كما لو ان الاستحقاق الرئاسي بدأ البارحة وليس قبل عشرة اشهر من ضمنها المهلة الدستورية لشهرين، ومن ثم الفراغ الرئاسي المتمادي في شهره الثامن، بدا المشهد السياسي امس اشبه باستنفار غير مسبوق على مستوى القيادات الحزبية والكتل النيابية بما يعكس بلوغ الاحتدام والاحتقان ومناخ المبارزة سقوفا غير مسبوقة عشية انعقاد الجلسة الثانية عشرة لانتخاب رئيس الجمهورية قبل ظهر اليوم. واستوقف المراقبين والبعثات الديبلوماسية المتوثبة لمتابعة مجريات الجلسة وما اذا كان يمكن ان تشهد مفاجأة مدوية هي واقعيا مستبعدة استبعادا كاملا، ان الساعات الأخيرة شهدت ما يمكن وصفه بالفرز الأكبر والاوسع للكتل والنواب منذ بدء الازمة الرئاسية، وهو فرز اتاحه وفرضه الاصطفاف الأكبر غير المسبوق حول المرشحين الحصريين رئيس “تيار المردة” الوزير السابق #سليمان فرنجية ورئيس دائرة الشرق الأوسط واسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي الوزير السابق جهاد ازعور. ذلك انه لولا كتلة نيابية محدودة “رمادية” او محايدة متفرقة الاتجاهات ظلت أصوات نوابها بلا حسم، لكان الفرز بين فرنجية وازعور طاول جميع النواب بلا استثناء، الامر الذي حمل دلالات قوية للغاية حيال حدة معركة يسلم الجميع بانها لن تنهي ازمة الفراغ، بل قد تفتح مسالك اشد تعقيدا في الازمة ولكن ما سيحصل اليوم سيكون بمثابة حسم معنوي وسياسي بالنقاط من خلال عدد الأصوات التي سيحصدها كل من المرشحين.
وقبيل ساعات من انعقاد الجلسة لم يعد ثمة شك استنادا الى اكتمال معظم الرصد لمواقف الكتل والنواب في ان البوانتاجات أعطت ازعور ارجحية مثبتة على فرنجية، ولو ان الجزم النهائي بالاعداد ظل صعبا لعدم القدرة على اثبات الوجهة النهائية لتصويت كتلة المترددين وغير المؤيدين للمرشحين فرنجية وازعور من جهة، كما لبقاء هامش غير قليل امام احتمال “تفلت” نواب من التزام التصويت لازعور ومنهم تحديدا “الخمسة المتمردين” او اكثر ربما داخل “تكتل لبنان القوي” الذين وجه اليهم رئيسه النائب جبران باسيل مساء امس تحذيرا واضحا حيال ضرورة التزام قرار قيادة “التيار الوطني الحر” والا اتخذت بحقهم الإجراءات اللازمة. ودارت الترجيحات الغالبة مساء على ارجحية ان يتجاوز عدد المصوتين لازعور 60 صوتا ( ذهب بعض مؤيديه الى توقع 63 ) في مقابل 45 الى 48 صوتا لفرنجية. وسواء تطابقت هذه الترجيحات مع عملية التصويت ام حصلت فروقات ملحوظة عنها فالثابت ان تقدم ازعور سيسجله المرشح الأول المتقدم بمثابة “رئيس بالنقاط” غدا في الدورة الأولى التي لن تليها دورة ثانية من شأنها ان تحمله او تحمل فرنجية في حال انقلاب الأمور، الى الرئاسة الأولى، علما ان ما بعد نتائج هذه الجلسة سيكون ثمة ميزان قوى نيابي جديد من شأنه ان يترك تداعيات ثقيلة على الفريق الداعم لفرنجية الا اذا كان هذا الفريق نجح في توفير مفاجأة في تقليص الفارق في الأصوات بين فرنجية ومنافسه .
باسيل
وفي مواقف القيادات السياسية برز اعلان النائب جبران باسيل “اننا لن نكون جزءاً من أيّ صراع له طابع تحريضي وهمّنا إنهاء الفراغ وانتخاب رئيس للجمهوريّة مع علمنا أنّ هذا ليس كلّ الحلّ إنّما جزء منه”، مؤكّداً “أننا خارج أي اصطفاف داخلي أو خارجي ولسنا ضمن أيّ محور، واختلافنا مع حزب الله هو حول بناء الدولة وموضوع الشراكة الوطنية وسّع هذا الخلاف”. وأضاف “قرّرنا أن نكون على علاقة جيّدة مع قوى المواجهة من دون تحالف لأنّنا متّفقون على كثير من الأمور السيادية والإصلاحية ولكن نختلف معهم حول المقاومة، ولا نريد أبداً أن نكون باصطفاف سياسي معهم ضد حزب الله.. في الإنتخابات الرئاسية قلنا لا للممانعة ولا للمواجهة وإذا اخترنا مرشّحاً هل نتحوّل إلى جواسيس؟”. وتابع: “وافقنا على أزعور لأنّه غير مستفزّ وليس مرشح تحدٍّ لأحد” وأشار الى “اننا نتفهّم أن تكون لدى عدد من نوّابنا تحفظات وقرّرنا الخروج من خيار الورقة بيضاء واللاخيار وسنسعى لمحاولة تغيير موقف حزب الله من مرشّحه كما سنسعى مع الكتل المسيحية برعاية البطريرك لتأمين لمرشّحنا الحيثية المسيحية والوطنية وقرّرنا أن ندعم الوزير السابق #جهاد أزعور”. كما أكّد “أنّنا منفتحون على الحوار قبل جلسة الغد وبعدها، ومدركون ألا رئيس إلا بالحوار والرئيس من دون برنامج ليس حلاً ولا نريد كسر التفاهم مع حزب الله ولو أنه لا يزال قائماً على “إجر وحدة”، مشدّداً على أنّه “ليس من مصلحة أحد تطيير جلسة قبل بدايتها أو طرح إشكاليات في بدايتها، ودعوا النتيجة الفعلية تظهر غداً كي نبني على أساسها في ما بعد الحوار”. وطالب باسيل “الثنائي” بـ”وقف التدخّل في شؤون التيار الداخلية وتحريض عدد من المسؤولين والنواب في التيار على خيارات مختلفة”، واصفاً هذا الأمر بأنّه “منافٍ للأخلاق”.
بدوره شدد تكتل “الجمهورية القوية” على “ضرورة أن تكون جلسة 14 الجاري، الجلسة النهائية التي تُفضي إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية”، محملا “كل مَن يُفقِد النصاب مسؤولية استمرار الشغور وانعكاساته على البلد على الصعيدين المالي والسياسي” . وجدد التأكيد على قراره السابق بالتصويت للمرشّح أزعور داعيا نواب المعارضة جميعهم ، إلى التصرُّف بحكمة ومسؤوليّة لإنجاز الاستحقاق في هذه الجلسة بالذات ، بدلاً من الاستمرار في الفراغ الرئاسي إلى ما شاء الله”.
من جهته توجه رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل الى النواب قائلا “خياركم سيحدد مسار المرحلة المقبلة،على الرغم من ان جهاد أزعور يتمتع بكل المواصفات المطلوبة في هذه المرحلة، المهم هو أن نعي جميعا أن القرار هذه المرة بأيدينا وليس أكبر منا وليس خارجياً. التصويت “لمرشح المقاومة” كما سمّاه محمد رعد بالأمس، هو تكريس هيمنة حزب الله على لبنان. التصويت لجهاد أزعور هو تعبير عن رغبتنا بصناعة مستقبلنا ومؤسساتنا واقتصادنا بعيداً عن العنف والفرض وتحت سقف الدستور. أما حرق الاصوات إن كان عبر أوراق بيضاء أو إسم خارج السباق فهو سيصب في خانة من يحاول أن يسخّف حجم انتفاضة نواب لبنان على واقع بلدهم.”.
موقف فرنسي
الى ذلك وفيما يعقد المبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى لبنان اجتماعا تنسيقيا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا الجمعة قبيل توجهه الى لبنان مطلع الأسبوع المقبل، اجرى رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي مع سفيرة فرنسا آن غريو جولة افق تناولت الاوضاع في لبنان والمنطقة، والزيارة المرتقبة للموفد الرئاسي الفرنسي. واستبقت باريس الجلسة اليوم ودعت لبنان إلى اغتنام فرصة الجلسة البرلمانية للخروج من الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد منذ الخريف. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية آن-كلير لوجندر في مؤتمر صحافي إن فرنسا تدعو “إلى أخذ هذه الجلسة على محمل الجد واغتنام الفرصة التي توفرها للخروج من الأزمة”. وشدّدت على أن بلادها “تواصل الدعوة للخروج من الأزمة منذ ثمانية أشهر”. وأكدت أن وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا ستلتقي الجمعة سلفها جان-إيف لودريان الذي عيّنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل بضعة أيام “مبعوثا خاصا إلى لبنان”. وأشارت إلى أن الوزيرة ستطلع لودريان على فحوى الاتصالات الأخيرة مع مسؤولين لبنانيين. وأضافت لوجندر أن الوزيرة ستستقبل لودريان للبحث في “مهمته المحددة”، مشددة على أن الأمر ينطوي على “متابعة جهودنا من أجل خروج عاجل من الأزمة اللبنانية وهذا الأمر يعكس الأولوية التي تعطيها الدبلوماسية الفرنسية لهذه المسألة”. وشدّدت أيضا على أن لودريان سيضطلع بالمهمة الموكلة إليه “بتنسيق وثيق وبالتشاور” مع وزارة الخارجية.
وأشارت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية إلى أن أي موعد لزيارة لودريان المرتقبة إلى لبنان لم “يبلّغ” بعد.
ولدى سؤالها عن إمكان عقد مؤتمر من أجل لبنان في باريس، قالت لوجندر إنه “يتعيّن علينا في بادئ الأمر أن نجري تقييما للجلسة البرلمانية التي ستعقد غدا (اليوم)”.
نولاند وبري؟
وفي اطار المواكبة الخارجية للجلسة تحدث تقرير اعلامي عن أن وكيلة وزارة الخارجية الأميركية فكتوريا نولاند اتصلت برئيس مجلس النواب نبيه برّي، وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية حصول الاتصال من دون الإدلاء بكثير من التفاصيل لكن ما تسرّب يشير إلى أن المسؤولة الرقم ثلاثة في الخارجية الأميركية دعته إلى قيادة العملية الانتخابية مشددة على أن الولايات المتحدة تتمنّى أن يحدث هذا الأمر بدون عراقيل. وكان بري في الاتصال متفائلاً بأن العملية الانتخابية ستحصل، ولم يتضح إن كان التزم بمتابعة الجلسات الانتخابية من دون فقدان النصاب، أو إن كان التزم بعقد الجلسات الانتخابية إلى أن تصل إلى نتيجة.
#مجلس الوزراء
على صعيد آخر، رأس ميقاتي بعد الظهر في السرايا جلسة لمجلس الوزراء وذلك لاعداد ورقة لبنان الى مؤتمر بروكسيل للنزوح السوري، وتم اقرار العقد بالتراضي في تعيين المحاميين ايمانويل داوود وباسكال بوفيه في القضية المقدمة من الدولة الفرنسية ضد حاكم مصرف لبنان في قضية السيدة الاوكرانية انا كاساكوفا. وتحدث ميقاتي في بداية الجلسة فأكد “ان جلستنا تنعقد في اجواء سياسية محمومة وضاغطة عشية انعقاد مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية، وكلنا أمل جميعا بأن تتم العملية الديموقراطية بطريقة صحيحة وينتخب رئيس للجمهورية، ولكن للاسف فان المعطيات الظاهرة توحي بعكس ذلك، وتؤشر الى استمرار التباينات بين اعضاء المجلس والكتل النيابية، وبالتالي استمرار المراوحة السلبية التي تمنع اكتمال عقد المؤسسات الدستورية بانتخاب رئيس للجمهورية.أمام هذا التحدي الكبير علينا أن نمضي في العمل لمعالجة الملفات الاساسية وتسيير عجلة الدولة ،ضمن الامكانات المتاحة، ونسعى بشكل اساسي الى مساعدة العاملين في القطاع العام على تمرير هذه المرحلة الصعبة”.