اطل الأسبوع الجديد على اشتداد أجواء التشاؤم في شأن الاستحقاقين الرئاسي والحكومي قبل عشرين يوما من نفاد المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية المقبل عقب نهاية ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الأول الحالي، فيما عادت لتتسع افاق التفاؤل الحذر بملف #ترسيم الحدود البحرية بين #لبنان وإسرائيل. وبدا الحذر الشديد المقترن بالشكوك سيد الموقف فيما يفترض ان يكون لبنان تبلغ او في طريقه الى تبلغ الصيغة النهائية لاتفاق الترسيم بعد المعالجة القيصرية الصعبة التي دأب عليها في الأيام الثلاثة الأخيرة الوسيط الأميركي في ملف الترسيم البحري آموس هوكشتاين خصوصا لجهة إعادة الصياغة وإيجاد التسويات والصياغات القانونية للملاحظات والتعديلات التي طرحها الجانبان اللبناني والإسرائيلي والتي تسببت بواقع اهتزت معه احتمالات ابرام الاتفاق قبل نهاية الشهر الحالي. وإذا كانت تجربة الضخ التجريبي “المعاكس”للغاز التي بدأتها إسرائيل من البر الى منصة كاريش قد مرت بسلام حتى البارحة، بعدما اعلم لبنان مسبقا بطبيعة هذه التجربة، فان ذلك يظهر اقله وفق ظاهر المعطيات ان ثمة اتجاهات لترك الفرصة الأخيرة التي تقدمها النسخة الأخيرة للاتفاق كما وضعها هوكشتاين تأخذ كامل مداها، علما ان الأوساط اللبنانية المعنية بالاتصالات اللبنانية – الأميركية حول الملف بدت متفائلة بان تحمل الساعات المقبلة بشائر إيجابية لجهة انجاز اللمسات الأخيرة على اتفاق الترسيم بما ينزع ورقة اسقاط الاتفاق في اخر اللحظات الحرجة من معترك التوظيف الانتخابي الصاخب في إسرائيل. اما من الجانب اللبناني، فان هذه الأوساط تؤكد بانه لن يكون هناك ازمة او مشكلة اذا تطابقت النسخة النهائية مع الأسس والتعديلات التي طلبها لبنان وتوافق عليها الرؤساء الثلاثة، فيما ينتظر ان يكرر الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في كلمته اليوم وقوف “المقاومة خلف الدولة” في الموقف من الصيغة النهائية مع التشديد على الموقف المحذر لإسرائيل من محاولة استخراج الغاز من جانب واحد.
وقد افاد موقع “والاه” الإسرائيلي مساء امس نقلا عن مسؤول إسرائيلي ان هوكشتاين قدم للبنان وإسرائيل “نسخة نهائية” من اتفاق ترسيم الحدود البحرية. ولكن الجهات المعنية في لبنان قالت انها لم تكن تسلمت النسخة بعد. كما نقل عن مصدر أميركي ان هوكشتاين يواصل مشاركته القوية لانهاء مفاوضات الترسيم وان الفجوات ضاقت ومن الممكن التوصل الى تسوية دائمة. ولكن المعلومات التي تناقلها الاعلام الإسرائيلي ليلا حملت تاكيدات بتسلم النسخة النهائية كما ان “التلفزيون العربي” بث ليلا نقلا عن مصادر انه من المتوقع توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في العشرين من تشرين الأول في مقر قيادة اليونيفيل في الناقورة .
ولعل اللافت في معاينة المواقف الخارجية من الواقع اللبناني في هذه الفترة ان الاهتمامات الدولية بدأت تضع ملفات الترسيم والاستحقاق الرئاسي والملف الحكومي في سلة أولويات متزامنة بل متزاحمة. وفي هذا السياق يستعد لبنان الخميس المقبل لاستقبال وزيرة الخارجية الفرنسية التي ستشكل زيارتها محطة بارزة لكونها ستاتي قبيل أسبوعين تقريبا من نهاية المهلة الدستورية وهي ستحمل موقفا ملحا ومتشددا لجهة ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية ضمن الموعد الدستوري مع تحذير من تداعيات فراغ لم يعد لبنان قادرا على تحمل تبعاته وتداعياته وهو على هذه الحال من الانهيار.
واشنطن ولبنان
وامس صدر موقف أميركي بارز ومزدوج من الاستحقاق الرئاسي والترسيم البحري اذ اكد متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أنّ “الولايات المتحدة تدعو إلى انتخابات رئاسية في لبنان حرة ونزيهة، وفي موعدها، بحسب الدستور اللبناني”.وأضاف في رسالة مكتوبة: “نريد حكومة في لبنان قادرة على إعادة ثقة شعبها وملتزمة بتحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية ضرورية لإحداث تغيير والترويج لحكم رشيد ينقذ الاقتصاد”.
وعن مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، قال المسؤول الأميركي إن “الموفد الرئاسي الخاص آموس هوكشتاين على اتصال مع كل الأطراف ويعمل على حل الخلافات العالقة فيما المفاوضات في فصولها الأخيرة”. وشدد على “أننا ملتزمون بالتوصل إلى حل ونعتقد أن اتفاقاً مستديماً أمر ممكن وبمتناول اليد”.
في غضون ذلك بدا رئيس الجمهورية ميشال عون متفائلا بنتائج الاتصالات والجهود الأخيرة حيال الترسيم فقال امس امام زواره أنه “يأمل في انجاز كل الترتيبات المتعلقة بترسيم الحدود البحرية الجنوبية خلال الأيام القليلة المقبلة بعدما قطعت المفاوضات غير المباشرة التي يتولاها الوسيط الأميركي اموس هوكشتاين شوطا متقدما، وتقلصت الفجوات التي تم التفاوض في شأنها خلال الأسبوع الماضي”. واعتبر ان “الوصول الى اتفاق على ترسيم الحدود البحرية الجنوبية يعني انطلاق عملية التنقيب عن النفط والغاز في الحقول اللبنانية الواقعة ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة، الامر الذي سوف يحقق بداية دفع جديد لعملية النهوض الاقتصادي”.
ومعلوم ان عون كان تلقى بعد ظهر الاحد الماضي اتصالا هاتفيا من الوسيط الأميركي اطلعه خلاله على نتائج الجولات الأخيرة للاتصالات مع الجانب اللبناني من جهة والجانب الإسرائيلي من جهة أخرى، والتي تم خلالها درس الملاحظات المقدمة من الطرفين. وافادت بعبدا ان هوكشتاين أوضح ان جولات النقاشﹸختمت وتم تحديد الملاحظات التي سيرسلها خلال الساعات القليلة المقبلة في نسخة تتضمن الصيغة النهائية للاقتراح المتعلق بترسيم الحدود البحرية الجنوبية.
في غضون ذلك بدأت شركة “إينرجيان” للطاقة ومقرها لندن إجراء اختبار للأنابيب بين الأراضي الاسرائيلية وحقل كاريش البحري للغازوقال مصدر لبناني مطلع على المفاوضات أن الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين أبلغ السلطات اللبنانية بأن ما يجري هو “اختبار عكسي” .
الاستحقاقان…
اما في مجريات المشهد الرئاسي والحكومي، فان الانسداد المزدوج يطبع مجمل المشهد ويضع البلاد امام عد تنازلي لترجيح احتمال الفراغين على كل الاحتمالات. ويبدو في حكم المؤكد ان الجلسة الانتخابية الثانية الخميس المقبل ستستعيد الصورة نفسها لنتائج الجلسة الأولى مع فارق محتمل بان يتزايد عدد النواب المؤيدين للنائب ميشال معوض، ولكن من دون القدرة على انتخابه في مقابل “الكتلة البيضاء” للفريق الاخر، ومقاطعة نواب “التيار الوطني الحر”. كما ان تكتل النواب التغييريين لم يقرر بعد اسم المرشح البديل الذي سيصوت له من بين ثلاثة هم زياد بارود وناصيف حتي وصلاح حنين . ومن المقرر ان يقوم وفد من “التيار الوطني الحر” اليوم بزيارتين لقصر بعبدا وبكركي في اطار التصور الذي اعلنه رئيس “التيار” النائب جبران باسيل حيال الاستحقاق الرئاسي. واكد باسيل امس عدم مشاركة كتلة التيار في جلسة الانتخاب يوم الخميس معتبرا ان “هناك استهتارا بالشهداء والذكرى الوطنية “.
وبدا لافتا امس ان يتعمد نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم اظهار الحاح الحزب على خيار تشكيل حكومة تتقدم الاستحقاق الرئاسي، اذ كتب على حسابه عبر “تويتر” : “موقفنا كحزب الله أنْ تتألف الحكومة قبل إنتخابات #رئاسة الجمهورية حتى لو بقيت أيام معدودة”. وأضاف :”الآن أصبح هذا الاهتمام بالنسبة لنا أكثر لأنَّ المهمة الأولى لهذه الحكومة أن تنقذَ لبنان من التخبط السياسي الذي يمكن أن يقع عندما يأتي وقت الاستحقاق الرئاسي”. وتزامن موقف قاسم مع معطيات تؤكد بلوغ جهود الحزب بين بعبدا والسرايا الانسداد التام .
في المقابل ابرز الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب القوات اللبنانية تمسكهما بترشيح النائب ميشال معوض عشية الجلسة الثانية لانتخاب رئيس الجمهورية المقررة الخميس. والتقى رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع في معراب، عضو كتلة “اللقاء الديموقراطي” النائب وائل بو فاعور في حضور النائب ملحم الرياشي وأشار بو فاعور إلى “إن القوّات وحزب الكتائب اللبنانيّة، وكتلة التجدد ونحن، دعمنا ترشيح النائب ميشال معوّض وهو بالنسبة لنا يستوفي الشروط الوطنيّة والسياديّة لكي يكون رئيساً للجمهوريّة، فنحن قلنا ما لدينا ولكن ماذا عن باقي الكتل؟ فقد آن الأوان بالنسبة لهذه الكتل أن تقدّم مرشحيها بعيداً من بعض طرق التصويت التعبيري بعدم ترشيح أشخاص معنيين لأنه إذا ما كان المطلوب في نهاية المطاف الوصول إلى رئيس جامع يجمع عليه كل اللبنانيين، رئيساً لا يشكّل تحدياً لأحد فأعتقد أنه بات على الكتل الأخرى أن تتصرف في هذا الاستحقاق بشكل واضح وتقدّم مرشحيها لكي نبحث في إمكانيّة الوصول إلى صيغة وفاقيّة، وعكس ذلك نحن نضيع مزيداً من الوقت على اللبنانيّين في المزيد من المعاناة المعيشيّة الاقتصادية.”.