IMLebanon

النهار: الانهيار يسلّم الفراغ… انتهت ولاية عون

 

بعد ست سنوات مثقلة بكم هائل من الازمات التي توجّها انهيار غير مسبوق في تاريخ #لبنان سلما وحربا، انتهت ولاية الرئيس الثالث عشر للجمهورية #ميشال عون واقعيا منذ البارحة على ان تتثبت هذه النهاية دستوريا ورسميا منتصف ليل هذا اليوم. وإذ انتقل عون بعد ظهر امس الى دارته الجديدة في الرابية إيذانا بنهاية الولاية وبداية مرحلة قيادته المتجددة لتياره، ولو من موقع المؤسس والرمز “والمرشد”، فانه ابى الاعتراف بالتقاعد السياسي عبر طريقته التقليدية ولو اقترب من سن التسعين فاطلق من بعبدا، لحظة مخاطبته الجمهور العوني المحتشد لوداعه في باحات القصر وابلاً من المواقف التصعيدية خلط فيها صفة ما يعتبره دستوريا بالصفة السياسية ماضيا في تصعيد بلا افق لتصفية الحسابات مع شركائه في السلطة تحت الشعار المعروف “ما خلونا” وهم السارقون الفاسدون ونحن الاخيار المصلحون.

 

لم يكن مضمون خطاب عون امام حشد مناصريه جديدا، اذ كرر كل ما ساقه في المقابلات الإعلامية الكثيفة التي اجراها في اخر أيامه في القصر الجمهوري. لكن المفاجأة انه خطب كرئيس لـ”التيار الوطني الحر” وليس كرئيس مغادر تحت وطأة تبعة هائلة يتحملها عهده تاريخيا، ولو لم يكن مسؤولا عنها وحده هي تبعة الانهيار. بدا واضحا بذلك ان “الوداع الشعبي” في “بيت الشعب” اريد من خلاله حجب الاثقال التي يخرج بها العهد من سنوات الانهيار بعدما وصم عهده بانه عهد الانهيار. ومع ان للانهيار أسبابه الكثيرة التي لا يمكن القاء مجمل تبعاتها على العهد فان سياسات الانكار التي مضى فيها عون وفريقه السياسي عبر رمي كل التبعات في مرمى بعض الشركاء والخصوم السياسيين والتنصل من كل تبعة ارخت عليه مزيدا من المسؤولية. لذا اتسمت الساعات الأخيرة من ولاية عون بانزلاقه مجددا الى محاولات احداث اضطراب سياسي واسع على خلفية اشعال خلاف دستوري لنزع الشرعية والميثاقية عن حكومة تصريف الاعمال ودفع مجلس النواب الى سحب تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة او تاليف حكومة جديدة في ساعات قليلة ! وفي الوقت الذي لم يشكل اصدار عون مرسوم قبول استقالة الحكومة مفاجأة لاحد، فان الجديد الذي وفره للحظة الخروج “المتوهج” تمثل في بعثه بالرسالة الأخيرة لمجلس النواب قبل ساعات قليلة من مغادرته قصر بعبدا في محاولة واضحة لتوريطه في لحظات النزاع الأخير مع ميقاتي وحشره في زاوية اتخاذ موقف اما بتبني مطلب عون نزع التكليف من ميقاتي، واما اجتراح معجزة تشكيل حكومة في الساعات الفاصلة عن منتصف الليل المقبل. وزاد المشهد تازما وتعقيدا ان ميقاتي سارع الى الرد برسالة مضادة الى رئيس مجلس النواب مشددا فيها على عدم دستورية مرسوم قبول الاستقالة، ومؤكدا استمرار الحكومة في تصريف الاعمال. بات بذلك مجلس النواب امام واقع شديد التعقيد في تشابك وتزامن الأولويات التي تمنع احدها بت الأخرى. فالمجلس هو راهنا هيئة ناخبة لرئيس الجمهورية منذ بداية الأيام العشرة الأخيرة من المهلة الدستورية بما قد يحول دون درسه وتفرغه لاي امر اخر قبل انتخاب الرئيس الجديد. واذا كان المجلس هو المؤسسة المعنية بتفسير القوانين وجرى احتكام رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الاعمال اليه في حالة عاجلة ملحة، فانه سيتعين على رئاسة المجلس ان تبت الامر بسرعة. وقد علم ان بري قرر ليلا دعوة المجلس الى جلسة الخميس المقبل لتلاوة رسالة عون وتقرير الموقف منها. ويشار في هذا السياق الى ان الغالبية الكبيرة من الأوساط النيابية والحقوقية المختصة تجزم بان مرسوم قبول الاستقالة هو اجراء سياسي وليس دستوريا وان الساعات المقبلة سترسم السيناريو الواضح لبقاء حالة تصريف الاعمال بعدما تتخذ كل القوى المشاركة في الحكومة مواقفها من هذا النزاع .

 

باريس: تصريف اعمال

أولى الأصداء الخارجية لمغادرة عون جاءت من باريس حيث نقلت مراسلة “النهار” رندة تقي الدين عن مسؤول فرنسي رفيع ومتابع للأزمة اللبنانية تعليقه لـ”النهار” بقوله ان الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي هي حكومة تصريف اعمال، وانه “يتعين عليها بإلحاح ان تجري الاصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي والتي وحدها تخرج لبنان من ازمته الكارثية. كما ان على لبنان والمجلس النيابي الاسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فالانتخاب الرئاسي ضروري كما ان الاصلاحات ضرورية، وهو ما تركز عليه الرئاسة الفرنسية بالنسبة الى لبنان”.

 

وكان عون خاطب أنصاره المحتشدين في قصر بعبدا قبيل انتقاله الى الرابية قائلا “وجّهت اليوم صباحاً رسالة الى مجلس النواب بحسب صلاحياتي الدستورية ووقّعت مرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة. إن اليوم نهايةُ مهمّة، وليس نهاية عمل ووداع. اليوم اللقاء الكبير، وقد عدنا من الحجر الى البشر”. واعتبر “إن البلد مسروق بخزينته وبمصرفه المركزي، ومن جيوب المواطنين. واصبح لدينا دولة مهترئة بمؤسساتها ومن دون قيمة، لأن المنظومة الحاكمة استعملتها، والقضاء معطّل لا يحصّل حقوق الناس”. وتساءل: “ماذا نقول إذا كانت كل الجرائم المالية قد ارتكبها حاكم المصرف المركزي ولم نتمكن من ايصاله الى المحكمة؟ فمن يحميه؟ ومن هو شريكه؟ جميعهم في المنظومة الحاكمة منذ 32 عاما اوصلونا الى هذا الحال”.

ودعا عون في الرسالة التي بعث بها الى مجلس النواب الى ان “يبادر المجلس الى نزع التكليف عن الحكومة، في ما هو من أعطاه اياه، كي يصار فورا الى تكليف سواه واصدار مراسيم التشكيل فور ذلك تجنبا للفراغ”. وجاء الرد من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي برسالة لرئيس المجلس اكد فيها أن “الحكومة ستتابع القيام بواجباتها الدستورية كافة ومن بينها تصريف الاعمال وفق نصوص الدستور والانظمة التي ترعى عملها وكيفية اتخاذ قراراتها والمنصوص عنها في الدستور وفي المرسوم رقم 2552 تاريخ 1/8/1992 وتعديلاته ( تنظيم اعمال مجلس الوزراء)ما لم يكن لمجلس النواب رأي مخالف” واعتبر “ان المرسوم الذي قبل استقالة الحكومة، المستقيلة اصلا بمقتضى احكام الدستور، يفتقر الى اي قيمة دستورية” .

 

ميقاتي والوزراء

وفي هذا السياق اكد الرئيس ميقاتي لـ”النهار” أن “المرحلة المقبلة ستكون قائمة على تصريف الأعمال للاهتمام بتسيير أمور الدولة وشؤون المواطنين”، لافتاً إلى أن “الحلّ الأول والأخير يتمثل في الوصول إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية سريعاً”. وردّاً على سؤال حول مقاطعة بعض الوزراء للأعمال الحكومية، قال ميقاتي “إنني واثق بأنّ أيّاً من الوزراء لن يتقاعس عن القيام بواجباته الوطنية أو الحضور إذا استلزم الأمر. وأنا أعرف كلّ الوزراء وكنت اختبرتهم حكومياً وعلى ثقة بحسّهم الوطني”. وعن المسائل الطارئة والملحّة التي ستتولى حكومة تصريف الأعمال التركيز على معالجتها في المرحلة المقبلة، قال ان “هناك مواضيع عدّة آنية بدءاً من الكهرباء والمساهمة في تحسين التغذية، وصولاً إلى ضرورة إقرار مشاريع القوانين الإصلاحية في مجلس النواب التي يؤكد عليها صندوق النقد الدولي، مع الإضاءة على أهمية التشريع وحضور جلسات المجلس النيابي”.

 

ووصف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط المرسوم الذي أصدره عون بانه سياسي وليس دستوريا وقال “الرئيس عون هددنا بفوضى دستورية وعون يفسر الدستور على مزاجه وهذا يؤدي الى مزيد من الارباك واكد ان رد ميقاتي كان في محله .

 

وفي جانب اخر متوهج من المشهد تواصلت فصول الانفجار السياسي الإعلامي العنيف بين عون والنائب جبران باسيل من جهة وحركة “امل” من جهة أخرى . وقد واصلت محطة “ان بي ان” امس هجماتها الحادة على عون وجاء في مقدمة نشرتها الاخبارية بمناسبة مغادرة عون للقصر الجمهوري: “اليوم تجزى كل نفس بما كسبت، ويجزى كل عهد بما أنجز، عهد مفلس يأفل، ولا يملك في رصيده سوى الكذب على الناس، وزجلية “ما خلونا” تشهد معطوفة على نغمة جديدة إسمها النضال لإصلاح ما خربه العهد نفسه، عهد مازال ولّاد أزمات حتى آخر دقيقة في بعبدا ووهم مرسوم استقالة الحكومة الفاقد للقيمة الدستورية يؤكِّد، عهد لا يريد للناس حتى بعد إنتهاء صلاحيته أن تتنفس، أن ترى ضوء الشمس أو بصيص أمل الا من خلال خُرمِ إبرة تنفيذ الأجندات الخاصة لصغير الورثة في العائلة وكبير الكسبة في الصفقات”. وأضافت “المفارقة اليوم أن هناك إجماعاً وطنياً على الفرح بإنتهاء عهد الذل، هناك من أضاء شمعة، من صلى ركعتي شكر، من كسر جرة، من وزع الحلوى، فيما العهد والحاشية يحتفلان، في محاولة لإستعادة شعبية مفقودة ولو على حساب إستنزاف موقع الرئاسة حتى الريق الأخير “يلي نشف” … وللتاريخ نقول لفخامة الرئيس، للأسف معك حق: ليتك ورثت بستان جدك وما عملت رئيس جمهورية لأنك حولت الجمهورية الى مزرعة والأنكى أنك تريد توريثها على خرابها”.

 

الراعي

ووسط هذه الأجواء المحتدمة اتخذ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي موقفا مرنا من تقويم عهد عون اذ اعتبر انه “لم يكن سهلا، بل محفوفا بالأخطار والظروف الصعبة. فكان لبنان وسط محاور المنطقة وصراعاتها، وعرف أسوأ أزمة وجودية في تاريخه الحديث، انعكست عليه وعلى الشعب اللبناني اقتصاديا وماليا واجتماعيا؛ وما زال في دائرة الخطر على كيانه ونظامه الدستوري”. وناشد الراعي النواب “القيام سريعا بواجبهم وانتخاب رئيس جديد، لأن الشغور الرئاسي ليس وكأنه قدر في لبنان، بل هو مؤامرة عليه بما يشكل في هذا الشرق من خصوصية حضارية يسعى البعض إلى نقضها. والدولة بلا رئيس كجسم بلا رأس. والجسم لا يحتمل أكثر من رأس”. وشدد على اجراء الإنتخاب “لا بالإتفاق المسبق على الإسم، لأنه غير ممكن، بل بجلسات الإقتراع المتتالية والمصحوبة بالتشاور وبالمحافظة الدائمة على النصاب”.