يطل الأسبوع الجديد على مفترق تصعيدي إضافي صعب، ان على صعيد الازمة المالية والمصرفية والاجتماعية، وان على صعيد تعقيدات الازمة السياسية – الرئاسية، بحيث يبدو واضحا ان البلاد تنزلق بسرعة نحو متاهات بالغة الخطورة في ظل انهيار كل ضوابط التحكم بالازمات. واذا كانت “استهلالية” الأسبوع الطالع ستتمثل اليوم بسقوط مرجح لاخر احتمالات انعقاد الجلسة التشريعية ل#مجلس النواب فيما ستنطلق من امام المجلس نفسه طلائع موجة الاحتجاجات الجديدة في الشارع، فان التطور السياسي الذي لا يمكن القفز فوق تداعياته والذي يواكب هذا الواقع تمثل في ما يمكن ادراجه في انفجار ناجز للصراع على ترشيح سليمان فرنجية ليس بين داعميه ومعارضيه التقليديين، وانما بين طرفي “#تفاهم مار مخايل” أي “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”، بما يوحي بالاحتضار النهائي لتحالفهما ما يرتب انعكاسات على مجمل مناخات الاستحقاق الرئاسي العالق.
وتتوجه الأنظار الى اجتماع هيئة مكتب مجلس النواب اليوم وترقب ما سيتضمنه جدول الاعمال في ظل ما سينقله نائب رئيس المجلس الياس بو صعب والنائب الان عون الى الاجتماع حول موقف “تكتل لبنان القوي” من المشاركة او المقاطعة في الجلسة التشريعية، علما ان التكتل كان رفض المشاركة. ولم يشأ رئيس المجلس نبيه بري التعليق على موقف أي كتلة عشية الاجتماع واكتفى بالقول لـ”النهار”: “عندما ادعو الى الجلسة التشريعية سأقوم بهذا الامر بكل تأن وعناية شديدتين”.
#الأزمة المالية – الاجتماعية
وعلى الأهمية التي يكتسبها الشق السياسي من الازمة، فان الأنظار تتجه هذا الأسبوع أولا الى ما يمكن اجتراحه من معالجات ولو ظرفية وموقتة لأزمة اضراب المصارف والصدام بينها وبين جهات قضائية، فيما تشتد تداعيات الازمة الاجتماعية بما يخشى معه من اتساع وتفلت للحركة الاحتجاجية. وسيكون اول الغيث اليوم في الاعتصام الكبير الذي دعا اليه الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين مطالبا جميع العمال والمستخدمين والمعلمين والموظفين والعسكريين والمتقاعدين وهيئات ومنظمات المجتمع الأهلي الى “النزول الى الشارع والاعتصام أمام مجلس النواب عند الرابعة من بعد الظهر (اليوم الاثنين) لمواجهة واسقاط السياسة النقدية التدميرية للبنية الاقتصادية للمجتمع وسياسة افقار الناس وتجويعها لارغامها الخضوع لمشيئة ارباب المال وأركان السلطة والمنظومة الفاسدة”.
وقد أكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في مقابلة مع شاشة “القاهرة الإخبارية” امس أن كل الأزمات تم ترجمتها بارتفاع سعر صرف الدولار تجاه الليرة اللبنانية وأن الأزمة السياسية التي يعيشها لبنان في الفترة الحالية لم تساعد في إيجاد حلول سريعة للاقتصاد اللبناني. واعتبر ان المصرف المركزي ليس سبب الأزمة لكن تحويل الأنظار إليه جعله “كبش محرقة”، كما إن الدولة خلقت العجز الذي راكم الديون من خلال الموازنات.
نداء صليبا – خلف
واكتسب النداء الذي وجهه النائبان ملحم خلف ونجاة عون صليبا لمناسبة مرور شهر على حضورهما المتواصل في قاعة المجلس النيابي بعدا رمزيا ودستوريا ومعنويا معبرا في ظل الانسداد والعقم اللذين يحاصران الاستحقاق الرئاسي العالق والدوران في دوامة الفراغ والعجز والانتظار. ذلك ان النائبين اللذين عمدا الى مبادرة رمزية امس باضاءة جميع مقاعد النواب في قاعة المجلس حيث يعتصمان منذ شهر توجها بندائهما الى النواب بالقول: “بالله عليكم، إرحموا شعبنا، إرحموا من انتخبنا، إرحموا من هم الأكثر تهميشا وفقرا وبؤسا، إرحموا العجزة والأطفال والمرضى واليتامى، اعلموا أن وكالاتنا عن الناس، ليست حبرا على ورق، ولا هي للرفاهية، ولا هي لخدمة مصالحنا الشخصية، بل هي لخدمة الشعب والمصلحة الوطنية العليا، بل هي واجب وطني يأتي قبل أي عمل آخر. بالله عليكم، قفوا بوجه من يتحاصصون على ظهر الإستحقاق الرئاسي فيؤخرون في إتمامه، قفوا بوجه من يبحثون عن رئيس معلب لا إنقاذيٍ، بالله عليكم، لا تنتظروا أكثر، لا تنتظروا أحدا. إحضروا الآن الى قاعة المجلس النيابي، فلا نخرج منها قبل إنتخاب رئيس الدولة، هكذا هي أحكام الدستور، وهذه هي موجباتنا الدستورية الملزمة والمقيدة لنا، بالله عليكم، اعلموا أنه في إستنكافكم عن الحضور وعن إتمام هذا الإستحقاق، مخالفة صارخة لأحكام الدستور، وإساءة للوكالة التي نحملها من الناس، وخيانة للأمانة التي إؤتمنا عليها، وإنتحار جماعي بل قتل متعمد وإبادة لشعب بأكمله”.
سقوط “التفاهم”
في غضون ذلك، برز الى واجهة المشهد السياسي التطور “الجذري” المتمثل في مزيد من التدهور في علاقة “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” والذي اتخذ في ظل الردود “اللاهبة” الأخيرة لرئيس التيار النائب جبران باسيل على كلام الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله عن موضوع “الفوضى” طابع قطع شعرة معاوية الأخيرة بين الحليفين السابقين. ذلك ان انفجار الصراع علنا جاء هذه المرة على نحو مباشر حول تبني “حزب الله” لترشيح رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية خصوصا ان باسيل في هجومه على الحزب في هذا السياق لم يرعو عن وصف فرنجية ولو من دون ان يسميه بمرشح الفساد . ولعله ليس من باب المصادفة ان يذهب باسيل في هذا السياق الى “سقطة” كبيرة ذاتية حين ساوى، وفي حضور الرئيس السابق ميشال عون، بين “رئيس محمول بالفوضى ورئيس محمول على دبابة إسرائيلية” مرتكبا خطأ فادحا ارغم الجهة الإعلامية في تياره على حذف المقطع من تسجيل الخطاب لاحقا. ومن علامات احتضار العلاقة بين الحليفين السابقين قول باسيل “بدّهم يعملوا اصلاح بس بدّهم يجتمعوا ويجيبولنا رئيس جمهورية فاسد ورئيس حكومة فاسد وحاكم مركزي افسد منهم وبحمايتهم و”بيزعلوا اذا قلنا لا! لا ومئة لا!” وأردف: ما حدا يهدّدنا بالفوضى او بعقوبات او بالفراغ وبالحكومة وبمجلس النواب.. ورئيس الجمهورية امّا منختاره بقناعتنا وما حدا بيفرضه علينا ورئيس جمهورية على ضهر الفوضى متل رئيس على ضهر الدبابة الاسرائيلية.
وفي الوقت نفسه اعلن “حزب الله” للمرة الاولى، انه يملك مرشحا ويسعى الى تسويقه، ولكن من غير ان يسمّيه. وأكد رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد “نحن لم نفصح عن مرشحنا، ولكن لدينا من نرغب في أن يكون رئيسا للجمهورية، ونريد أن نطرحه لإقناع الآخرين به”. وقال “نحن نريد رئيسا منفتحا على الجميع، ويستطيع التحدث مع الجميع، ولا يكون عليه فيتو مسبق من الآخرين، وهذا ما نعمل لأجله”.
الراعي وعودة
وسط هذه التطورات وعشية بدء الصوم الكبير لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي، كانت للبطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي “صرخة” جديدة توجه فيها الى “المسؤولين السياسيّين والنوّاب والنافذين والمعطّلين” قائلا: “لقد حوّلتم عرس لبنان وشعبه، وجمال طبيعتِه، وغنى موارده إلى مأتم كبير. ووشحتموه برداء أسود من الفقر والجوع والحرمان والتهجير. تهجّرونه من وطنه، وتفتحون أبوابه لمليونين وثلاث مئة ألف نازح سوريّ، ما بدأ يفوق نصف الشعب اللبنانيّ. ترفضون أيّ نصيحة من الدول الصديقة والحريصة على استقرار لبنان واستعادة قواه، وكلّ دعوة ملحّة لإنتخاب رئيس للجمهوريّة، فتدعون ذلك تدخّلًا ومسًّا بكرامتكم. إنّهم يريدون حمايةَ لبنان منكم، من كلّ عدوّ له يأتيه من الداخل، وانتشال الشعب من براثن أنانيّانكم وكبريائكم ومشاريعكم الهدّامة. فلا لبنان خاصّتكم، بل خاصّة شعبه! ولا الشعب غنيمة بين أيديكم، بل غنى لوطنه لبنان. فارفعوا أيديكم عن لبنان وشعبه”.
ولم تكن صرخة متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة اقل حدة اذ قال: “ألا يخجل كل من يسمي نفسه مسؤولا أو زعيما من تحويل الشعب اللبناني الحي والمبدع إلى شعب خائف وجائع ومتسول وطالب للهجرة؟ ألا تخجلون من عنادكم ومن تشبثكم بمواقفكم وتقديم مصالحكم ومصالح من ترتبطون بهم على مصلحة بلدكم وشعبكم؟ كيف تعيشون مع ثقل الآثام التي ترتكبونها بحق وطنكم؟ ألا يحرك الوضع الذي أوصلتم البلد إليه ضمائركم؟ وهل القائد قائد لجماعته أم على مستوى الوطن؟ وهل المسؤول مسؤول عن طائفته أم عن الوطن؟ متى نسترد دولتنا من براثن الأنانيين وأصحاب المصالح وأرباب الإستبداد؟ ألم يحن وقت لجم الشهوات المتسلطة على النفوس، ولجم الدولار الجامح، ولجم الخلافات التافهة أمام انهيار دولة ومجتمع؟ هل يبني العناد وطنا؟ وهل الرئيس الواجب انتخابه رئيس لفئة أم أنه رئيس للجمهورية، يخص جميع اللبنانيين، ومن واجب جميع النواب التحرك سريعا من أجل تسهيل انتخابه وبدء مسيرة الإصلاح والإنقاذ؟”.