لا تقتصر اسباب الجمود السياسي الذي غلب على المشهد السياسي وتحكم به بعد أيام معدودة من انتهاء مهمة الموفد الرئاسي الفرنسي الى لبنان جان ايف #لودريان على حالة الترقب التي ستسود البلاد في انتظار الخطوة التالية لفرنسا، اذا قررت المضي في “مغامرة” جديدة متكررة ، ولا أيضا على بدء العطلة الطويلة لمناسبة عيد الأضحى التي تمتد عمليا من اليوم الى مطلع الأسبوع المقبل، بل ان حقيقة الامر تبدو اشد تعقيدا من كل هذه الدوافع. فما يخفى علنا عن اللبنانيين على ألسنة جميع القوى السياسية وما يعتمل بقوة في كواليس الاتصالات المبعثرة التي تجري مباشرة او مداورة بين سائر افرقاء النزاع الرئاسي في البلد مماثل تماما لما حذر منه لودريان في الكثير من لقاءاته في بيروت لجهة التخوف من ان تتمدد ازمة الفراغ الرئاسي ليس الى نهاية السنة الحالية فقط بل ربما الى ابعد بكثير ما دامت الازمة ربطت ربطا محكما، بإرادة فريق معروف، بمشاريع التسويات والمقايضات الإقليمية على نحو واضح ومكشوف . وتبعا لهذا المناخ القاتم لا تترقب الأوساط المعنية بمتابعة مسار التحرك الفرنسي “نتائج خارقة” ولا مختلفة اختلافا كبيرا عما أدت اليه “المبادرة الأولى” في حال لم تحدث الجولة الأولى من مهمة لودريان إعادة النظر الجذرية في المقاربة الفرنسية باعتبار انه صار ثابتا لدى الفريق الرافض او المتحفظ عن تلك المقاربة ان فرنسا عرضت نفسها لانكشاف واسع من خلال انحيازها الى الفريق الحليف لإيران في لبنان فعجزت عن إرضاء هذا الفريق وخسرت الجهات التي تربطها بها علاقات تاريخية. واللافت ان هذه الأوساط لا تزال تبدي شكوكا في امكان حصول تبدل حقيقي تطلقه مهمة لودريان حتى انها تتساءل هل ستؤدي عودته من لبنان بكشف لعمق التعقيدات التي ساهمت فيها المقاربة الفرنسية نفسها الى “نفضة” فرنسية جديدة ام الى انسحاب هادئ اذا اقتنعت باريس انها وحدها، من دون السعودية وايران وواشنطن تحديدا، لن تقوى مجددا على المغامرة بمزيد من الخسائر والانتكاسات ؟ واما في الداخل السياسي اللبناني فلفتت الأوساط نفسها الى انه مع اقتراب بدء الشهر التاسع من ازمة الفراغ الرئاسي تتجه الازمة نحو جمود طويل المدى لن تتبدل فيه خارطة الفرز القائم رغم كل التجاذبات والمناورات السياسية والإعلامية بما بات يتخوف من خلاله بعض الجهات من استعادة متدرجة لتجربة الفراغ الطويل الذي سبق انتخاب الرئيس السابق ميشال عون ، وهو ما لا يبدو أي طرف قادرا الان على الأقل على اقناع المتخوفين بان ظروف الازمة الحالية لن تصل الى التماثل مع فراغ دام سنتين ونصف السنة.
عاصفة التقرير
ووسط هذا الواقع تتدرج ترددات الازمات القديمة والناشئة وكان آخرها امس اتساع الاصداء السلبية لاتهام وزارة المال بـاخفاء التقرير المتعلق بالتدقيق الجنائي في حسابات #مصرف لبنان بناء على بيان اصدره وزير العدل السابق والمستشار السابق للرئيس ميشال عون سليم جريصاتي، والذي لاقته امس جهات عدة من المعارضة بالإضافة الى التيار العوني . وسارع المكتب الإعلامي لوزير المال الى اصدار بيان أوضح فيه “ان ما تسلمته وزارة المال من شركة “الفاريز اند مارشال”، ما هو إلا مسودة عن التقرير الأولي للتدقيق الجنائي وما زال بصيغة غير نهائية، وقيد جمع إيضاحات حول بعض الاستفسارات”. ولفت الى ان دور وزارة المال في العقد مع شركة “الفاريز اند مارشال” “يقتصر بحسب أحكام العقد، على التنسيق بين مصرف لبنان وشركة التدقيق وليس أكثر. وعليه يكون التقرير ملكاً للحكومة اللبنانية وليس لوزارة المال، ما يستدعى معه أن تسلّم النسخة النهائية عنه عند جهوزها، إلى مجلس الوزراء، وبالتالي فإن التصرف بمضمونه يبقى من صلاحيات هذا المجلس”.
وكان رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان وجّه كتاباً الى وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف خليل يطلب فيه الحصول على نسخة من تقرير تدقيق شركة “الفاريز ومارشال”في حسابات مصرف لبنان.
وطلب “تكتل لبنان القوي” حكومة تصريف الاعمال بنشر التقرير الاولي الذي تسلمته وزارة المال من شركة الفاريز أند مارسال التي تقوم بالتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان “خصوصاً مع وجود معلومات عن وجود ارتكابات ثابتة في مجال الانفاق”. وحمّل التكتل، بعد اجتماعه الدوري برئسة النائب جبران باسيل، الحكومة مسؤولية عدم الاستجابة لطلب رئيس لجنة المال والموازنة بتسليمها نسخة عن التقرير في اطار الصلاحية الرقابية للجنة على اعمال الحكومة ووفقاً للمادة 32 من النظام الداخلي للمجلس النيابي. وأكد أنه “لن يتهاون مطلقاً في متابعة هذا الموضوع الذي بدأ بدفع من رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون ومواكبة من نواب التكتل لكشف المخالفات والارتكابات في حسابات المصرف المركزي”.
كما سأل نائب رئيس حزب “القوات اللبنانية” النائب جورج عدوان :” هل تسلم وزير المال تقرير التدقيق الجنائي في مصرف لبنان؟ وبأي تاريخ في حال استلامه؟ ولماذا لم يتم إرساله الى الحكومة والى المجلس النيابي ليبنى على الشيء مقتضاه؟ نتائج هذا التقرير تؤثر مباشرة على الشعب ومصلحة الدولة اللبنانية، والتأخير إذا حصل يرتب مسؤولية جسيمة: ننتظر الجواب”. بدوره، كشف رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل انه طالب وزير المال بتزويده نسخة من تقرير التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان “لنتمكن من القيام بعملنا التشريعي والرقابي وللمحاسبة على السياسات المالية والنقدية، بناءً على أرقام ومعطيات دقيقة ومحدّدة”.
خلافة الحاكم
وسط تفاعلات هذه القضية توافرت معطيات جديدة ل”النهار” تشير الى ان ملف خلافة حاكم مصرف لبنان #رياض سلامة بعد انتهاء ولايته في اخر تموز المقبل صار شبه محسوم لجهة تطبيق احكام قانون النقد والتسليف بمعنى تسلم نائب الحاكم الأول صلاحيات الحاكم بالنيابة الى حين تعيين حاكم جديد . وتفيد المعطيات ان “التحفظات ” التي كان الرئيس نبيه بري يبديها عن تسلم نائب الحاكم الأول وسيم منصوري والتي افصح عنها سابقا، لوحظ انها سحبت من دائرة التداول في الاسابيع الأخيرة . وتشير مصادر عين التينة في هذا السياق الى ان رئاسة المجلس “سبق ان ارسلت اشارات تنبيه وتحذير عن زهدنا بالامر واننا لانسعى اليه ، ولكن بما انه لم يعد هناك من خيارات ومسارب قانونية الا ان يتسلم النائب الاول للحاكم صلاحيات الحاكم فمعنى ذلك ان الامر قد قضي”. كما ان مصادر على صلة ب “حزب الله” تقول ان الكلام عن تعيين بديل لسلامة لاسبيل قانونيا لبلوغه وصار المطلوب في ظل عجز حكومة تصريف الاعمال عن التعيين تطبيق المادة 25 من قانون النقد والتسليف اي ان تنتقل صلاحيات الحاكم صلاحيات الى نائبه الاول . وثمة انطباع لدى هذه المصادر ان منصوري قد بدا يتعامل مع الامر وكانه حاصل ولذا اتت زيارته الى واشنطن. وتستبعد المصادر ان يكون لهذا الاجراء القانوني المرتقب اية تداعيات لانه سبق ان طبقت الالية القانونية نفسها عندما شغر منصب المدير العام للامن العام وتولاه ضابط مسيحي .
على صعيد آخر، وفيما انتفى أي تطور جديد حيال الازمة الرئاسية رد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع على دعوات “حزب الله” الأخيرة الى الحوار فلاحظ أن “آذان اللبنانيين قد صُمَّتْ في الآونة الأخيرة من دعوات البعض إلى الحوار ثمّ الحوار ثمّ الحوار في الوقت الذي يعي الجميع أنّ أصحاب هذه الدعوات المتكررة لم يكونوا يومًا أهل حوار، والدليل الأكبر على ذلك، تمسّكهم بوضعيّتهم غير الشرعية وغير القانونيّة رغم المطالبة الحثيثة لأكثرية اللبنانيين بوجوب إيجاد حلّ لهذه الوضعيّة، ولكن من دون جدوى” . وذكّر بعدم إغفال ما آلت إليه عشرات طاولات الحوار التي انعقدت في الأعوام الـ15 الأخيرة “والتي اسفرت كلّها الى الـ لاشيء وبالتالي إذا وضعنا جانبًا أنّ جماعة الممانعة ليست أصلاً أهل حوار وعدنا إلى مطلبها المكرَّر في هذه الأيام، فنحن لا نعرف حقيقةً عن أي حوار تتحدّث”. وسأل “بعد 8 أشهر من الفراغ الرئاسيّ كيف تصرّ على حوار للوصول إلى مرشح توافقي في الوقت الذي تؤكد فيه مرارًا تكرارًا بأنّ مرشحها الأول والثاني والأخير هو الوزير السابق سليمان فرنجيّة، وبالتالي ما الجدوى من حوار نتيجته معروفة سلفاً ؟”.