لعلها لم تكن مجرد مفارقة تزامن عفوية ان تقر الحكومة مساء جرعات منشطة ملحوظة للرواتب في القطاع العام وللمتقاعدين العسكريين والمدنيين وتزيد بدلات النقل وتعدل الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص بعد ساعات قليلة من صدمة، ولو متوقعة، أحدثها مجلس نيابي بات يدمن تعطيل الدستور والنظام الديموقراطي وينصب نفسه حارسا للفراغات الدستورية الانقلابية. أي ان الاحتواء الذي مارسته الحكومة في زيادات #الرواتب، وعلى رغم من ضجيج الاعتصامات والاحتجاجات والصدامات بين #المتقاعدين العسكريين وقوات مكافحة الشغب، بدا في خلفيته الأخرى الابعد من مسألة معالجة التداعيات الاجتماعية للازمة المالية والتضخم والتراجع المخيف في سعر الليرة والتفاوت بين سعر الدولار وسعر الليرة وانعكاسات كل ذلك على أوضاع الموظفين والعاملين في القطاعين العام والخاص، محاولة لامتصاص حالة النقمة المتصاعدة على السلطة والبرلمان والطبقة السياسية برمتها.
وقد اقر مجلس الوزراء زيادة لموظفي القطاع العام 4 رواتب إضافة الى الراتبَين في المرة السابقة وتعديل بدل النقل الى 450 ألفاً. كما اقرت زيادة ثلاثة أضعاف الراتب الأساسي ومتمماته الذي تتقاضاه الأسلاك العسكرية على أن لا يقلّ هذا التعويض المؤقت عن 7.000.000 ليرة شهرياً (فقط سبعة ملايين ليرة لبنانية شهرياً). وأقرت زيادة ثلاثة أضعاف المعاش التقاعدي للمتقاعدين في جميع الأسلاك الذين يستفيدون من معاش تقاعدي (على أن يتم احتساب معاش العسكري المتقاعد على أساس المعاش بالإضافة الى كامل المتممات). كما اقرت الحكومة رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص الى 9 ملايين ليرة وبدل النقل الى 250 ألف ليرة في اليوم.
ومع ذلك فان الطابع الفضائحي بدا ثقيلا جدا بإزاء السقطة الجديدة لمجلس النواب الذي وان جمع 73 نائبا مرروا نصاب التمديد للمجالس البلدية والاختيارية لمدة سنة، فانه بدا في اشد صور القتامة الفضائحية امام مشهد برلمان عجز عن وضع حد للفراغ الرئاسي الذي يقترب من شهره السادس فيما يتمكن بسحر ساحر من “تجميع” العدد اللازم لنصاب يمرر تعطيل الانتخابات البلدية والاختيارية ويعيد افة التمديد لهذه المجالس. ولم يستر حضور نواب “التيار الوطني الحر” واللقاء الديموقراطي وعدد من نواب السنة الشماليين عري هذه السقطة لجميع الكتل والنواب الذين شاركوا في الجلسة وسط غياب نواب “القوات اللبنانية” والكتائب وعدد من التغييريين. ولم تخلُ الجلسة من المشاكسات بين النواب مع بعضهم البعض ومع رئيس الحكومة حول البند المتعلق بالتمديد للمجالس البلدية وذلك قبل تصديق مجلس النواب على تأجيل الإنتخابات.
ووقع سجال بين النائب اسامة سعد وميقاتي بعدما قال سعد “الحكومة كذبت عاللبنانيين وقالت أنا جاهزة وهيي ما بدها انتخابات” ليرد ميقاتي عليه “إنتوا كلكن عم تكذبوا عاللبنانيين” .
وإذ علم ان نواب كتلتي “القوات اللبنانية ” والكتائب شرعوا في اعداد الطعن في قانون التمديد لتقديمه ضمن الأصول والمهلة القانونية الى المجلس الدستوري، علق رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل قائلا “المؤسف انّ لا شيء كان يمنع الحكومة من التحضير للانتخابات ورصد الاموال لاجرائها منذ أشهر. اما لمن أمّن نصاب جلسة التمديد غير الدستورية فنقول: لحقتوا وبدكن تخالفوا الدستور ليش ما عملتو جلسة من اشهر وأمنتوا الاعتمادات لإجراء الانتخابات بدل تأجيلها؟ كل الحجج ساقطة”. بدوره، غرّد عضو “تكتل الجمهورية القوية” النائب جورج عقيص عبر “تويتر”: “يعطيهم العافية للشباب، تعبوا. 3 مخالفات بحجم الخطايا: اولاً: حضور جلسة تشريعية غير دستورية لأن المجلس هيئة انتخابية. ثانياً: تمديد المجالس البلدية بشكل مخالف لأبسط مبادئ الديموقراطية. ثالثاً: مسخ قانون الشراء العام وتشويهه وهو القانون الاصلاحي الوحيد الذي انجزه المجلس النيابي ويتهموننا بالشعبوية. طيب يا اخوان نحن شعبويين بس انتو مجرمين”.
فرنجية في بكركي
اليوم الماراثوني بين المجلس والسرايا لم يحجب أيضا دلالات المواقف والشكل والتوقيت لزيارة رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية الى بكركي عصر امس حيث تحدث من منبر الصرح لأول مرة بوضوح تام كمرشح رئاسي “متقدم”، ورد على “جو اعلامي” ينعى حظوظه واوحى ان متغيرات المنطقة لمصلحته. فرنجية قال “ان ما نراه في الاعلام غير مطابق للحقيقة ومحوَّر فالتسويات بدأت في المنطقة والمتخاصمون سيتصالحون واللعبة تغيّرت وهذا الأمر سينعكس على لبنان وأدعو جميع السياسيين ليقرأوا الى أين تتجه الأوضاع” . وبنبرة المصالحة شدد على انه “لم يكن لنا يوماً أي نظرة عدائية تجاه أي دولة عربية لا سيما السعودية ونتمنى أن يتصالح العرب في ما بينهم وعسى أن ينعكس هذا التوافق في المنطقة على لبنان ونحن خُلقنا في بيت عروبي ولا نتمنى إلا الخير للمملكة” وتابع: “لا نقبل بأن يتعرّض أحد للدول العربية وزرت باريس وأجبت على أسئلة طلب الفرنسيون إجابات عليها وهم على تواصل مع السعودية ومن البديهي أن نسير بالاصلاحات وندعم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وندعم أي حكومة لديها برنامجها الإصلاحي”.
لبطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي مستقبلا رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجيه في بكركي عصر أمس (نبيل اسماعيل).
وأضاف فرنجية كمرشح “لا أتخلّى عن واحد في المئة من صلاحيات رئيس الجمهورية إنما أمارسها بمسؤولية لا كيدية سياسية ونحن مستعدون للحوار مع كل مَن لديه أي هواجس ولا إحراج لدي تجاه أحد ورفض الحوار مشكلة .. هدفي ليس السلطة إنما الوصول الى #رئاسة الجمهورية لترك بصمة في البلد وعلينا أن نكون موجودين داخل قطار التسوية في المنطقة لا خارجه على خلاف ما حصل في العامين 1989 – 1990 عندما بقي بعضهم خارج التسوية ودفّعوا المسيحيين الثمن”.
السفارة والذكرى الـ40
وسط هذه الأجواء أحيت #السفارة الأميركية امس الذكرى الأربعين لتفجير مبناها في بيروت في 18 نيسان 1983، حيث هاجمها انتحاري وأسفر عن مقتل 63 شخصًا، من بينهم 52 موظفًا لبنانيًا وأميركيًا.
واشارت السفيرة الأميركية دوروثي شيا في كلمة لمناسبة احياء بالذكرى الى أن “أولئك الذين اتخذوا القرار باغتيال 63 شخصًا بريئا بعنف، وإصابة عائلة سفارتنا قد قلّلوا من شأننا. لم يفهموا أن الروابط التي نتشاركها جميعًا تبقى قوية، على الرغم من الخوف والترهيب الذي قد يحاول الآخرون غرسه فينا”. واضافت: “دعونا نظهر من خلال التزامنا المستمر بهذا المجتمع وهذه الأهداف المشتركة، أنه في جهوده لكسرنا، فشل حزب الله. لا أحد يستطيع كسر العزم الذي نتشاركه جميعًا في العمل معًا، والاعتناء ببعضنا البعض، ودعم مستقبل أفضل للشعب اللبناني. رباطنا أقوى من الفولاذ والإسمنت في أي مبنى ويمكننا الصمود أمام أعدائنا والمثابرة معًا في أحلك الأوقات”.
ووزعت كلمة لوزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن في الذكرى قال فيها :” في 18 نيسان 1983 ، 63 شخصا من الاميركيين واللبنانيين من زملائنا واصدقائنا واحبائنا قتلوا في هجوم ارهابي شنه “حزب الله” على سفارة الولايات المتحدة الاميركية في بيروت. كانوا جميعا يعملون معا لبناء مستقبل افضل للبنان والمنطقة على حد سواء. في الذكرى الاربعين للهجوم، نواصل الحداد على اشخاص ازهقت ارواحهم كما نواصل تكريم تضحياتهم. يستمر الشعب في لبنان بالعيش تحت تهديد العنف من ” حزب الله” ومن راعيته ايران . تبقى الولايات المتحدة ملتزمة مكافحة الارهاب اينما وقع وملتزمة حماية زملائنا اينما قاموا بخدمة بلادهم وتواصل الولايات المتحدة الوقوف الى جانب الشعب اللبناني بينا يسعى غالبا في مواجهة عقبات عميقة لبناء مستقبل اكثر استقرارا وامنا وازدهارا .
في هذا اليوم المهيب ، نقوم باعادة تكريس انفسنا لهذه الاهداف الدائمة وللشراكات بما في ذلك مع الشعب اللبناني الذي سيساعدنا في تحقيقها” .