بما يشبه سكب المياه الباردة على الرؤوس الحامية، جاء النفي الفرنسي المفاجئ لدعم باريس ترشيح رئيس “تيار المردة” #سليمان فرنجية ل#رئاسة الجمهورية ليثير مزيدا من التخبط واللغط اللذين يطغيان على المشهد الداخلي واللذين كانت “النهار” اشارت اليهما امس كعلامة فارقة تواكب تصاعد “صراع الرهانات” في لبنان عقب الهجوم الارتدادي الذي تتولاه الجهات الداعمة لترشيح فرنجية منذ زيارته الأخيرة لبكركي واعلانه منها بيانه الترشيحي. واذا كانت التساؤلات الأولية تمحورت داخليا حول انعكاس “تبرؤ” باريس من أي تورط في دعم أي مرشح، كما اكدت الخارجية الفرنسية في موقفها المفاجئ امس، فان ثمة تساؤلات أخرى لا تقل أهمية ودلالة أثيرت لدى أوساط سياسية وديبلوماسية من ابرزها: لماذا تأخرت باريس الى البارحة في وضع حد حازم لتوظيف اسمها في السباق الرئاسي اللبناني ولم تبادر الى ذلك قبل الان؟ وهل ثمة عوامل خفية اصطدمت بها باريس بجدية حاسمة في اندفاعها نحو تسويق معادلة دعم ترشيح فرنجية في مقابل تعيين نواف سلام رئيسا للحكومة وقيام حكومة إصلاحية أدت الى نفيها الرسمي لدعم فرنجية ؟ والاهم ما هي حقيقة مواقف الشركاء الأربعة الاخرين ل#فرنسا ضمن خماسي الدول المهتمة والمتابعة للازمة الرئاسية اللبنانية وهي الى فرنسا الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، من “المبادرة” او الوساطة الفرنسية؟ وهل فعلا حصل أي تغيير إيجابي في الموقف السعودي من ترشيح فرنجية ام ان هذا الموقف لا يزال على تحفظه الثابت من لعبة الأسماء كلا ؟
بحسب التفسيرات الغالبة لبنانيا، يبدو الموقف الفرنسي نتيجة حذر شديد من توريط باريس في التوظيفات السياسية المضخمة التي سادت الساحة الداخلية في الأيام الأخيرة منذ اندفع الفريق المؤيد لفرنجية في تسويق وتعميم هجوم مضاد محوره الزعم بنجاح فرنسا في انتزاع مرونة متقدمة من السعودية حيال ترشيح فرنجية. اذ ان ذلك رتب محاذير على باريس ودورها ان لجهة الانعكاس السلبي على ما يدور حقيقة في كواليس المشاورات بين دول الخماسي، او لجهة “النقزة” المتعاظمة لدى جهات لبنانية عديدة تصنف تقليديا وتاريخيا في خانة أصدقاء فرنسا حيال ما باتت تراه هذه الجهات من انحياز وعدم موضوعية في الدور الفرنسي، وهو امر صار ينذر بعواقب غير مسبوقة على هذا الدور وفعاليته المحتملة. ويرجح ان تكون هذه المناخات وراء استدعاء باريس لسفيرتها في بيروت ان غريو في الأيام الأخيرة وتزويدها بتوجيهات جديدة قبل عودتها الى بيروت في الأيام القليلة المقبلة.
وفي أي حال يتعين انتظار مزيد من المعطيات والمعلومات لتبين الدوافع الكاملة وراء هذا الموقف وحقيقة المجريات التي تمر بها المشاورات المتصلة بملف الازمة اللبنانية. وفي هذا السياق كانت وزارة الخارجية الفرنسية اكدت أنّ باريس “ليس لديها أيّ مرشّح في لبنان” لرئاسة الجمهورية، وذلك بعيد حديث وسائل إعلام لبنانية عن دعم فرنسي محتمل للوزير السابق سليمان فرنجية لهذا المنصب الشاغر منذ ستة أشهر. وبحسب “وكالة الصحافة الفرنسية” قالت المتحدثة باسم الوزارة آن- كلير لوجاندر خلال مؤتمر صحافي امس: “على اللبنانيين اختيار قادتهم”، في إشارة إلى الرسالة التي بعثتها باريس في الأشهر الأخيرة. واكدت المتحدّثة أنّ “على الجهات اللبنانية تحمّل مسؤولياتها وكسر الجمود السياسي لانتخاب رئيس جديد بسرعة”، قائلة انّ الشغور “يلقي بظلاله أولاً على الشعب اللبناني”.
وأضافت: “يتعلّق الأمر بانتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة مع كامل الصلاحيات تكون قادرة على تنفيذ الإصلاحات التي يحتاجها لبنان والشعب اللبناني بشكل عاجل في مواجهة الأزمة الخطيرة التي يمرّان بها”. وأشارت الوزارة إلى أنّ فرنسا تجري “اتصالات كثيرة مع الجهات السياسية لبنانية”.
الاشتراكي والمعارضة
ولعل المفارقة اللافتة في اطار تطورات الملف الرئاسي تمثلت في مواقف توضيحية أيضا للحزب التقدمي الاشتراكي بعدما طاولته “الاجتهادات”، اذ اشار عضو كتلة “اللقاء الديموقراطي” النائب بلال عبدالله، إلى أن الحزب التقدمي الإشتراكي “لا يعبر عن الموقف السعودي، بل يعبر عن موقفه هو، وعندما يكون لدينا أي رأي سنقوله علناً وفي الوقت المناسب”، لافتا الى أنه “حتى الآن لا يوجد أي تغير في مواقف الدول في ما يخص لبنان، وللأسف هذا الأمر انعكس توتراً على الداخل”. وأكّد ردا على سؤال عن موقف الاشتراكي في حال بدلت المملكة موقفها من سليمان فرنجية، أن “اللقاء الديموقراطي يملك ما يكفي من الجرأة والشجاعة لإتخاذ القرار المناسب”.
وفي هذا السياق اصدرت مفوضية الإعلام في الحزب التقدمي الإشتراكي بيانا تعليقاً على تقارير تناقلتها بعض وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية ونسبت كلاما الى النائب وائل أبو فاعور عن الموقف السعودي وترشيح فرنجية، فأعلنت “ان النائب وائل أبو فاعور لم يُدلِ بأي تصريح ولم يُجرِ أي حديث عام أو خاص حول الموقف السعودي من انتخابات رئاسة الجمهورية، وبالتالي فإن ما ذُكر حول هذا الأمر غير صحيح”.
في المقابل اعلن امس النائب ميشال الدويهي، أن “إسم صلاح حنين هو الأكثر نضوجاً بالنسبة للمعارضة، وهو كان مدرجاً ضمن سلة أسماء نواب التغيير، وهو الإسم الذي يجمع أحزاب “القوات اللبنانية ” والإشتراكي و”التغييريين” والكتائب وعدد من النواب المستقلين”. ولفت الى أن “المعارضة هي مجموع النواب الذين يعارضون وصول رئيس من محور معيّن ويضعون شروطاً حول المواصفات المطلوبة”. واشار الى أن “في حال رأينا أن مقاطعة جلسات الإنتخاب ستمنع المزيد من الإنهيار فسنأخذ قراراً بشأنها”.
مناشدة ميقاتي
وفيما تبدأ اليوم عطلة عيد الفطر وتمتد الى الثلثاء، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال #نجيب ميقاتي في بيان تهنئته اللبنانيين بالعيد “إننا نجدّد في هذه المناسبة أملنا وثقتنا بأنه بتعاوننا، نحن اللبنانيين، يمكننا التغلّب على الصعوبات والمشكلات الكثيرة التي نعاني منها”. وجدد مناشدته الجميع، “في هذه الايام المباركة، باعطاء الاولوية لانقاذ وطننا مما يعاني منه وتجاوز الخلافات السياسية والاختلاف المشروع في وجهات النظر، لاعادة الدور الى المؤسسات الدستورية وتحصين بنيان الدولة، وهذا هو المدخل الصحيح للانقاذ”.
على الصعيد المعيشي أعلنت الهيئات الإقتصادية امس “رفضها المطلق كل ما يتم تداوله حول زيادة بدل النقل اليومي الى 450 ألف ليرة للعاملين في القطاع الخاص”، معتبرة أن “زيادة بدل النقل اليومي الذي تم إقرارها في إجتماع لجنة المؤشر الاخير وإعتماد 250 ألف ليرة يومياً هو بدل عادل ويلبي مطلبات الإنتقال الى العمل”. وذكرت “أنها هي أول من بادر الى إقتراح زيادة بدل النقل اليومي إستجابةً لمتطلبات انتقال العمال الى العمل، مشيرة الى أن سلة الزيادات على الأجور والتقديمات (إستشفاء منح التعليم وغيرها) التي تم إقرارها للعمال والموظفين في القطاع الخاص في الفترة الماضية هي مستدامة وليست آنية وأكبر بكثير مما تم إعطاؤه للقطاع العام. كما أنها الزيادات على الأجور تدخل في صلب الراتب خلافاً لما هو معمول به في القطاع العام”.
وبالنسبة لزيادة الدولار الجمركي، طالبت الهيئات الإقتصادية “بعدم زيادة الدولار الجمركي الى ما يوازي دولار منصة صيرفة، والتوقف عند سقف الـ60 ألف ليرة، لإعطاء الوقت الكافي لدراسة أثر زيادة الدولار الجمركي من 45 ألف ليرة الى 60 ألف ليرة ومن ثم النظر في إمكانية زيادته مرة جديدة بعد أقل من 15 يوماً”.