مع ان لقاء روما الذي جمع مساء أمس الرئيس سعد الحريري والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي للمرة الاولى منذ آذار الماضي، استقطب اهتمام الاوساط الداخلية في ظل ما تردد عن تطرقهما الى أسماء مرشحين لرئاسة الجمهورية، فان هذا اللقاء لم يحجب التطور الذي شهدته طرابلس أمس في ما شكل رسالة بالغة الدلالة من حيث نزع فتيل تفجير عملت له جهات وأحبطته المدينة بغالبية فاعلياتها وأبنائها.
واذا كانت الوساطات السياسية والدينية التي تحركت بقوة في اليومين الاخيرين نجحت في اخلاء مسجد عبدالله بن مسعود في وسط باب التبانة من المطلوبين شادي المولوي وأسامة منصور ومجموعة من المطلوبين معهما بما اعتبر تفكيكا لـ”مربع مسلح”، فان الاهم في الدلالة التي اكتسبها هذا التطور تمثل في ان طرابلس لفظت كل محاولات استدراجها تكرارا الى العنف وان تكن ظاهرة “رماة القنابل” اليدوية في أماكن متفرقة، ظلت تشهد على استمرار المحاولات لإبقاء أجواء التوتر قبل استكمال الوساطات بحل يجري تنفيذه بعيدا من الاضواء لخروج المجموعة المطلوبة من المدينة على ما يبدو.
ودخل الاتفاق على اخلاء المسجد حيز التنفيذ بعد ظهر أمس، اذ غادره المولوي ومنصور وانكفأ الظهور المسلح العلني وخلت باب التبانة والمسجد من اي مسلحين أو دشم أو سواتر ترابية. ولكن علم ان المولوي ومنصور لا يزالان في باب التبانة، فيما أعلن وزير العدل اللواء أشرف ريفي ان أسماء المعتدين على الجيش في طرابلس باتت معروفة ومكشوفة وسيلاحقون “ولن تكون هناك في طرابلس مظاهر مسلحة”، ملمحا الى ان الذين ألقوا القنابل على مواقع الجيش وحواجزه “هم من الذين يدورون في فلك حزب الله للايقاع بين الجيش وأبناء المدينة”.
لقاء روما
أما لقاء الرئيس الحريري والبطريرك الراعي في روما، فاتسم بأهمية لافتة، في ظل ما شكله كلام الحريري بعد اللقاء من دلالات بارزة لجهة الدفع نحو توافق على انتخاب رئيس للجمهورية من جهة، وتأكيد المضي نحو تمديد الضرورة لمجلس النواب من جهة اخرى. واذ اكتفى البطريرك الراعي خلال اللقاء بالقول: “الرئيس الحريري وأنا نتكلم دائما لغة واحدة” ، تحدث الحريري بعد اللقاء موضحاً ان البحث تناول “الموضوع الاساسي وهو الفراغ الرئاسي. وتحدثنا ايضا عن الاستحقاق النيابي”، وذكر بأن موقف تيار المستقبل هو عدم المشاركة في الانتخابات النيابية ما لم تجر الانتخابات الرئاسية. وأضاف: “علينا كقوى سياسية ان تكون لدينا مبادرات ويجب ان نصل في مكان ما الى التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية يتوافق عليه جميع الاطراف… علينا كقوى 14 آذار أن نقوم بتحرك أساسي في هذا الموضوع، وليس معناه أن يحصل التمديد لمجلس النواب وأن ننسى موضوع انتخاب رئيس جمهورية. بالنسبة إلينا التمديد ضرورة لعدم الدخول في المجهول، ليس لأننا نريده في حد ذاته. نحن كنا نتمنى أن يصار إلى انتخاب رئيس للجمهورية أمس قبل اليوم وغدا قبل بعده. الأولوية اليوم بالنسبة إلينا لعدم دخول البلاد في المجهول، وإذا حصل التمديد، الأولوية الأساسية هي لحصول انتخاب رئيس جمهورية. نحن نعلم أن موضوع التمديد كأس مرّة لا بد من تجرعها، لأن البلد يمكن أن يذهب إلى المجهول، لأنه إذا حصلت الانتخابات النيابية سنختلف على رئاسة المجلس وعلى رئاسة الجمهورية ولدينا حكومة ستكون حكومة تصريف أعمال، لذلك ندخل في مكان ما إلى مجهول خطر جدا على البلد، وأنا أعتقد أن كل اللبنانيين لا يريدونه”.
ورأى أنه “يجب على الأفرقاء السياسيين أن يتوافقوا على فترة التمديد، ولكن الأهم هو ما قاله الرئيس نبيه بري، أنه إذا حصل التمديد ثم جرى انتخاب رئيس جمهورية، فإنه بعد ذلك بستة أشهر يجب أن تحصل الانتخابات النيابية”.
وفي موضوع أسماء المرشحين للرئاسة قال: “موقفنا واضح للغاية، لا فيتو لدينا على أي شخص. كنا نتمنى لو صار التوافق في أسرع وقت ممكن على اسم الرئيس، ولكن الآن، وبعد الحوار الذي حصل مع غبطة البطريرك وبعد التمديد، يجب علينا كقوى 14 آذار أن نبحث عن أسماء يمكن أن يتم التوافق عليها من الأحزاب السياسية، تماما كما حصل في العام 2007، حين خرجنا كقوى 14 آذار وسمينا الرئيس ميشال سليمان، ربما يجب علينا أن نصل إلى هذه المرحلة الآن أيضا. ولا أظن أن الفريق الآخر يريد أن تبقى البلاد في فراغ رئاسي، لا أظن أن قوى 8 آذار تريد بقاء الفراغ، أعتقد أنهم هم أيضا حريصون على الجمهورية وعلى رئاسة الجمهورية، ويجب علينا أن نحاول إيجاد الأسماء التي يمكن أن تناسب الجميع”.
وفي بيروت جرى مساء امس تداول معلومات سبقت لقاء الرئيس الحريري والبطريرك الراعي وهي وفق معطيات “النهار” تتناول أسماء مرشحين لرئاسة الجمهورية اثنان منها من قوى 14 آذار وثلاثة من الوسطيين كانت على بساط البحث في لقاء الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والرئيس الحريري في السابع من تشرين الأول الجاري، فيما يوافق البطريرك الراعي على اسم من 14 آذار وعلى اسمين من الوسطيين أحدها يتطلب ترشيحه تعديلا دستوريا.
عون
في غضون ذلك، بدا من الكلمة التي ألقاها رئيس “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون في الذكرى الرابعة والعشرين لعملية 13 تشرين الاول 1990 انه ماض في موقفه من أزمة الفراغ الرئاسي، اذ عزا “أساس الازمة وجوهر الخلاف الى فقدان صحة التمثيل في مجلس النواب وفي رئاسة الجمهورية”. وتحدث عن “انتزاع صلاحيات طائفة في مرحلة الوصاية وتكريسها ببدعة انتخاب رئيس لا يتمتع بتمثيل صحيح فأضحى رئيس بروتوكول يتوافقون عليه ليتقاسموا لبنان مناطق نفوذ”. وتحدث عن “مجموعة تريد ايضا ان تفرض اختيار رئيس الجمهورية كما ترفض تعديل قانون انتخابه ليصبح من الشعب مباشرة وننهي الى الابد موضوع النصاب المعطل”. وخلص الى ان موضوع الرئاسة “ليس موضوعا فرديا ولكنه قضية انصاف لخيارات طائفة ينكر عليها حقها في ان تكون مثل الآخرين”.