أضاف ذعر الهزات والزلازل هما دائما الى خوف اللبنانيين من تداعيات الانهيار وكأنهما في سباق على تعميم الذعر، فيما بدأت الحكومة تتعامل بجدية اكبر مع هذا التحدي بدليل الاجتماع الذي عقد امس في السرايا للجنة تنسيق عمليات مواجهة الكوارث والأزمات الوطنية في اطار تنسيق الجهود وحشدها للاستجابة للكوارث #الزلزالية. وقد عاشت المناطق اللبنانية مساء امس ساعات من ذعر الهزات بعدما تمددت مفاعيل الزالزال الجديد الذي أصاب منطقة هاتاي التركية الى لبنان بهزة ارتدادية عنيفة شعر بها معظم المناطق اللبنانية وأثارت ذعرا واسعا، فخرج عدد كبير من المواطنين بسياراتهم إلى محيط حرج بيروت والطيونة كما سكان مناطق أخرى في بيروت والدكوانة والنبعة والجبل وطرابلس حيث تجمعت اعداد كبيرة في الحدائق ومعرض رشيد كرامي الدولي والبداوي وعكار.
وأفاد ليلا “المركز الوطني للجيوفيزياء” التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية، في أن هزة أرضية سجّلت بقوة 6.3 على مقياس ريختر حدد موقعها على الساحل التركي ﻋﻠﻰ ﺑﻌد 200 كيلومتر من شمال لبنان وقد شعر بها المواطنون و”يهم مركز الجيوفيزياء ان يوضح انه من الطبيعي حدوث هزات ارتدادية بعد هذه الهزة يمكن ان يشعر المواطنون ببعض منها ولكن ليس هناك أي خطر من امواج التسونامي في لبنان بحسب نظام الإنذار المبكر من التسونامي في البحر المتوسط”.
كما ان الخبير الجيولوجي طوني نمر اكد بأن “الإحداثيات تقول أن الزلزال حصل على عمق 10 كيلومتر عند الساحل الحدود بين #سوريا و#تركيا. وأضاف: “نحن في منطقة زلزالية وعلينا أن نتقبل الفكرة كما علينا أيضاً أن نهدأ لأن الزلزال بعيد عن لبنان”.
اما في المشهد السياسي فلم يكن الارجاء الثاني المتكرر امس للدعوة الى انعقاد جلسة تشريعية لمجلس النواب مفاجئا لاحد، اذ ان المعطيات الثابتة حيال هذا الاتجاه تؤكد صعوبة تجاوز المانع الميثاقي الذي يحول دون انعقاد جلسة يعارضها ويقاطعها معظم النواب المسيحيين. ومع ذلك جاء الارجاء الجديد ليكرس واقعا ينزلق نحو متاهات انسداد سياسي قد تكون تداعياته اشد وطأة من التداعيات التصاعدية للاختناقات المالية والمصرفية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد. ذلك انه في ظل الشلل المؤسساتي الزاحف على نار الفراغ الرئاسي، تتعاظم المخاوف من تمدد الازمات على كل الصعد والمستويات الى امد طويل مفتوح خصوصا في ظل ما يصفه مطلعون بسوء القراءة الفظيع الذي مارسه معظم الوسط الرسمي والسياسي بعدما جال عليهم سفراء الدول الخمس التي ضمها اجتماع باريس، اذ لم يلتقط هؤلاء المعنى المخيف لتلويح الدول الخمس بإدارة الظهر للبنان في حال اظهر ممثلوه السياسيون ونوابه مزيدا من الاستخفاف بفظاعة ترك البلاد على هذه الحال ولم يبادروا بسرعة الى بدء انقاذ لبنان من خلال انتخاب رئيس للجمهورية. ووفق هؤلاء المطلعين، فان المعطيات التي تجمعت في الأيام الأخيرة التي تعقبت جولة “تبليغات” السفراء الخمسة للولايات المتحدة وفرنسا ومصر والمملكة العربية السعودية وقطر، بدت الى مزيد من القتامة في ظل تقويمات شديدة السلبية لدى كل البعثات الديبلوماسية في لبنان، وليس سفارات الدول الخمس المعنية وحدها، علما ان عامل الخشية من الاضطرابات الأمنية بدأ يدخل بقوة الى ادبيات واحاديث الديبلوماسيين العرب والأجانب في الآونة الأخيرة تحسبا لاضطرابات اجتماعية تتسبب بها الموجات التصاعدية للازمة المالية والمصرفية وتداعياتها الاجتماعية.
واما في الجانب السياسي من المشهد، فان التعقيدات التي تصطدم بها دورة المؤسسات من الشغور الرئاسي الى شل مجلس النواب انتخابيا وتشريعيا وتعطيل مجلس الوزراء تنذر بدورها باضافة عوامل تعقيد لاي احتمالات انفراج في الاستحقاق الرئاسي بحيث تحول هذا الاستحقاق العالق الى ساحة صراعات مفتوحة ليس بين “المعسكرات” الحزبية والسياسية التقليدية في البلاد، بل أيضا داخل المعسكر الواحد على غرار انفجار الصراع بين طرفي “تفاهم مار مخايل” اي “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” وهو امر سيفاقم التعقيدات امام أي اتجاهات دافعة وضاغطة لانهاء مدة الفراغ بانتخاب رئيس للجمهورية.
الإرجاء مجددا
ومن غير المتوقع ان يتبدل هذا الواقع المعقد الذي يتداخل فيه الانسداد السياسي بتداعيات الازمات المالية والاجتماعية. ولكن ارجاء الجلسة التشريعية تكرارا امس لم يأت على ذكر مقاطعة الكتل المسيحية لها بل حصر التبرير بعدم انجاز مشاريع يفترض ان يقترن بها مشروع الكابيتال كونترول. وصدر في هذا السياق بيان عن هيئة مكتب المجلس افاد بانه “مع التأكيد على حق المجلس النيابي في التشريع كما سبق في الأعوام الماضية، غير أن المتفق عليه في اللجان المشتركة بالنسبة لمشروع قانون الكابيتال كونترول أن يصدر مع قوانين أخرى. لذلك قرر مكتب مجلس النواب إرجاء جلسته الى موعد يقرر في ما بعد”. وإذ بات مرجحا ان يحال موضوع التمديد للمدير العام للامن العام اللواء عباس إبراهيم الى مخارج أخرى من نوع الاستدعاء من الاحتياط او وضع “عقد استشاري”، ذكر ان الرئيس نبيه بري قال في الاجتماع امس انه غير معني بالتمديد للواء إبراهيم ولن يطلب ذلك وليمددوا له في مجلس الوزراء.
وكان عضو “تكتل لبنان القوي” النائب الان عون اعلن قبل الجلسة، ان “موقف التكتل من اي جلسة تشريعية لم يتغير”. بدوره، قال النائب أغوب بقرادونيان عن موقف حزب الطاشناق : “نحن مع تشريع الضرورة بالمبدأ. بالنسبة الينا التمديد للواء عباس ابراهيم ضرورة ولكن هناك وسائل أخرى”. ومن جهته، اكد النائب نبيل بدر انه لن يشارك في أي جلسة للتشريع “غير ضرورية ولن نقبل بالتمديد لقادة الأجهزة الأمنية فالطائفتان الشيعية والسنية لديهما بما يكفي من كفاءات لسد أي فراغ”.
المصارف… وغادة عون
في غضون ذلك سجلت الازمة المصرفية القضائية مزيدا من التصعيد بعد ادعاء جديد اصدرته النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون على مصرف “سوسييتيه جنرال” بتهمة تبييض أموال وافيد عن تأجيل الاجتماع الذي كان مقررا عقده في السرايا الحكومية برئاسة رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي وحضور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ووزيرَي المال والاقتصاد إلى موعد يُحدّد لاحقًا لإيجاد حلّ للملف القضائي الخاص بالمصارف والدعاوى في لبنان، فيما استمرت المصارف بالإضراب وتواصلت المشاورات في جمعية المصارف لبحث كيفية التعاطي مع قرارات القاضية عون.
ومساء اصدرت جمعية المصارف بيانا اسفت فيه “لعدم معالجة الأسباب التي حملتها على إعلان إضرابها المفتوح وأهمّها الملاحقات القضائية الخارجة كلياً عن الضوابط القانونية الإلزامية”. وادرجت ضمن “الممارسات القضائية الاعتباطية قبول دعاوى مقدمة ضد المصارف من غير المودعين لديها وتقديمها إلى قضاة معيّنين غير مختصين لا نوعياً ولا مكانياً يختارون بسبب آرائهم العقائدية المعادية للمصارف، إضافةً إلى رفض بعض القضاة تبلّغ طلبات ردّهم ودعاوى مداعاة الدولة عن أعمالهم التي توجب رفع يدهم عن الملفات، كما ومحاولة هؤلاء القضاة إعطاء القانون رقم 2022 /306 مفعولاً رجعياً يعود إلى العام 1988 خلافاً لنص القانون وإرادة المشترع. وإن تمسّكت المصارف بحرفية القانون رقم 2022 /306 يتم الادعاء عليها زوراً بجرم تبييض الأموال في حين أن الملاحقة هي حصراً عملاً بمنطوق الفقرة ب من المادة 8 من القانون رقم 306 المذكور بجرم “الإمتناع عن تقديم المعلومات”، مع ما لذلك من تأثير على سمعة المصرف وعلاقاته خاصة مع المصارف المراسلة، بصرف النظر عن عدم صحة القرار. أهكذا تتم حماية الودائع؟ لذلك، إنّ معالجة هذا الخلل في حسن سير المرفق العام القضائي أصبح ملحّاً”.
وسط هذه الاجواء عُقد لقاء قوى الإنتاج تحت شعار “أنقذوا الوطن” في مقر الاتحاد العمالي العام. وفي وقت طالب نقيبا الصيادلة والمستشفيات بالاضراب المفتوح الى حين انتخاب رئيس للجمهورية، فضّل رئيس الاتحاد العمالي بشارة الاسمر التريث، الا انه اشار الى ان هذا التوجه قد يتم اللجوء اليه اذا طال امد الازمة. ودعا الاسمر النواب الى “المبادرة فورا لانتخاب رئيس للجمهورية”، مشددا على “أن حقنا الشرعي، من حق الشعب اللبناني، ان يكون لدينا سلطة تنفيذية، تبدأ برئيس الجمهورية مع مجلس وزراء يعيد انتظام المؤسسات وتجديد السلطة”.
وقال: “إن واقع الانتخاب يأتي من تفاهم سياسي في الحد الادنى، يمهد لبداية وضع المعالجات الاقتصادية والصحية والتربوية والاجتماعية والبيئية”.