مع ان مسار الاستحقاق الرئاسي لم يكن معبداً أصلاً لا بالتسهيلات ولا بالامال والرهانات الواقعية على احتمالات بلوغه قريبا الانفراج المأمول بوضع حد للفراغ الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية، ولكن المشهد الداخلي بدا في اليومين الأخيرين كأنه دخل متاهة تصعيدية إضافية زادت من وطأة الاحتقانات السياسية وحتى الطائفية المتصلة بمواقف القوى السياسية من تطورات الازمة الرئاسية. ولم يكن أدل على الاتجاه نحو مرحلة جديدة من التأزم، من المعطيات التي تتخوف من اشتداد التجاذب والتصلب في الأيام المقبلة، وتوقع مواقف تؤكد ان اشتداد المنازلة السياسية حول الاستحقاق الرئاسي لا يعني في أي شكل ان هذا المناخ سيمهد لشيء ما يفتح مسلك الحوار او التسوية الرئاسية. بل ان المعطيات نفسها تلفت الى ان التحرك الديبلوماسي الذي تكثفت معالمه منذ انعقاد لقاء #باريس الخماسي التشاوري حول لبنان، وتتواصل حلقاته في تحركات سفراء الدول الخمس المعنية في لبنان ولا سيما منهم السفيرتين الأميركية والفرنسية يأتي على وقع الوقائع الداخلية السياسية والمالية والاجتماعية التي تتابعها هذه الدول بدقة والتي باتت تشكل لديها ولدى الاسرة الدولية نذير انزلاق لبنان الى مستويات خطيرة للغاية من الانهيار بما يتهدده مصيريا بكل المعايير في ظل تقارير البعثات الديبلوماسية التي ترصد تصاعد الازمات السياسية والمالية والاجتماعية بكثير من القلق وترسل التحذيرات المتعاقبة الى دولها من اقتراب لبنان من خطر انفجار اجتماعي كبير. ولذا تتسع التحركات الديبلوماسية وتسابق الانسداد الداخلي سعيا الى فكفكفة العقد التي تعترض اجراء الانتخاب الرئاسي .
وفي هذا السياق نقل مراسل “النهار” في باريس سمير تويني عن مصادر ديبلوماسية في العاصمة الفرنسية ان البيان الذي صدر صباح الخميس الماضي عن مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان يعبر عن تحرك ايجابي اخر باتجاه التوصل الى حل لملء الشغور الرئاسي كما ولتنفيذ الاصلاحات المرجوة من الاسرة الدولية للخروج من الازمات المتفاقمة التي يعيشها لبنان منذ التحركات الاعتراضية بداية من شهر تشرين الاول 2019.
وعلقت الناطقة الرسمية باسم الخارجية الفرنسية ان – كلير لوجاندر على هذا البيان كما على نتائج الاجتماع الخماسي الذي عقد في العاصمة الفرنسية في 6 شباط الماضي وشاركت فيه الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر. فقالت “كما سبقت الاشارة اليه كان اجتماعا لموظفين، وهو جزء من مجموع العمل الذي نقوم به مع شركائنا.” وذكرت بالموقف الفرنسي الذي عبرت عنه وزيرة اوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية كاترين كولونا من ان “الحل في لبنان معلوم وبسيط، ومؤلف من ثلاث مراحل اولا انتخاب رئيس يجمع جميع الاطراف ثانيا تشكيل حكومة فاعلة تباشر العمل وثالثا تنفيذ الاصلاحات التي تتيح لصندوق النقد الدولي بالتدخل لدعم الوضع الاقتصادي اللبناني.”
ولفتت الناطقة الى ” الحاجة الملحة اليوم هي لمنع المسؤولين اللبنانيين من تعطيل هذا الحل الذي هو واضح بالنسبة الى الجميع .” واضافت “ان فرنسا معبأة مع شركائها، بما في ذلك كعضو في مجموعة الدعم الدولية للبنان، في باريس وبيروت لجعل القادة اللبنانيين يتحملون اخيرا مسؤولياتهم والخروج من المأزق.” وحذرت الذين يعيقون ويعطلون الحل فقالت ” من الواضح ان جميع اولئك الذين يعيقون او يجعلون انفسهم متواطئين في انهيار الاقتصاد اللبناني يتعرضون لعواقب.”وعند سؤالها عن تفاصيل هذه العواقب رددت “عواقب” دون دخولها في تفصيل هذه العواقب .
في ظل هذه الاجواء، غردت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا عبر حسابها على “تويتر”، فقالت “في ظل تفاقم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه لبنان، بات توسيع شبكات الأمان الاجتماعية والتخفيف من حدة الفقر ومعالجة الأمن الغذائي أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى لحماية شرائح المجتمع الأكثر ضعفًا. أجندة إصلاحية تركز على الناس هي ما يحتاجه اللبنانيون ويستحقونه”.
التحركات الداخلية
وفي التحركات الداخلية ترصد الأوساط السياسية ما سيطلقه رئيس حزب “القوات اللبنانية ” سمير جعجع من مواقف حيال الازمة الرئاسية في كلمة له اليوم خصوصا لجهة الرد المحتمل على المواقف التي اتخذها رئيس مجلس النواب نبيه بري أخيرا . كما ان الرصد السياسي لهذه الجهة أيضا سيتركز على كلمة أخرى سيلقيها الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله الاثنين المقبل علما ان نجمل التقديرات تشير الى ان المناخ المشدود اخذ بالتصاعد في المرحلة الطالعة .
وبدا لافتا قيام السفيرة الاميركية دوروثي شيا بزيارة امس للمرشح الرئاسي النائب ميشال معوض غداة انفجار الخلاف والسجال الحاد بينه وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري علما ان السفيرة شيا تجول منذ ايام على القيادات اللبنانية. وعلى الاثر اعلن معوض: “يدنا ممدودة،لكن لا تسوية في مطلب الرئيس الاصلاحي السيادي. ولن نقبل من الرئيس نبيه بري او من مطلوبين الى العدالة، التطاول على الكرامات، ولسنا تلاميذ في الصف”. وعن تعطيل النصاب، اكد معوض “لن نقبل برئيس يشكل امتدادا لـ8 آذار”.
على المسار الرئاسي ايضا اكد النائب اشرف ريفي عقب زيارته رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في معراب “لسنا جمعية خيرية لنؤمن النصاب للفريق الآخر، لا بل سنعطّله لأننا لن نسمح بأن يسجّل التاريخ اننا كنّا سُذّجا او ألا يغفر لنا ابناؤنا. فحبّذا لو نتذكر ان هذا الفريق عطّل النصاب في الجلسات الـ11 السابقة وغادر الجلسة بعد الدورة الأولى”. واعلن “اننا سنعتمد اي طريقة ديمقراطية لمنع وصول اي مرشح محسوب على هذا المحور بعد ان جرّبناه خلال السنوات الست الماضية وأوصلنا الى جهنم. البلد لم يعد يحتمل الغرق أكثر فأكثر، على اثر انهيار مؤسساته وقطاعاته كافة وعملته الوطنية الى جانب عجز اللبنانيين عن تأمين أقل متطلبات الحياة”. وإذ نفى “امكان تأمين الفريق الآخر الـ65 صوتا كما انه لن يتمكن من ذلك، على خلاف ما يشاع، رأى انه “لو استطاع ذلك لكان دعا الى جلسة انتخابية” جدد التأكيد “اننا ثابتون على مواقفنا التي تصب في مصلحة البلد وتساهم في اخراجه من هذا الآتون من خلال رئيس انقاذي، غير فاسد وغير منبطح امام النظام الايراني”.
المشهد المصرفي والاقتصادي
اما في المشهد المصرفي والاقتصادي، فاعلنت مساء امس جمعية #المصارف تمديد تعليق الاضراب الذي كانت نفذته المصارف “بهدف معالجة الخلل في عمل المرفق العام القضائي” وأوضحت انها “تلقفت بإيجابية حذرة القرارين الصادرين عن النيابة العامة التمييزية بتاريخ 28 شباط 2023 آملةً استكمالهما بالتدابير العمليّة لمعالجة هذا الخلل نهائيّاً” وقررت تمديد تعليق إضرابها حتى تاريخ 10 آذار 2023 ،
مكررة مطالبتها الدولة اللبنانية “بإقرار قانون معجل مكرر يلغي بشكل كامل وبمفعول رجعي صريح السرية المصرفية عن جميع الحسابات المصرفية، فتضع بذلك حدّا للاتهامات المختلقة بحقها”. وشددت على “ان المصارف تحت القانون وتحت المساءلة وفقاً لأحكام القانون اللبناني بكافة نصوصه، وتكرر احترامها للقضاء المحايد والعادل”.وقالت ان تمديد تعليق إضرابها حتى تاريخ 10 آذار هو “لتسهيل عمل المؤسسات والأفراد وإعادة تقييم ما قد يستجدّ من تطورات بشأن تنفيذ مطالبها، على ان يفوض مجلس الادارة بتمديد فترة التعليق في ضوئها”.
بدورها عقدت الهيئات الإقتصادية إجتماعا طارئا برئاسة رئيسها الوزير السابق محمد شقير ناقشت خلاله “التطورات الدراماتيكية الحاصلة في البلاد لا سيما التدهور المخيف والخطر في ما يتعلق بالشق النقدي والإقتصادي والمالي والإجتماعي”. واعتبرت بعد نقاش مطول تم خلاله التباحث بالعمق بمختلف الأمور المطروحة، وخصوصا موضوع الرفع المفاجئ للدولار الجمركي من دون التشاور مع الهيئات الإقتصادية، وإنعكاساته على شتى المستويات أن “هذا القرار هو بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على القطاع الإقتصادي الشرعي الذي ينازع من أجل البقاء، وإطلاق العنان للإقتصاد “الأسود” وللتهريب والتزوير”. وطالبت “بالحاح بتعليق العمل بهذا القرار وإعطاء فرصة لدراسته من جديد بشكل معمق وعلمي كي لا تأتي مفاعيله “مدمرة” على المستويين الإقتصادي والإجتماعي، خصوصا أنه حتى الآن لم يجف حبر القرار الأول برفع الدولار الجمركي من 1500 ليرة الى 15 ألف ليرة”.