من 2 آب في جرود عرسال الى 5 تشرين الاول في جرود بريتال، فمتى واين الموقعة الثالثة وربما ما يليها من مواجهات متنقلة على امتداد الحدود الشرقية للبنان مع سوريا؟
لم يعد السؤال نابعاً من مخاوف مضخمة بقدر ما تمليه الوقائع الميدانية والامنية الطارئة التي حصلت في معركة جرود بريتال بعد ظهر الاحد، ثاني ايام عيد الاضحى، والتي تعتبر احدى اشرس المواجهات التي حصلت بين “جبهة النصرة” و”حزب الله” منذ انخراط الاخير في القتال في سوريا. ولم تكن الدلالات الخطيرة لهذه المعركة مجرد اجتهادات ووجهات نظر هذه المرة بل ان الحصيلة البشرية الكبيرة للمعركة لدى الطرفين بالاضافة الى الدلالات العسكرية والجغرافية للمواجهة بدت كفيلة وحدها بتحديد مكامن الخطورة الفائقة التي باتت تتهدد خط جبهة مترامية على امتداد الحدود بل “الجبهة الشرقية” برمتها.
لقد تمكن “حزب الله” من مواجهة الهجوم المباغت واحتوائه وصده في النهاية موقعاً خسائر أفادت معلومات امنية انها فاقت 16 قتيلاً في صفوف المهاجمين، فيما قدرتها أوساط الحزب بالعشرات، كما أثبت الحزب جهوزيته العسكرية لهذا النوع من الاستهدافات فضلاً عما اثبته ابناء البقاع الشمالي من رباطة جأش وتحفز للدفاع عن منطقتهم وكل ذلك وسط استنفار واسع للجيش الذي، وان لم يشارك في المعركة مباشرة، اتخذ كل الاستعدادات للتدخل اذا اقتضى الامر. ومع ذلك فان تكبد “حزب الله ” خسارة بشرية هي الأعلى في مواجهة واحدة منذ انخراطه في القتال في سوريا بلغت ثمانية من مقاتليه لم يكن إلا دليلاً على تطوير التنظيمات الارهابية أساليبها القتالية وتمكنها من نقل المواجهة من جرود عرسال الى جرود بريتال في رسالة دامية مباشرة الى الحزب بما يعني ان الواقع الميداني بات مفتوحاً على احتمالات تمدد المعارك ربما الى مناطق مختلفة من الجبهة الشرقية ومحاولة إحداث “دفرسوارات” عدة تباعاً.
وقائع الهجوم الذي حصل أثبتت أن عامل محاصرة المسلحين في جرود عرسال وقطع الامدادات عنهم مع اقتراب فصل الشتاء وتدني الحرارة على مرتفعات شاهقة يتحصنون فيها سيكون بمثابة حافز اضافي ضاغط لتوقع مزيد من الاستهدافات والمواجهات. لكن “جبهة النصرة ” أدرجت هجومها تحت عنوان الثأر لاحراق مخيمات للنازحين السوريين في عرسال، فيما بدا واضحاً أن هدفها الأساسي كان التمكن من مباغتة الحزب وإحداث صدمة قتالية في أقرب النقاط الحدودية المتداخلة مع سوريا والنفاذ الى الداخل البقاعي الشمالي الذي ينطلق منه الحزب لوجستياً. وقد حققت الجبهة في المرحلة الاولى هدفها اذ تمكنت بفعل عامل المباغتة من السيطرة بالنار على موقع مراقبة متقدم للحزب يسمى موقع عين الساعة حيث فقد أربعة من مقاتليه. غير أن الحزب استطاع لاحقاً احتواء الهجوم في معارك طاحنة كما تردد ان العدد الاكبر من قتلى “النصرة” سقط في شبكة عبوات ناسفة فخخها الحزب في موقع آخر بالاضافة الى القصف المدفعي والصاروخي مما أدى بعد نحو أربع ساعات من الاشتباكات الى انسحاب المهاجمين.
غداة هذا التطوّر الذي أشاع مزيداً من القلق على مجمل الواقع الأمني والذي زاده إرباكاً مضي أهالي العسكريين المخطوفين في قطع الطرق الرئيسية بين البقاع وبيروت والشمال والعاصمة ولو بدرجات وأوقات متفاوتة، لم يكن المشهد السياسي أفضل حالاً من صورة الـتأزيم هذه مع الأصداء السياسية التي خلفتها. ذلك أن “حزب الله” تمسك تبعاً لما جرى باعتبار “قرار المقاومة التاريخي بالتصدي للجماعات التكفيرية على الابواب اللبنانية وتضحياتها مانعاً لسقوط لبنان “متعهداً “المضي في إسقاط هذا المخطط بمعادلة الجيش والشعب والمقاومة”.
في المقابل، رأى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أن هجوم المسلحين على جرود بريتال “يظهر مدى الضرورة القصوى لاتخاذ الحكومة قراراً يلزم حزب الله الانسحاب من سوريا ومن ثم السيطرة التامة على الحدود بالاستناد الى القرار 1701 وربط غرفة عمليات الجيش بغرفة عمليات التحالف الدولي”. كما أن حزب الكتائب طالب بتنفيذ عملية كبرى لإقفال الحدود وحمايتها من الجيش والاستعانة بالقرار 1701 وإشراك القوة الدولية في عملية ضبط الحدود.
الحريري في الاليزيه
ومن المقرر ان يلتقي الرئيس سعد الحريري ظهر اليوم في قصر الاليزيه في باريس الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للبحث في التطورات اللبنانية والاقليمية. وأفاد مراسل “النهار” في باريس ان ثلاثة ملفات ستطرح في اللقاء وتتصل بالانتخابات الرئاسية وضرورة ملء الفراغ في اسرع وقت وملف الهبة السعودية للجيش البالغة ثلاثة مليارات دولار وموضوع الصراع في سوريا.
وعلمت “النهار” ان الرئيس امين الجميل الذي عاد فجر امس الى بيروت آتيا من باريس أجرى محادثات مع الرئيس الحريري وصفت بأنها “مهمة جدا” وأدت الى تعزيز العلاقات بين الجانبين.وقد تم الاتفاق على ان يكون المرشح لرئاسة الجمهورية من صفوف 14 آذار وعدم التذرع بالاوضاع الاقليمية والدولية لتأخير اجراء الانتخابات الرئاسية التي يستطيع اللبنانيون ان ينجزوا استحقاقها أذا ما أتفقوا في ما بينهم.
وافادت “وكالة الانباء المركزية” ان الحريري تلقى اتصال معايدة من جعجع ناقشا خلاله مجمل التطورات الداخلية.
قطع الطرق
الى ذلك، علمت “النهار” ان اتصالات جرت امس بعيدا من الاعلام على ان تستكمل اليوم، في شأن سبل تعامل الجهات الرسمية مع موضوع قطع الطرق تمهيدا لاتخاذ الموقف منها، خصوصا ان خاطفي العسكريين في “جبهة النصرة” وتنظيم “داعش” هم من يقود عملية الضغط على الاهالي ليواصلوا قطع الطرق ويمدوه نحو مناطق جديدة مما ينذر بمضاعفات واسعة. وكشفت مصادر وزارية أن ما يقال عن مطالب للخاطفين لا أساس له بل العكس ليس للخاطفين مطالب يمكن النظر فيها بصفة نهائية وهذا ما يعطل امكانات التفاوض التي يتولاها حاليا المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم، فيما تبدو الوساطة القطرية في طور المراوحة. وهذا ما كشفته البلبلة الاخيرة عندما جرى الحديث عن اطلاق الخاطفين السبت الماضي احد الجنود المخطوفين ولم يتم ذلك في اليوم التالي أي الاحد الماضي كما قيل. وعلى هذا الاساس تجددت الاتصالات مع قطر لتعزز وساطتها وسط معطيات غير مطمئنة الى النتائج التي تحققت حتى الآن.