تشرين الأول في الحادية عشرة قبل الظهر. وقد اثار تحديد بري لهذا الموعد انتقادات من رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل فاعتبر ان هذه الدعوة “تحمل استهتارا بمشاعر الناس” مشيرا بذلك الى تزامن الدعوة مع ذكرى عملية 13 تشرين الأول 1990 التي اجتاحت فيها القوات السورية قصر بعبدا يوم كان العماد ميشال عون رئيسا للحكومة العسكرية آنذاك والتي يحييها “التيار” كل سنة .
ولعل التطور الذي برز في هذا السياق تمثل في ما أكده مصدر فرنسي لـ”النهار” من ان وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا ستقوم بأول زيارة لها للبنان في الرابع عشر من تشرين الأول الحالي أي غداة الجلسة الانتخابية الثانية. وسيشكل موقف فرنسا الضاغط من انجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده واستعجال اجراء الإصلاحات محور هذه الزيارة التي مهدت لها زيارة مديرة دائرة الشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية آن غيغين في زيارتها قبل أيام لبيروت .
وفي مسعى عربي للدفع نحو اجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها بدأ امس الامين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي ووفد من الجامعة جولة على المسؤولين والزعامات السياسية شملت في يومها الأول رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب باسيل ورئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميّل ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط .
ميقاتي في بكركي
الى ذلك التقى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي امس في بكركي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وكان الاستحقاق الحكومي والاستحقاق الرئاسي محور اللقاء. واعلن ميقاتي ان “الحديث تركز على التحديات التي نمر بها، وشرحت لغبطته اولا الامر المهم الذي هو على مشارف الانجاز، والمتعلق بترسيم الحدود البحرية. وقد استفسر صاحب الغبطة عن بعض تفاصيل هذا الاتفاق فقلت له انه مع اهمية هذا الاتفاق استراتيجيا، ولكن اليوم انا شخصيا مسرور لامرين هما اننا نتفادى حربا اكيدة في المنطقة، وثانيا، وهذا الاهم، انه عندما نتوحد ويكون قرارنا واحدا نستطيع الوصول الى ما نريده جميعا. وحدة الصف ضرورية في هذا الظرف بالذات، ويجب ان تكون حاضرة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، بغض النظر عن الشخص وعن اراء كل فريق، ويجب ان نعمل بجدية كاملة لانتخاب رئيس جمهورية في هذا الظرف”. اضاف: “تطرقنا ايضا الى ملف تشكيل الحكومة واكدت لصاحب الغبطة انني شخصيا آخر شخص يتحدث عن الطائفية وانني مؤمن بلبنان ووحدته وبناء الدولة. وبجب ان نتفادى الحديث اليوم عن اي امور تؤدي الى مزيد من الشرذمة، وعلينا التحدث بما يقرَب بين جميع اللبنانيين ولا يبعدهم عن بعضهم البعض”.