عشية عودة البلاد الى عطلة طويلة يمليها حلول عيد الفطر، بدا المشهد السياسي الداخلي غارقا في مزيد من الارباك والتخبط والغموض سواء في ما يتصل بافاق الازمة الرئاسية، ام في تداعيات الأوضاع الحياتية والمعيشية والاجتماعية التي لم تبدد تفاقمها او تخفف منها الزيادات على الرواتب في القطاع العام او رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص التي اقرتها الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء. ووسط ازدياد التباينات الحادة في رؤى القوى الداخلية وحساباتها ورهاناتها حيال التأثيرات المتوقعة للمتغيرات الإقليمية السريعة التي تشهدها المنطقة ولا سيما منها الاتفاق السعودي الإيراني على الازمات الماثلة في لبنان، تبدو الفترة الطالعة مرشحة لان تشهد احتداما سياسيا واسعا في شأن الاستحقاق الرئاسي على خلفية المحاولة المتقدمة التي قام بها رئيس “تيار المردة” مرشح الثنائي الشيعي ل#رئاسة الجمهورية #سليمان فرنجية في ترشيح نفسه من منبر بكركي تحديدا معمما الانطباعات بانه اقترب من اقتطاع الفوز بالتوافق الإقليمي والدولي على بلوغه قصر بعبدا وشغل كرسيه الشاغر منذ ما يقرب الستة اشهر. هذا التطور وان لم يحظ غداة زيارة فرنجية الى بكركي باصداء علنية واسعة تفاعل ضمنا في الكواليس الداخلية من زاويتين شديدتي التناقض والتصادم. ففي الضفة الداعمة لترشيح فرنجية يتصاعد الرهان على ما تصفه أوساط هذا الفريق باصرار حاسم لفرنسا في المضي بمعادلة فرنجية – نواف سلام (رئيسا للحكومة) اسوة برهانه الأقوى على ما بدأ ترويجه من جانب فريق فرنجية والفريق السياسي الداعم له في الساعات الأخيرة حيال مرونة في الموقف السعودي من المسعى الفرنسي لتسويق ترشيحه.
اما في الضفة الرافضة لانتخاب فرنجية باعتباره مرشح المحور الممانع وتحديدا “حزب الله”، فيسود الاعتقاد استنادا الى مصادر مطلعة تماما على مواقف القيادات والكتل والنواب المستقلين المعارضين للحزب ومرشحه ان ثمة مناورة كبيرة شرع فيها فرنجية وفريقه دعائيا واعلاميا وسياسيا للرد على مجمل المعطيات التي سادت الفترة السابقة والتي ظهرت العقبات والفيتوات الإقليمية والمحلية التي تعترض فرصة انتخابه وان الرد الاعتراضي هذا سيتصاعد بقوة متدرجة خصوصا بعد ان يقدم فرنجية على اعلان ترشيحه “رسميا” وعلنا بشكل ناجز عبر مقابلة تلفزيونية منتصف الأسبوع المقبل بعد عطلة عيد الفطر. واما في المعطيات التي تتحدث عن الموقفين الفرنسي والسعودي من ترشيح فرنجية والحديث عن مجريات متقدمة دفعت به الى المسارعة الى بكركي ليجعلها منبره المتقدم للترشح، فان هذه الجهات المناوئة لانتخابه تؤكد ان المعطيات الرصينة والجدية لا تشير الى اي متغيرات طرأت على الموقف السعودي تحديدا، وتاليا فان الوضع لا يزال على ما كان عليه وثمة حراكا يمكن ان يؤدي الى انعقاد اللقاء الخماسي للدول المعنية بالازمة اللبنانية أي فرنسا والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، اما قبل القمة العربية في السعودية واما بعدها، لمراجعة التطورات بمجملها ومحاولة التوافق بين ممثلي “الخماسي” على مخرج جديد. ولذا يغدو الكلام عن مواقف متغيرة لهذه الدولة او تلك قبل اللقاء “من صناعة محلية” لها أهدافها المعروفة لا اكثر ولا اقل. وفي أي حال قد يمكن تبين الكثير من المعطيات والموقف المعارض لفرنجية في المقابلة التلفزيونية التي ستجرى مساء الاحد المقبل مع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، ليرد فرنجيه عليه وعلى اخرين في مقابلة لاحقة بعد ايام.
وإذ تضاءلت التحركات الداخلية مجددا مع الاقتراب من عطلة الفطر، لوحظ ان السفيرة الاميركية دوروثي شيا زارت امس تحت ستار المعايدة بالفصح بكركي حيث التقت البطريرك الماروني الكاردينال ما بشارة بطرس الراعي ثم زارت ميتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، وعلم ان الاستحقاق الرئاسي كان الموضوع الأساسي في اللقاءين.
في غضون ذلك كان ثمة موقف لافت لنائب الأمين العام لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم عاد الى الضرب عبره على وتر الحوار وقال أنَّه “لا يمكن إنجاز إستحقاق إنتخاب رئيس الجمهورية في حال أرادت كل كتلة من الكتل أخذ كل شيء رافضة التنازل عن شيء أو أن تدوِّر الزوايا”. وأشار إلى أنَّ “من يُفعّل ذلك يُفضِّل الفراغ على الإنتخاب وهذا خطأ وخطر وأمر لا يناسب لبنان على الإطلاق”. ولفت إلى أنّ “هذه المناخات الإيجابية وُجدت بينما لم نكن نتوقع أن تحصل”، مضيفًا “أليس الأولى أننا نعيش في بلد واحد أن نرى كيف نُجري تسويات في ما بيننا حتى نتفاهم لأن هذا البلد لنا جميعًا ونشترك فيه وسيكون للأجيال القادمة”؟
التمديد والطعن
في سياق اخر وقّع امس رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قانون التمديد للبلديات بعد عرضه على مجلس الوزراء لإصداره وكالةً عن رئيس الجمهورية على أن ينشر القانون في الجريدة الرسمية بعد عيد الفطر. وذكر ان ميقاتي تابع مع وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي التحضيرات لاجراء الانتخابات البلدية والاختيارية، انطلاقا مما ورد في القانون الصادر عن مجلس النواب. وجرى الاتفاق على أن يعد وزير الداخلية الموازنة المستحدثة اللازمة لاجراء الانتخابات لكي يصار الى فتح اعتماد لها. وفي ضوء الموازنة الجديدة سيقوم وزير الداخلية ضمن صلاحياته بتحديد المواعيد الجديدة للانتخابات”.
في المقابل بدأ نواب المعارضة الاعداد للطعن الذي سيقدم في قانون التمديد لدى المجلس الدستوري بعد نشره في الجريدة الرسمية. وامس وصف رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، جلسة مجلس النواب التي مددت للمجالس البلدية والاختيارية بانها “كانت مهزلة هزيلة، عدا عن كونها غير دستورية اذ بأقل الإيمان كان باستطاعة هذا المجلس الالتئام لتأمين الاعتمادات اللازمة لإجراء الانتخابات بدل أن يعمد إلى تعطيلها وتطييرها”. كما حمل على مجلس الوزراء الذي اتخذ قرارات عديدة بصرف الأموال في أمور معينة سائلا “لماذا لا يمكنه الصرف في إنجاز الانتخابات البلدية والاختيارية، خصوصا ان المبلغ الذي تحتاجه هو ما دون العشرة ملايين دولار؟” وقال إن “ما حصل في المجلس النيابي كان مهزلة، وما جرى في الحكومة كان أكثر هزالة، فضلاً عن أن الذين اجتمعوا في البرلمان يتحمّلون مسؤولية تعطيل الانتخابات البلدية والاختيارية ولو بعضهم قام بذلك عن حسن نية”.
من جهته حمل حزب #الكتائب الحكومة المسؤولية في قرار التمديد بعدما “تقاعست عن توفير البنية اللوجستية للانتخابات بما فيها الادارة والتمويل ضمن المهل الدستورية المعروفة، كما مجلس النواب الذي خالف الدستور وشرّع في ظل الفراغ الرئاسي”.وجدد “رفضه الاستسلام لإرادة حزب الله الذي يراهن على الوقت وعلى تيئيس اللبنانيين لفرض رئيس للجمهورية يحمل مشروعه ويخضع لشروطه واملاءاته ” مؤكداً ان “اي تنازل جديد في هذا الاتجاه على غرار ما حصل في العام 2016 يعني تكريس عرف تسليم قرار تسمية الرئيس اللبناني لحزب الله لعهود قادمة.
الجالية في #السودان
بعيدا من هذه الأجواء برز قلق جديد على مصير الجالية اللبنانية في السودان وتحديدا في الخرطوم وسط اندلاع الاعمال الحربية التي تتهدد سلامة افرادها . وقد وجّهت امس سفيرة لبنان لدى السودان ديما حداد نداءً مشيرة الى أن “حدة الاشتباكات اشتدت وخصوصًا قرب مطار الخرطوم ويتم استخدام الأسلحة الثقيلة وحصل تدمير كبير للمطار وكلنا محاصَرون”. ونقل عن مصادر في وزارة الخارجية والجالية اللبنانية في السودان أن المبنى الذي تسكن فيه السفيرة اللبنانية في السودان إلى جانب سفراء أوروبيين تعرض للقصف امس . وتم إجلاء عدد من اللبنانيين في الخرطوم كما أن السفارة اللبنانية في السودان على تنسيق مع السفارة الفرنسية للمساعدة في إجلاء اللبنانيين من السودان مع الفرنسيين في حال نجحت عملية الإجلاء، كما تم التواصل مع جميع اللبنانيين في السودان من السفارة ليؤمنوا لهم المساعدات المطلوبة. وحذرت مصادر وزارة الخارجية من وضع خطر في الأيام المقبلة، وفي حال لم يتم التدخل لفرض هدنة في البلاد لإجلاء المدنيين.