بدا من المفارقات الغريبة التي تفرزها وقائع الوضع المضطرب سياسيا واقتصاديا وخدماتيا في #لبنان، ان تطورا إيجابيا كهبوط حاد غير تقليدي في أسعار المحروقات تسبب بإضرابات واسعة في هذا القطاع وانعكس على توزيع المحروقات بدل ان يطلق موجة ارتياح وانفراج. وهي ظاهرة لم تعد تثير الكثير من الاستهجان ما دامت سمة الإجراءات التي ترافق حالة التذبذب في الأسواق المالية والمصرفية تنسحب فورا على القطاعات الحيوية في ظل انعدام وجود خطة ثابتة وواضحة للجم انفعالات الأسواق والقطاعات من خلال إدارة حكومية – مصرفية جادة وثابتة وشفافة، بل ان ما يجري من صعود وهبوط وتدخلات ظرفية مفاجئة لمصرف لبنان مع غياب كلي للإدارة الحكومية الضابطة لمجريات الأمور يبقي الوضع مفتوحا كل يوم على موجات الاضطرابات المتنوعة والمختلفة.
ولعل اللافت في هذا السياق ، وطبقا لما أوردته “النهار” امس، هو ان الجانب المتصل بالازمة المالية والاجتماعية يطغى تصاعديا على مجمل المشهد الداخلي في ظل الشلل السياسي الكامل الذي يرافق عطلة الأعياد والتي كانت مطية وحجة وذريعة لتبرير او حجب العجز السياسي الاخذ في الاشتداد من دون أي مؤشرات او ضمانات حيال احتمال تحريك هذا الشلل والاتجاه نحو حلول تنهي ازمة الفراغ الرئاسي مع مطلع السنة الجديدة. وتحذر أوساط معنية بتداعيات الازمة الرئاسية في هذا السياق من ان كلفة تداعيات الفراغ على مختلف وجوه الازمات التي يعاني منها لبنان ستكون مع السنة الجديدة اشد خطورة بكثير في حجمها وسلبياتها مما يعتقد افرقاء سياسيون لا يحسبون بدقة لخطورة تفلت الوضع كلما طال امد الفراغ واتجهت الأوضاع الى مزالق جديدة. وتشير الى ان الأشهر السابقة من الازمة الرئاسية والسياسية تسببت حتى الان بتفكك إضافي خطير في مختلف المؤسسات والإدارات الامر الذي يرسم علامات الإنذار المتقدم حيال ما يمكن ان ينتهي اليه لبنان وفي ظل أي دولة كلما طال امد الفراغ وهل سيبقى ممكنا إعادة ترميم واحتواء الاضرار العميقة والجوهرية في بنية الدولة والنظام. ولذا تتكثف التحذيرات الديبلوماسية الغربية للبنان من ان اكلاف ازمة الفراغ المؤسساتي ستتخذ منحى متدحرجا غير عادي مع السنة الجديدة نظرا الى تداعي ما تبقى من قدرات الصمود المالي والاجتماعي بما يملي انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع ما يمكن.
في أي حال فان التجاذبات الجارية داخل التركيبة الحكومية نفسها لا تبدو انها انتهت بل ركدت راهنا ضمن هدنة الأعياد. ولكن تطورا برز في هذا السياق امس حيال توقيع مراسيم مجلس الوزراء في ظل الشغور الرئاسي، اذ اصدرت رئاسة مجلس الوزراء المرسوم رقم 10958، القاضي بإعطاء مساعدة اجتماعية اضافية للاسلاك العسكرية في الخدمة الفعلية والمتقاعدي، وتخطت رفض وزير الدفاع موريس سليم الالتزام بقرار مجلس الوزراء كما ارسل اليه. ووقع المرسوم رئيس حكومة تصريف الاعمال #نجيب ميقاتي ووزراء الداخلية والبلديات بسام مولوي، والمال يوسف الخليل والدفاع الذي عاد ووقعه بعد تاخيره .
رئيس الوزراء الاسباني
ووسط هذه الأجواء حط في بيروت امس رئيس الوزراء الاسباني #بيدرو سانشيز مفتقدا الوحدة الاسبانية العاملة ضمن قوة اليونيفيل. وبدا واضحا ان حادث استهداف الكتيبة الايرلندية طغى على أجواء الزيارة اذ جدد ميقاتي بعد لقائه سانشيز تاكيد التزام لبنان كل مندرجات القرار 1701 والعمل الحثيث على تطبيقها، مشددا على”ان كل السلطات الأمنية والعسكرية والقضائية ، لم تتوان ولن تتوانى، ولو للحظة عن القيام بواجباتها كافة لناحية معرفة هوية مطلقي النار على آلية اليونيفيل قبل اسبوعين وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاءهم”. وعقد ميقاتي وسانشيز في السرايا خلوة تلتها المحادثات الرسمية الموسعة بمشاركة اعضاء الوفدين. وخلال المحادثات تحدث ميقاتي معتبرا الزيارة “تأكيد اضافي على التضامن الدولي مع لبنان والدعم الذي لا بديل عنه لينهض من كبوته”. وقال :”إنني اؤكد أمامكم، ما سبق وأكدته لقائد قوات اليونيفيل الذي انتدبتموه مشكورا لقيادة هذه القوات، ان كل السلطات الأمنية والعسكرية والقضائية ، لم تتوان ولن تتوانى، ولو للحظة عن القيام بواجباتها كافة لناحية معرفة هوية مطلقي النار على آلية اليونيفيل قبل اسبوعين ما ادى الى فقد عنصر من الكتيبة الايرلندية في قوات حفظ السلام، واصابة رفاق له بجروح، وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاءهم. وانتهز فرصة وجودكم اليوم في لبنان ، لأكرر امامكم ما صرتم تعرفونه، ان ما يزيد من وزر الضائقة الاقتصادية الخانقة في لبنان هو وجود اعداد كبيرة من النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين على الأراضي اللبنانية وتبعات هذا الوجود على الأمن والأستقرار والاقتصاد”.
وقال “إننا على ثقة بأن اسبانيا يمكن ان تقدم الكثير من الدعم وأن تعطي ملف النازحين السوريين الأولوية ضمن الاتحاد الأوروبي خلال فترة ترؤسها المجلس الأوروبي في النصف الثاني من العام 2023. لنعمل معا بشراكة تامة على الساحة الدولية لنؤمن الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي للبنان”.
واعلن رئيس الوزراء الاسباني :”جئت الى لبنان لأنه بلد يعني لنا الكثير وهو البلد الاول الذي تدعمه اسبانيا من صندوق الدعم الاسباني” . وأكد حرص بلاده على دعم عمل اليونيفيل في جنوب لبنان، وقال ان الكتيبة الاسبانية هي اكبر الفرق المشاركة منذ العام 2006. وأشار الى ان بلاده سترأس العام المقبل المجلس التنفيذي للاتحاد الاوروبي، “ومن اولوياتنا دعم العلاقة مع دول الجوار وفي مقدمها لبنان وتقويتها، اضافة الى تعزيز العلاقات بين لبنان والاتحاد الاوروبي في مجالات الطاقة البديلة والزراعة والبنى التحتية وتنمية قدرات الشباب”. ونوه باستقبال لبنان النازحين السوريين ، رغم الازمات التي يعاني منها، ويتفهم حرص لبنان على العودة الطوعية لهؤلاء الى بلادهم وسيبذل جهده عبر الاتحاد الاوروبي لدعم لبنان في هذا المجال”.
وزار سانشيز والوفد المرافق بعد ذلك رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي نوه بزيارته خصوصا في هذه المرحلة مشيدا بدور اسبانيا ودعمها للبنان من خلال مشاركتها في قوات الطوارئ الدولية. وشدد على “وجوب انجاز الاستحقاق الدستوري الأول المتمثل في انتخاب رئيس للجمهورية كمدخل الزامي لولوج لبنان مرحلة الحل والخروج من الازمة الراهنة”.