وسط تصاعد التعقيدات والضغوط المتصلة بملف العسكريين المحتجزين رهائن لدى التنظيمات الارهابية في جرود عرسال، وغداة مرور أربعة أشهر على ازمة الفراغ الرئاسي، اكتسبت اطلالة رئيس الوزراء تمام سلام على منبر الامم المتحدة مساء أمس دلالات معبرة شكلا ومضمونا من حيث حمل مختلف اوجه المعاناة والاخطار التي يشهدها لبنان الى المقام الدولي الارفع.
ومع ان الكلمة اتسمت باتساع المواضيع التي تعني لبنان داخلياً وخارجياً، فإن جوهرها الاساسي تركز على موضوع الارهاب الذي شكل المحور الاساسي للجمعية العمومية للامم المتحدة في دورتها التاسعة والستين، انطلاقا من تطورات المواجهة المفتوحة بين الجيش والتنظيمات الارهابية. وقال سلام مخاطباً الجمعية العمومية في هذا الاطار: “جئتكم حاملاً هموم بلدي لبنان الواقع في قلب منطقة تشهد أحداثاً هائلة والذي يتعرض لهجمة ارهابية شرسة من مجموعات اجرامية ظلامية”. وبعدما أشار الى جرائم قتل ثلاثة من العسكريين اللبنانيين اكد “ان ليس بين خياراتنا في هذه القضية خيار التراجع عن أي من ثوابتنا المتمثلة بتحرير العسكريين وحفظ هيبة الدولة وحماية امنها وسيادة اراضيها”. ورحب بالقرارات الصادرة عن مجلس الامن في مجال مكافحة الارهاب داعياً “جميع الأشقاء والاصدقاء في العالم الى صون لبنان وابعاده عن صراعات المحاور ومده باسباب القوة”. وأعلن ان “لبنان يعتبر الاعتداء على الاديان واتباعها اعتداء على الكرامة الانسانية”، لافتاً الى ان “لبنان يفخر بانه البلد الوحيد في العالم العربي والاسلامي الذي يتولى فيه رئاسة الجمهورية مواطن مسيحي وكان وما زال يشكل نموذجاً للتنوع في الشرق الاوسط ومثالا مناقضا لمفهوم الدولة العنصرية”. ثم اثار سلام قضية تدفق نحو مليون ونصف مليون من النازحين السوريين الى لبنان واصفا اياها بأنها “كارثة وطنية” داعياً المجتمع الدولي الى تحمل هذا العبء الهائل مع لبنان. وخلص الى القول: “فليكف العالم عن تعداد قتلانا ولينهض الى واجبه عاملا على ارساء السلام في هذه المنطقة المعذبة”.
مجموعة الدعم
وافاد مراسل “النهار” في نيويورك علي بردى ان مجموعة الدعم الدولية للبنان جددت مطالبتها بتحييد لبنان عن الحرب في سوريا، مرددة مطالبات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي – مون لجميع الزعماء اللبنانيين بـ”الدخول في حوار الآن وتقديم التنازلات الضرورية لانتخاب رئيس دون مزيد من التأخير”، واتخاذ القرارات المهمة اللازمة من أجل بلادهم وشعبهم.
وقال بان في اجتماع المجموعة الدولية لدعم لبنان: “في وقت مضطرب في المنطقة، لا يزال لبنان ملتزماً بقوة التعايش”، مضيفاً أن “القوات المسلحة اللبنانية، بدعم من اليونيفيل، تواصل الحفاظ على الهدوء عبر الخط الأزرق وتنفيذ قرار مجلس الأمن 1701”. لكن اللبنانيين “يواجهون أيضاً تزايد امتداد للأزمة السورية، بما في ذلك الهجمات وأعمال الإرهاب الوحشية من الجماعات المتطرفة، والتي ندينها”. وأشاد بأداء قوات الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية، مؤكداً أن “هناك حاجة ملحة الى زيادة قدراتها”. وأشاد أيضاً بتعهد السعودية تقديم مليار دولار دعماً لتجهيز الجيش، وبالمساهمات التي تبذلها الدول الأعضاء. وأكد أن الأمم المتحدة “ستواصل القيام بدورها، بما في ذلك من خلال تقديم الدعم لخطة التنمية الخمسية للجيش، والحوار الاستراتيجي والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب”. واضاف أنه “ما دامت المنطقة مشتعلة والحرب مستمرة في سوريا، يجب احترام حقوق اللاجئين وسلامتهم في لبنان وفقاً للمعايير الإنسانية الدولية”، مشدداً على أن “الضغوط على لبنان هائلة والعبء الذي تحمله يجب أن يكون مشتركاً” مع المجتمع الدولي.
ورحب “بحرارة” بتشكيل حكومة جامعة برئاسة رئيس الوزراء تمام سلام والتزامها المتواصل سياسة النأي بالنفس، قائلاً إن “التزامات إعلان بعبدا تبقى أساسية للحد من تأثير الحرب في سوريا على لبنان”. ولاحظ أن “قدرة لبنان على الصمود في وجه العاصفة يتطلب أداء فعالاً لجميع مؤسسات الدولة”، مشيراً الى مضي أربعة أشهر على انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، وأن هناك شهرين حتى تنتهي ولاية مجلس النواب. ولذلك حض “جميع القادة في لبنان على الدخول في حوار الآن وتقديم التنازلات الضرورية لانتخاب رئيس دون مزيد من التأخير”، آملاً في أن “تردد مجموعة الدعم والأصدقاء الرئيسيون الآخرون للبنان صدى هذه الرسالة”.
وفي مؤتمر صحافي أعد على عجل، صرّح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأنه “يجب علينا أن نحارب الأعراض الناجمة عن الإرهاب والجذور المسببة له”. وإذ أشاد بقراري مجلس الأمن 2170 و2178، أكد أن بلاده “تحارب الإرهاب بثبات واستمرارية، وليس فقط عندما يعلن أحد ما تحالفاً”. ودعا الى “تزويد العراق وسوريا ولبنان واليمن ومصر وغيرها الأسلحة من أجل “تعزيز قدرتها على مواجهة التهديدات لأمنها، بما في ذلك التهديدات الإرهابية”. وقال إنه “من المهم للغاية التعاون مع السلطات السورية” في هذه الحرب. وحض على “عدم تكرار الأخطاء عندما حاولنا عقد مؤتمر دولي عن سوريا من غير أن ندعو ايران لأسباب عقائدية”. وكشف أن روسيا تشارك في الحرب على الإرهاب بوسائل مختلفة، منها “تزويد لبنان وسوريا والعراق الأسلحة الضرورية”.
مفاوضات… وابتزاز
في غضون ذلك، تضاربت المعطيات أمس عن حقيقة ما تردد عن انطلاق مفاوضات في شأن العسكريين المحتجزين رهائن وقت مضت التنظيمات المسلحة الخاطفة ولا سيما منها “جبهة النصرة ” في ترهيب اهالي العسكريين والجهات اللبنانية المعنية من خلال لعبة ابتزاز لم تغب عنها خلفيات سياسية ومذهبية برزت في التسجيلات التي وزعت للعسكريين في اتصالات مع عائلاتهم . كما عادت “النصرة ” وأعلنت ليلاً عبر “تويتر” ان “لا تفاوض في قضية الجنود اللبنانيين المحتجزين لدينا حتى يتم اصلاح أمور عرسال في شكل كامل ونتمنى الا نضطر الى التصعيد فاعقلوا”.
وقالت مصادر وثيقة الصلة بملف العسكريين لـ”النهار” ان المفاوضات ليست محصورة بشخص واحد من الجانب اللبناني وكل المعنيين بها يبذلون كل الجهود المتاحة لانقاذ العسكريين المخطوفين. لكنها أوضحت ان الملف معقد جداً والارهابيين يمارسون الابتزاز ومن الضروري ان تبقى المفاوضات سرية وجدية وبعيدة من الاعلام نظراً الى حراجة الوضع وعملية الابتزاز الجارية والتي تبرز من خلال الضغط على اهالي الرهائن وعلى العسكريين المخطوفين وعلى الدولة في هذا الملف الوطني.
ونفت مصادر وزارية معنية علمها بأي جديد طرأ امس على الملف، بينما بثت “المؤسسة اللبنانية للارسال” مساء معلومات عن “نضج المفاوضات بحيث تكون صفقة بين جبهة النصرة والجيش بتبادل الرهائن من العسكريين في مقابل الموقوفين في احداث عرسال الاخيرة وان حزب الله ابدى استعداده لمبادلة اسرى لديه للنصرة وداعش بالعسكريين اللبنانيين”. وتحدثت عن “مفاوضات سورية – سورية نظرا الى تعذر التفاوض بين الجانب اللبناني والنصرة”.
وبرز على الصعيد السياسي في هذا الاطار موقف لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط من خلال لقاء عقده الوزير وائل أبو فاعور مع أهالي العسكريين المخطوفين في راشيا، اذ نقل موقفاً حازماً لجنبلاط من حيث دعوة الحكومة الى حسم امرها واعتماد مبدأ المقايضة حرصا على حياة العسكريين.
وتزامنت هذه التطورات مع تلقي اهالي العسكريين لدى “جبهة النصرة” تسجيلات صوتية من ابنائهم يطالبونهم فيها بالاستمرار في قطع الطرق وعدم الخروج منها ونشر التسجيلات واعتماد مفاوض جدي. كما سجل تطور جديد حمل مؤشرات خطيرة في عرسال تمثل في تظاهرة للاجئين السوريين رددت هتافات مؤيدة لتنظيم “داعش”. اما في طرابلس، فانطلقت تظاهرة رددت هتافات مناهضة لعمليات الدهم التي نفذها الجيش في عرسال.