خلافا لمعظم الانطباعات او الطموحات الداخلية التي تنتظر “بتشوق” من المحادثات الفرنسية السعودية اليوم في باريس تطورا ما جديدا في شأن الازمة الرئاسية اللبنانية، بدا المحور الأكثر استقطابا للاهتمامات المحلية والخارجية الذي دارت حوله الحسابات العميقة غداة نتائج الجلسة الثانية عشرة لانتخاب رئيس الجمهورية متصلا بما بعد هذه الجلسة لجهة احتدام الصراع بين الفريقين الداعمين لكل من المرشحين جهاد ازعور و#سليمان فرنجية. وإذ بدا لافتا ان الماكينة السياسية والدعائية للفريق “الممانع” راحت تركز على التشكيك في صمود القوى “المتقاطعة” حول ترشيح ازعور وركزت حملاتها على ما اعتبرته “نصرا” للفريق الداعم لفرنجية الذي نال 51 صوتا ولكون رصيد ازعور لم يتجاوز عتبة الستين صوتا مع نيله 59 صوتا، برزت في الساعات الأخيرة معالم جدية حيال موقف متطور ومتقدم جديد للقوى الداعمة لازعور من شأنه ان يؤثر في إعادة النظر في مجمل الحسابات السياسية الانتخابية حيال المرحلة المقبلة .
ذلك ان مصادر سياسية وحزبية ومستقلة متعددة لدى القوى الداعمة لازعور “تقاطعت” في تأكيداتها لـ”النهار” بان النتيجة “المشجعة للغاية” التي حققها ازعور في الجلسة، بحسب وصفها، دفعت القوى والنواب الذين التقوا وتقاطعوا على ترشيحه الى التوافق الثابت على المضي قدما في الالتفاف والاستمرار في المعركة المفتوحة سعيا الى انتخابه وفرض هذا التحالف داخليا وخارجيا. وكشفت هذه المصادر ان يوم امس شهد اتصالات ومشاورات مباشرة وغير مباشرة كثيفة بين مختلف قيادات القوى الداعمة لترشيح ازعور والنواب التغييريين والمستقلين الذين دعموه افضت الى تفاهم اكثر رسوخا من أي وقت سابق على الاستمرار في المعركة. بل نقلت المصادر عن مراجع في القوى الداعمة لازعور ان النتيجة التي حققها في الجلسة الثانية عشرة حولت عملية دعمه من “تقاطع ” الى “تحالف” حول شخصه وبرنامجه الانقاذي الذي تحقق على أساسه التفاهم حول ترشيحه .
ولعل ما حفز أيضا تثبيت “التحالف ” حول ازعور هو ان مصادر ديبلوماسية اعتبرت ان الرقم 59 ليس امرا سيئا من اجل اقناع ازعور لكي يبقى مرشحا ولا ينسحب. فالمعركة الانتخابية لم تنته ولو لم تعقد الدورة الثانية واذا انسحب ازعور فان ذلك يعني ان فرنجيه سيستمر وحده علما ان الجلسة الانتخابية لم تكن نتيجتها حاسمة وتسمح للطرفين بمواصلتها كل من جهته كما تسمح للبعض بافتراض ان التوازن لا بل ترجيح كفة الخصوم للثنائي الشيعي تسمح بالذهاب الى تصفير العداد الرئاسي والذهاب الى مرشح ثالث. ثم ان تجربة التقاء القوى المسيحية على رفض المعادلة التي اقترحتها فرنسا كانت مهمة جدا وادت بحسب اخر المعلومات الى تراجع باريس عنها بحيث تخلت اذا امكن القول عن دعم فرنجيه على قاعدة ان المسيحيين لا يوافقون على ذلك وليس من المفروض ان تكون هناك صفقة ضد التوجه المسيحي في البلد . وتاليا فان التقاء القوى المعارضة مع التيار العوني على رغم التضعضع في صفوفه من شأنه ان يبقي التأثير الداخلي وعلى الخارج قائما. اذ ان باريس تراجعت خارجيا فيما اربك التقاء القوى الثنائي الشيعي الذي خاض مغامرة صعبة لتجميع الاصوات لفرنجيه فيما ان النتيجة النهائية في الدورة الاولى لم تكن لمصلحة الأخير.
واليوم سيكون يوما فرنسيا مهما بالنسبة الى الملف اللبناني من خلال محطتين ستشكلان مرحلة جديدة في ازمة الفراغ الرئاسي . فمن جهة يطرح الملف اللبناني في اللقاء الذي سيجمع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مع ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان في قصر الاليزيه حيث سيتشاوران في العديد من الملفات ذات الاهتمام المشترك ومنها الملف اللبناني. ومن جهة اخرى سيشكل الاجتماع الذي سيعقده المبعوث الرئاسي الى لبنان جان ايف لودريان مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا انطلاقة لمهمته حيث سيحدد اللقاء العناوين الكبرى التى سيتناولها لودريان خلال محادثاته مع الافرقاء اللبنانيين ومع اللاعبين في الخارج الذين يولون الملف اللبناني اهتمامهم. وافيد ان السفير السعودي في لبنان وليد بخاري التقى امس المستشار الفرنسي باتريك دوريل للتباحث بشأن الاستحقاق الرئاسي، عشية توجه لو دريان الى بيروت في الاسبوع المقبل.
قوى المعارضة
اما المؤشر الاخر الى ثبات التحالف المؤيد لازعور في معركة ترشيحه فبرز امس أيضا من خلال البيان الذي أصدره نواب قوى المعارضة وشددوا فيه على ان “الجلسة الانتخابية بالأمس اثبتت بدون أدنى شك، أن الغالبية الكبرى من ممثّلي الشعب اللبناني ترفض بوضوح المرشح المفروض من فريق الممانعة”. واعتبروا ان “الدورة الثانية التي لطالما عمل رئيس المجلس وفريقه السياسي على منع انعقادها، لو قدّر لها أن تُعقد بالأمس، لكان لدينا رئيس منتخب للجمهوريّة اللبنانيّة إسمه #جهاد أزعور. ولكن سياسة الفرض ومنطق الهيمنة ونهج التعطيل، أساليبٌ وأدواتٌ إحترفها فريق الممانعة منذ سنواتٍ وخصوصًا منذ أن أحكم قبضته على كامل مفاصل الدولة”.
واكد نواب قوى المعارضة “إن منطق التعطيل والفرض هو تحديدًا ما نواجهه وقد تلقّى هذا المنطق صفعة مدوية جرّاء نتيجة التصويت بالأمس ..واننا نؤكد استمرارنا في دعوة الجميع إلى التلاقي على ترشيح جهاد ازعور، وإنّنا كما سبق وأعلنّا، نكرّر أنّه المرشّح الذي تنوي المعارضة التقاطع عليه بهدف إيصاله إلى سدّة الرئاسة من أجل إطلاق مسيرة الإنقاذ المطلوبة وإعادة إحياء المؤسسات”.
رواتب ومودعون
على صعيد آخر، وفي ظل الشغور، دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري، إلى جلسة عامة تشريعية الاثنين المقبل. وفي انتظار تحديد جدول اعمالها وابرزها فتح اعتمادات لصرف رواتب موظفي القطاع العام، أعلنت وزارة المال في بيان تحويل المساعدة الموقتة للعسكريين والتي تُعادل ثلاثة رواتب عن شهر أيار، وللمتقاعدين عسكريين ومدنيين التي تعادل ستة معاشات عن شهري أيار وحزيران، أما بخصوص العاملين في الإدارة العامة فسيتم تحويل المساعدة تلك، اعتباراً من يوم غد الجمعة 16/6/2023 .
وسط هذه الاجواء، تحرّكت امس جبهة المودعين من جديد في شكل مفاجئ. فقد أقدم عدد من المحتجّين على تحطيم الواجهات الزجاجية لبنك عودة وبنك بيروت وبنك بيبلوس في سن الفيل، وأشعلوا الإطارات عند مداخلها. وحضرت قوة من الجيش إلى المكان، حيث حاول بعض المحتجّين قطع الطريق. وحصل تدافع بين المحتجّين وعناصر الجيش بعد محاولة منعهم من تحطيم الواجهات. وتجمّع عدد من المودعين تلبية لدعوة جمعية #صرخة المودعين، أمام جامع الأمين وسط بيروت، رافعين شعارات مندّدة “بأي انقضاض على قضيتهم”، وشارك وزير المهجرين في حكومة تصريف الاعمال عصام شرف الدين أيضًا في هذا الاعتصام.