جعلت المصادفة الزمنية هذا اليوم، السادس من شباط، “ملتقى” احداث ومحطات بارزة داخليا وخارجيا، سياسيا وقضائيا ومعيشيا، دفعة واحدة بما يستقطب الاهتمامات ويشد الأنظار الى النتائج المرتقبة لكل من هذه المحطات وتأثيراتها المحتملة على الواقع المأزوم بشدة في البلاد. ولعله تنبغي الإشارة بداية الى ان الأجواء العامة المتصلة بكل من هذه المحطات تنذر بغيوم محتقنة وتصعيد في الكثير من الاتجاهات بما يصعب معه توقع هذا اليوم الطويل المقبل بمعطيات تفاؤلية ان على مستوى الازمة الرئاسية او المواجهة القضائية او الواقع الاجتماعي المتجه قدما نحو مزيد من الاحتقانات والتوترات والتأزم. فالازمة الرئاسية لا تبدو متجهة نحو فصل دراماتيكي جذري من خلال اللقاء الخماسي الفرنسي – الأميركي – السعودي – المصري – القطري اليوم، ولو ان مجرد انعقاده يشكل فصلا بارزا من فصول المعاندة الفرنسية في حض الطبقة السياسية اللبنانية على تحمل مسؤولياتها في انتخاب رئيس للجمهورية واطلاق الية الحل المطلوبة دوليا. ولم تطرأ أي معطيات تشير الى ان اللقاء سيتجاوز اطر محاولات الضغط والحض والتشجيع لانتخاب رئيس للجمهورية، ولكن من دون أوهام في تجاوز الضغوط الاطار المبدئي ورهن الدعم المالي والاقتصادي للبنان بملء #الشغور الرئاسي واطلاق دورة جديدة في الحكم والإصلاحات، بما يعني ان ممثلي الدول الخمس في هذا اللقاء ليسوا في وارد تناول الازمة الرئاسية بما يتجاوز هذه العناوين الى أي تسميات كما يحلو لبعض الأوساط اللبنانية ان تروج له.
وعلى أهمية ترقب ما سيصدر عن اللقاء الخماسي، فان الحدث المتوهج اليوم سيتمثل في تبين مصير مواجهة قضائية هي الأولى من نوعها ويتوقف عليها بت الاتجاهات التصعيدية بل المتفجرة التي طبعت هذه المواجهة منذ انطلاقها قبل أسبوعين. وحتى ساعات الليل البارحة لم تكن طرأت أي تطورات او معطيات من شأنها تبديل حال حبس الانفاس التي تسود مختلف الجهات الرسمية والسياسية والقضائية في انتظار شروع المحقق العدلي في جريمة انفجار #مرفأ بيروت طارق البيطار في تنفيذ استدعاءاته الجديدة اليوم بدءا بالمدعى عليهما الوزيرين السابقين نهاد المشنوق وغازي زعيتر المرجح عدم مثولهما امامه بما يستتبع إصداره مذكرات توقيف غيابية في حقهما. واما النقطة المتفجرة فتتمثل في رصد ما اذا كان المدعي العام التمييزي غسان عويدات سيقدم على خطوة بالغة الخطورة بإصدار مذكرة توقيف بحق القاضي البيطار ام سيحجم عن ارتكاب هذه الخطوة التصعيدية.
في هذا السياق بدا المناخ الداخلي حيال هذه المواجهة متسما بترقب وانشداد الى المجريات المحتملة وسط موقف بارز عبر عنه أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت في وقفتهم الشهريّة أمام تمثال المغترب مساء السبت وشكل رسالة سلبية قوية موجهة الى عويدات تحديدا. وتوجّهوا إلى عويدات بالقول “أيّها القاضي غسان عويدات، أيّهم أنت من بين القضاة بعد قراراتك بإطلاق سراح الموقوفين دون الاطلاع على سير التحقيقات، والسماح للموقوف محمد العوف الهروب من وجه العدالة إلى أميركا، وهذا دليل قاطع على قرار خارجي، وإحالة القاضي البيطار للتفتيش القضائي وهو سيد ملف المرفأ، وهو قرار كيدي سياسي”. ودعوا “كل من ارتضى أن لا يتصرّف كقاضٍ، ورهن نفسه لخدمة السلطة السياسية واللاعدالة، أن ان يبادر إلى الاستقالة تمهيدًا إلى المحاسبة والمساءلة، لأنه لم يعد يشبه القضاة، وهو من ساهم في ضرب هيبة القضاة”. وذكروا وزير العدل هنري خوري “بمحاولتهِ طمس التحقيقات وخلق قاض رديف أو قاض منتدب، وقد أبدعتم بالتسميات، لكنها باءت بالفشل، لأننا لك بالمرصاد، فسعيك بات مفضوحًا، خاصة مع تصرّفاتك الميلشياويّة مع نواب الشعب في مكتبك، فطلبك غير قانوني مع وجود قاضي التحقيق طارق البيطار”.
التصعيد السياسي
اما في المشهد السياسي، فيبدو واضحا ان المراوحة السياسية تحكم مجمل الوضع وليست هناك بوادر أي امر داخلي او خارجي لانهاء ازمة الشغور الرئاسي قريبا في انتظار ما سينتهي اليه اللقاء الخماسي اليوم. ويعقد مجلس الوزراء جلسته الثالثة منذ بدء الفراغ الرئاسي في التاسعة والنصف صباح اليوم في السرايا وعلى جدول اعمال الجلسة 26 بندا ابرزها البنود المتعلقة بالملف التربوي وبنود صحية ولم يعرف ما اذا كان “حزب الله” سيوافق على مناقشة كل البنود ام سيغادر وزيراه الجلسة بعد مناقشة البنود التربوية فقط .
وقرأت أوساط المعارضة والنواب المستقلين معالم تصعيدية جديدة في مواقف “حزب الله” بدت كأنها بمثابة استباق لما يمكن ان يفضي اليه اللقاء الخماسي في باريس من توجهات ضد الجهات اللبنانية التي تعطل الاستحقاق الرئاسي وعلى رأسها “حزب الله” وداعمته الإقليمية ايران. ولذا ترددت أصداء سلبية حيال كلام تصعيدي لرئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد تناول فيه تعبير “شعبنا” مميزا بين جمهور “حزب الله” واللبنانيين الاخرين، فقال “أن أعداءنا يحاولون تحويل الاستحقاق الرئاسي في لبنان إلى منصة للإمساك برئيس للجمهورية ينفذ سياساتهم، ويستكمل مشروعهم لتضييق الخناق على المقاومة”. وشددعلى “أننا لسنا نحن من يعطّل البلد، وإنما الذي يعطّله، هو من يضع يده عليه بنقده ومصارفه وسياساته وحصاره وعقوباته، ويمنع أن تصل الكهرباء إليه، وأن تأتي المساعدات إلى الشعب اللبناني”، لافتاً إلى أن الأزمة التي يعيشها لبنان، تُخرج أصواتاً تحت عنوان “بأنه لم نعد نحتمل” ولكن هذه الأصوات تزرع التثبيط والإحباط عند الناس، وتخدم مشروع العدو الذي يريد أن ترتفع مثل هذه الأصوات لتسهم في تعديل موازين القوى”. وتوجه رعد للبعض في لبنان بالقول “من يريد أن يصرخ فليصرخ حتى يشبع، فنحن مطمئنون بأن شعبنا لن يصرخ، لأنه شريك معنا في المعركة، كما أننا لسنا مجموعة منفصلة عنهم ونفرض إرادتنا عليهم، ومن يقول إن المقاومة ترهن طائفة وتأخذ البلد إلى المكان الذي تريد، فإننا نقول له بأننا في المقاومة رهائن تطلعات الناس وخياراتهم، والمقاومة جاهزة لما تتطلبه هذه التطلعات من تضحيات”.
#بكركي
في المقابل تجري اتصالات ومشاورات متواصلة من اجل بت الاتجاه المتصل بعقد لقاء للنواب المسيحيين في بكركي عملا بتوجهات القمة الروحية المسيحية التي انعقدت الأسبوع الماضي. وستحدد “القوات اللبنانية” اليوم موقفها من هذا الاتجاه بعدما وافقت كتل أخرى مثل “التيار الوطني الحر” والكتائب على المشاركة في اللقاء المحتمل. وامس تناول البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الازمة الرئاسية في موقف جديد حاد فقال: “إن حالة الشعب اللبناني الذي يعاني من الفقر والجوع، ومن حرمانه الدواء والغذاء، ومن فقدان الحق والعدل، إنما هي نتيجة سوء إداء السياسيين الممعنين في خيانة الشعب. نعم في خيانة الشعب الذي ائتمنهم على مؤسسات الدولة لكي يحكموا له بالحق والعدل، ويؤمنوا الخير العام الذي منه خير جميع المواطنين وخير كل واحد. ذلك أن نواب الأمة بالطاعة العمياء لمرجعياتهم يحجمون عن انتخاب رئيس للجمهورية، ويؤثرون الإنهيار المتفاقم في المؤسسات الدستورية والعامة، وقهر الشعب، وإرغام خيرة قوانا الحية على مرارة الهجرة. أليست هذه خيانة عظمى؟ بل جرما عظيما بحق الشعب اللبناني والدولة؟ كيف بإمكانهم أن يغمضوا أعينهم عن رؤية شعبنا الفقير المقهور، وعن رؤية مؤسسات الدولة تتهاوى وتسقط؟ وأن يصموا آذانهم عن صراخ المرضى المحرومين من الدواء وإمكانية الإستشفاء؟ أإلى هذا الحد من الحقد والكيدية بلغ نواب الأمة ومرجعياتهم؟ وما القول عن القضاء، هذا العمود الفقري للدولة؟ الذي يهدم أمام أعيننا من أهل السياسة بتدخلهم وضغوطهم، ومن أهل القضاء أنفسهم المنصاعين لهم؟ هذه كلها نتيجة غياب رأس للدولة”.