قد تكون الدلالات التي ابرزتها مواقف “ثقيلة” وعالية السقوف مثل بيان مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك امس، المؤشر الجديد الى اتساع وتعمق المخاوف من إطالة امد الفراغ الرئاسي، في ظل ما بات يتردد على السنة معظم العارفين والمطلعين والمعنيين السياسيين والديبلوماسيين من ان مؤشرات مقلقة تستبعد ان تصح رهانات الكثيرين على فراغ قصير المدى. ذلك ان الكواليس الديبلوماسية الأجنبية في بيروت تضخ معطيات تصاعدية في التعبير عن القلق من تداعيات الفراغ الذي صار ثمة اقتناع واسع لدى البعثات الديبلوماسية من انه سيتمدد الى اشهر عدة على الأقل، ولو انه يصعب حصر السيناريو الزمني لهذه الحقبة بمدة تقريبية محددة. وما يسبغ مزيداً من الاهمية حيال هذه الخلاصات انها تشكل مؤشرات ضمنية الى دعوة الافرقاء ال#لبنانيين الى عدم انتظار أي تدخلات او وساطات او تحركات خارجية، ولو من موقع الصداقات والرعايات المدفوعة بالحرص على لبنان، بحيث تكون ذات تأثير مباشر وسريع على فتح الطريق لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان نظرا الى تبدلات استراتيجية كبيرة المّت بالواقع الدولي بما يعني صراحة ان استحقاقات لبنان ليست أولوية في اجندات الدول الى درجة الحلول مكان القوى اللبنانية في ما يتوجب عليها القيام به وتحمل مسؤوليته لمنع تمدد الفراغ الذي تتحمل جميعا تبعات حصوله.
واما في المشهد الداخلي، فان الجمود بدا سيد الساحة والخواء السياسي ولو ان الساعات الأخيرة شهدت اطلاق مواقف بارزة حيال الاستحقاق الرئاسي ان من جهة الكنيسة او من جهة “حزب الله” الذي سجلت مقاربة امينه العام السيد حسن #نصرالله امس، في ذكرى “يوم الشهيد” ، تطورا لافتا عبر اطلاق اكثر المقاربات افصاحا عن المرشح الذي يطمح اليه الحزب. ويبدو ان الحملة التي شرع فيها عدد من نواب المعارضة في الجلسة الانتخابية الخامسة، اول من امس، لمجلس النواب حول موضوع نصاب الجلسات التي تلي الدورة الأولى لن تستكين عند حدود “الردع” والتهميش اللذين مارسهما رئيس مجلس النواب نبيه بري في حق النواب المعترضين على اعتماد دائم ومتواصل لنصاب الثلثين، اذ ان اتصالات ومشاورات تدور بين نواب المعارضة بمعظم كتلها ومستقليها لجعل هذه الحملة تتسع وتتصاعد خصوصا بعدما اثبتت زيادة الأصوات للمرشح النائب ميشال معوض ان الطريق الى مراكمة النصف زائد واحد لمصلحته باتت اقرب من أي وقت سابق.
الكنيسة : الرئيس والحوار
وسط هذه المناخات برز البيان العالي السقف لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان امس مطالبا بالاسراع في الانتخاب والاهم معلنا بدء التحضير لالية للحوار الداخلي . واعتبر المجلس أن “لا أولوية تعلو على أولوية انتخاب رئيس للجمهورية. لذا يدعو أعضاء المجلس السادة النواب ممثلي الشعب، إلى القيام الفوري بانتخاب رئيس للجمهورية، إذ بدونه لا حماية للدستور ولا إشراف على انتظام عمل مؤسسات الدولة، ولا فصل للسلطات، ولا خروج من الشلل السياسي والاقتصادي والمالي، وكل التبعة تقع على نواب الأمّة وكتلهم. الدولة من دون رئيس تقع في الشلل الكامل”. واعلن ان “عملية تنقية الذاكرة، التي كان من المفترض أن تحصل بين اللبنانيين بعد اتفاق الطائف لتضع حدًّا نهائيًا للحرب، لم تحصل لأن المسؤولين عنها لم يستشعروا الحاجة إلى مراجعات ذاتية نقدية ترقى إلى فحص ضمير ومحاسبة وتوبة وطلب معذرة للوصول إلى حوار حقيقي وإلى مصالحة، باتت اليوم ضرورة ملحّة لأن لبنان يمرّ في أخطر مرحلة من تاريخه السياسي والاجتماعي والاقتصادي والمالي… إن تنقية الذاكرة والضمائر هي الشرط الذي من دونه لا مكان لإجراء حوار صريح وبنّاء بين المسيحيين والمسلمين، من جهة، وبين الأحزاب والكتل النيابية، من جهة أخرى، لكي تسلم المؤسسات الدستورية وحقيقة العيش المشترك المنظم بنصوص الدستور” واعلن انه” من أجل ضمان نجاح عملية تنقية الذاكرة، وهي مسيرة طويلة الأمد، والوصول الى الحوار الحقيقي فإلى المصالحة الشاملة وبناء حضارة المحبة والسلام، يعمل المجلس على وضع خطة عمل تقضي بتعيين “لجنة حقيقة ومصالحة” تضمّ حكماء وتعمل على التواصل مع جميع الأطراف اللبنانيين، دينيين وسياسيين ومدنيين، لتهيئة الأجواء تمهيدًا للدعوة إلى الحوار”.
نصرالله .. و”مرشح المقاومة”
اما الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله فاثار امس للمرة الأولى بوضوح “نموذج” الرئيس الذي يسعى الحزب الى انتخابه اذ طرح بوضوح “نموذجي” الرئيسين السابقين اميل لحود وميشال عون بما يوحي مبدئيا تزكية لترشيح الحزب لرئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، ولكنه ارفق هذه المقاربة بلفتة ذات ابعاد اعتبرت رئاسية ايضا ولم تخف على المراقبين عندما أشاد بقيادة الجيش وضباطه بما أوحى على الأقل بقابلية الحزب للتوافق حول اسم قائد الجيش العماد جوزف عون .
وقال نصرالله في خطابه لمناسبة “يوم الشهيد”: “اننا ننظر إلى ملف #رئاسة الجمهورية اللبنانية بأهمية عالية. فالفراغ ليس هدف أحد بالنسبة لحزب الله والافرقاء الأخرين ونريد رئيسا بأقرب وقت وهذا الملف يعني كل اللبنانيين وليس الموارنة فقط. ولكن الضرورة لا تعني ملء الموقع “كيف ما كان”. واضاف: “الفراغ في الرئاسة ينعكس على كل اللبنانيين والوضع اللبناني والمصلحة الوطنية الكبرى هي أن يُنتخب رئيس في أسرع وقت ممكن ولا نظن أن أحداً يريد الفراغ الرئاسي. نحن المقاومة كجزء كبير من الشعب اللبناني نريد رئيساً للبلاد مطمئناً للمقاومة شجاعاً لا يخاف ولا يتنازل ويقدم المصلحة الوطنية على خوفه ولا يباع ولا يُشترى”. واضاف “الرئيس العماد اميل لحود وخلال سنوات رئاسته كانت المقاومة مطمئنة بانه لن يخونها او يتآمر عليها وكذلك مع فخامة الرئيس ميشال عون كانت المقاومة وعلى مدى 6 سنوات آمنة الظهر لان في بعبدا رجلا شجاعا لا يخون ولا يطعن في الظهر. البعض اتهم الرئيس عون ببيع البلد لحزب الله والشاهد على كذب هذا القول هو لو ان البلد لحزب الله لكان الفيول الايراني اصبح في لبنان وهناك 10 ساعات كهرباء والحقيقة ان اميركا هي التي تتحكم بلبنان”. وتابع: “لا نريد رئيساً يغطي المقاومة أو يحميها لأنها لا تحتاج إلى حماية إنما تريد رئيساً لا يطعنها في الظهر ولا خيار أمام اللبنانيين إلا الحوار في ما بينهم من أجل إنجاز استحقاق الرئاسة… ”
واعتبر “ان الأميركيين يؤكدون علناً أنهم يدعمون الجيش اللبناني الذي يعتبرون أنه مؤهل لمواجهة المقاومة ونحن نثق به وبقيادته التي ترفض أي مواجهة معنا”.
وفي سياق رئاسي أيضا أكّد عضو “تكتل لبنان القوي” النائب سليم عون أن “التيار الوطني الحر” بانتظار رد رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية في شأن دعمه لرئاسة الجمهورية، مؤكداً أن لا شروط لـ”التيار الوطني الحر” لتأييد فرنجية. وأشار عون إلى أن “هناك حلقة تشاور دائمة للتكتل من أجل التوصّل إلى رئيس جديد”، مُشدداَ على استعداد التكتل للتشاور مع الحلفاء ومع أي فريق سياسي أو حتى مع أي نائب مستقل. واعتبر أنّ “عدم إعلان التكتل عن مرشحه، مرده انه يسعى إلى عدم حرق المرشحين”.