اكتملت مساء امس الجولة الأولى من مهمة الموفد الرئاسي الفرنسي الى لبنان الوزير السابق جان ايف #لودريان التي شملت في ايامها الثلاثة كل أطياف القوى الداخلية والكتل والمجموعات النيابية والنواب المستقلين على نحو شكل “مسحاً” واسعا شبهه البعض بـ”سكانر” سياسي من شأنه ان يضع الصورة الاحدث والأكثر تفصيلا للواقع السياسي اللبناني في ظل اقتراب لبنان من طي الشهر الثامن من ازمة الفراغ الرئاسي .
ومع انه لم تطرأ أي عوامل من شأنها تبديل صورة المهمة “الاستطلاعية” للموفد الرئاسي الفرنسي التي ارتسمت عناوينها العريضة في اليومين الاولين من زيارته، فان الطابع المركز والواسع للقاءات التي اجراها، تجاوزت في العمق الطابع الاستطلاعي وحده لتترك انطباعات عدة بان جولة كهذة لن تقتصر أهدافها على تجميع المواقف واستكشاف الاتجاهات والنيات، بل ان ثمة ما ستعد له باريس لمرحلة ما بعد الجولة الأولى وانما بالتنسيق والتواصل مع شريكاتها في مجموعة الدول الخمس المعنية بمتابعة الازمة اللبنانية والتي اجتمعت في باريس وهي الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر التي يفترض ان يكون لودريان اجتمع امس مع سفرائها وممثليها في بيروت ووضعهم في خلاصات مهمته وجولته الراهنة في بيروت.
كما ان الكثير من المعطيات التي توافرت حول مضامين المحادثات والحوارات التي دارت بين لودريان والمسؤولين والنواب الذين التقاهم، لا تبقي الجولة في مجرد اطار استطلاعي وطرح أسئلة وتلقي أجوبة، اذ ثمة مواقف بارزة كان الموفد الفرنسي يطلقها بين الحين والأخر ولو انه حرص على الا تطغى على مهمته الاستطلاعية. ولعل من ابرز هذه المواقف ما نقل عن لودريان تحذيره في لقاءات عدة من انه اذا لم تحصل خروق للازمة الرئاسية والسياسية، فقد يتمدد الشغور الرئاسي الى سنة وربما الى نهاية ولاية البرلمان الحالي مع اشارته الى ان الوضع في لبنان لم يعد يحتمل كل هذا الانتظار ولا يمكن انتخاب رئيس من دون حدوث توافق.
وأشارت المعلومات الى ان لودريان سيعود الى بيروت في تموز المقبل بعد ان يعد تقريره للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، كما انه سيزور السعودية ويتناول معها ازمة الرئاسة اللبنانية مع الخلية المواكبة لهذا الملف في حلقة ولي العهد الامير محمد بن سلمان التي رافقته في زيارته الاخيرة الى باريس . كما سيزور الدوحة للغاية نفسها علما ان المعطيات لا تزال تؤكد دعم قطر لترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون .
وفي السياق المتصل بالمرشحين الرئاسيين، أفادت معلومات ان لودريان لم يخف في لقائه مع رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية تأييد باريس له، ولكنه توقف عند الصعوبات التي تعترض فرنسا وهي ليست سهلة لدى المجموعة الخماسية والمجتمع الدولي في تسويق فرنجية على اساس ان الطريق ليست معبدة امامه. ولم يفهم من هذا الكلام ان باريس تراجعت عنه لكنها اوضحت بوضوح لفرنجية ان عملية انتخابه غير متوفرة بواسطة الطريقة المفضلة التي لم تؤد المطلوب حتى الان .
وأكدت هذه المعلومات ان لا توجه لدى الموفد الفرنسي لرعاية بلاده مؤتمرا حواريا يجمع رؤساء الكتل على غرار اتفاق الدوحة او سان- كلو. وهو ركز على اهمية تغليب انتخاب رئيس الجمهورية وان هذا الاستحقاق هو اهم من الدخول في عملية اصلاح النظام السياسي الان. وعلمت “النهار” ان الموفد الفرنسي اوحى امام اغلب من التقاهم انه ينطلق من الصفر وستكون هذه اللقاءات هي اساس للانطلاق من جديد.
اليوم الثالث
لقاءات لودريان في اليوم الثالث من زيارته بمعظمها جرت في قصر الصنوبر . وفي هذا السياق عرض النائب ميشال معوض للموفد الفرنسي المعطيات التي “أفضت الى قبول المعارضة بمرشح تلاقٍ وسطي، كما عرض على الجانب الفرنسي خريطة طريق للحل تنطلق من حث الجميع على احترام الدستور والآليات الديموقراطية والذهاب فورًا الى المجلس النيابي والتصويت بدورات متتالية حتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية”. وافيد ان معوّض وزميليه اشرف ريفي وفؤاد مخزومي شدّدوا خلال اللقاء على “ضرورة أن تكون الجلسات مفتوحة لانتخاب رئيس للجمهوريّة وأنّهم مستمرّون بالتصويت للوزير السابق جهاد أزعور”.
والتقى لودريان رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل والنائبين نديم الجميل وسليم الصايغ . وبحسب المعلومات فان رئيس حزب الكتائب اعاد تأكيد كل مواقفه السابقة وشدد على ان “المرشح جهاد ازعور ليس مرشح احد من فريقنا، ويعتبر مرشحا توافقيا بامتياز”. وشدد على ان عدم قبول “حزب الله” بأزعور هو بمثابة رفض لأي تسوية مع الاخرين، “وبذلك وضعونا بموقع اما الاستسلام او الصمود، وهم يخيروننا بين الاستسلام او الفراغ”، وبالتالي أكد امام لودريان “ان هذه المعادلة اذا تم وضع النواب امامها ستؤدي حتماً الى انتصار الفريق الذي يطرحها، فإذا خيّرت النواب بين مجموعة من المرشحين بالطبع سيختار كل منهم مرشحه، اما حين تخيرهم بين مرشح محدد والفراغ فحتماً هناك من سيفضل المرشح ويهرب من الفراغ وبالتالي اصبح هذا الاسلوب هو استنزاف للفريق الآخر لفرض مرشحهم، مع العلم ان الرئيس هو مسيرة 6 سنوات، فالرئيس المفروض من “حزب الله” يعني لا اصلاحات ولا انطلاقة اقتصادية جديدة”.
كما استقبل لودريان نوابا تغييريين هم ابرهيم منيمنة وحليمة قعقور وميشال الدويهي وبولا يعقوبيان ووضاح الصادق وياسين ياسين واستبقاهم الى مائدة غداء. واوضح الصادق ان الوفد نقل “وجهة نظرنا حول الانتخابات الرئاسيّة اللبنانيّة وضرورة ان يكون الرئيس محل ثقة اللبنانيين ومدافعًا عن تطبيق الدستور، يملك رؤية اصلاحيّة شاملة ويتطلّع الى لبنان سيادي”. ونقل عن الموفد الفرنسي ان “فرنسا ليست طرفًا ولا تملك مبادرة او مرشحًا، وهو يزور لبنان ليستمع الى مختلف الاطراف، في محاولة لكسر الحاجز وايجاد حل مبني على الاصلاح. واكد ان التغيير بحاجة الى وقت وان وصول 12 نائبًا تغييريًّا هو بداية ممتازة خلال هذه الفترة الانتقاليّة، ونبّه الى أن الاجنده الدوليّة اليوم خالية من لبنان ولم يعد احدًا متحمّسًا للمساعدة”. وأشارت معلومات الى أن قعقور “اعتبرت أن الاصطفافات الطائفية الداخلية تتماهى مع المحاور الاقليمية وباتت تعزز الهواجس والتطرف في الداخل لدرجة ان الاصوات المطالبة بالتقسيم على اساس الطائفة تعلو”.
وخلافا للترويج عن فتور بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ولودريان، حضر جنبلاط برفقة نجله رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب تيمور جنبلاط الى قصر الصنوبر والتقيا لودريان . وغرّد جنبلاط عبر “تويتر”، قائلاً: “لقاء ودّي وصريح مع المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الوزير السابق جان إيف لو دريان بحضور سفيرة فرنسا آن غريو”. وكشفت مصادر “اللقاء الديموقراطي” انه جرى الحديث خلال لقاء جنبلاط مع لودريان، عن ضرورة تنشيط الحوار الجدي للتوصّل الى التوافق على رئيسٍ للجمهورية، يُجمع عليه كافة الاطراف السياسيين، ولم يتم نقاش اسماء رئاسية.
وزار لودريان عصرا قائد الجيش العماد جوزف عون في اليرزة بحضور السفيرة الفرنسية آن غريو “وبحثا في الوضع الأمني ووضع المؤسسة العسكرية، إضافة إلى الشأن السياسي العام”. ثم التقى عقب عودته الى قصر الصنوبر النائب فيصل كرامي فالنائب احمد الخير فالنائب عبد الرحمن البزري .
بري
ومساء امس قال رئيس مجلس النواب #نبيه بري، أنه “غير صحيح ان الموفد الفرنسي جان إيف لودريان طوى صفحة المبادرة، وغير صحيح أنه تخطى رئيس تيار المردة سليمان فرنجية”، معتبرا أن “لودريان أعطى فرنجية اشارة لتمييزه عن غيره بدعوته الى الغداء”. وأشار بري، في حديث لمحطة “الجديد”، الى “أنني أبلغت لورديان بأسباب تمسكي وحزب الله بفرنجية واهمها أنه صادق وصريح ويلتزم بكلامه”، مؤكداً أنه “مستعد للمشاركة بأي حوار يُدعى إليه في المجلس النيابي عبر تكليف أحد من كتلة التنمية والتحرير”. وقال “غير الصحيح أن الولايات المتحدة تعرقل الرئاسة اللبنانية، وهي ستتعاون مع أي رئيس منتخب” . وأضاف “نشعر أن أميركا تفضل قائد الجيش أما السعودية فلا تزال على موقفها بعدم وضع فيتو على أي اسم.”
واكد ان: “النائب السابق وليد جنبلاط ليس بحاجة الى موعد والابواب مفتوحة له في اي وقت يريد”، مشدداً على أن “كل محاولات البعض لتحقيق الشرخ بيني وبينه باءت بالفشل ولن تنجح”.