اذا كانت معارك الشمال انتهت بهروب الارهابيين الى جهة مجهولة نتيجة الموقف الحاسم للجيش باستمرار القتال حتى القضاء عليهم، على رغم الخسائر التي تكبدها، فان الحركة السياسية امس، وتبادل الرسائل الايجابية كانا ليوحيا بان ثمة اختراقا يمكن ان يحصل في عدد من الملفات العالقة وابرزها رئاسة الجمهورية لولا اعلان رئيس تكتل “التغيير والاصلاح” النائب ميشال عون ان ” الظروف غير مؤاتية لانتخاب الرئيس”، مما يعني ان وقتا طويلا قد يمر قبل ان يحصل الاستحقاق. ولم يتنبه احد الى موعد اليوم لجلسة انتخاب رئيس او محاولة ذلك، على رغم ادراك الجميع ان الجلسة لن تختلف عن سابقاتها من حيث عدم اكتمال النصاب المطلوب لانعقادها.
أما الخيبة فجاءت من برلين، حيث يخطط المجتمع الدولي لاقامة طويلة للاجئين في مخيمات مستحدثة، الامر الذي رفضه رئيس الوزراء تمام سلام ووزير الخارجية جبران باسيل باعتبار ان هذه الخطوة قد تمهد لتوطين مموّه يؤدي الى تفاقم الازمة الداخلية في لبنان. وأبلغ سلام “النهار” ارتياحه الى البيان الختامي الصادر عن المؤتمر حول “وضع اللاجئين في سوريا، دعم الاستقرار في المنطقة”، ولا سيما منه ما يتعلق بالفقرات الخاصة بدعم لبنان والاشادة بإدارته لملف اللاجئين، لكنه لم يبد ارتياحا مماثلا الى الدعم المالي الذي يرتجيه لبنان إذ “لا يزال ما هو معروض من دعم بعيدا جدا عما طلبه لبنان الا وهو مليار دولار أميركي هبات وملياران قروضا ميسرة”.
وخلال لقائه مندوبي الصحف العربية في المانيا قبل مغادرته برلين عائدا الى بيروت، صرح الرئيس سلام بأن المؤتمر وضع لبنان في قلب الاهتمام الدولي باعتباره الدولة الاولى من حيث الحجم في تحمله ملف اللجوء السوري. واوضح ان اسوج قدمت أمس 8 ملايين ونصف مليون دولار اميركي للصندوق الائتماني المخصص للبنان بعد مساهمات من نروج وفرنسا، لكن كل ذلك “لا يزال بعيدا جدا من الاعباء التي يتحملها لبنان”. وأشار الى ان المانيا البلد المضيف للمؤتمر “لم تتعهد أية مساعدات، كما ان الدول العربية تقف موقفا مماثلا للموقف الالماني”. وكانت دراسة البنك الدولي أظهرت ان خسائر لبنان من تحمّل اعباء النزوح بلغت 7 مليارات دولار. وقارنت بين لبنان وتركيا التي قال ممثلها في المؤتمر ان بلاده تستضيف مليونا ونصف مليون نازح وهي تنوء بالعبء على رغم انها بلد الـ 80 مليون نسمة، فكيف حال لبنان الذي يستضيف عددا مماثلا من اللاجئين؟ وسيعقد لقاء في جنيف في 9 كانون الاول بدعوة من منظمة الاغاثة الدولية لدرس امكان تقاسم اعداد اللاجئين.
التمديد لمجلس النواب
سياسيا، بدا ان التمديد لمجلس النواب صار حتميا، وموعده في الاسبوع الاول من تشرين الثاني، أي خلال الاسبوع المقبل. والحتمية اعلن عنها العماد ميشال عون عقب لقائه الرئيس نبيه بري، اذ أكد مجددا رفضه الامر، لكنه قال: “خلص ما عاد في انتخابات، هلق بدو يتمدد للمجلس. الانتخابات غير واردة، اما موضوع انتخابات الرئاسة فنحن متفاهمون عليها، وظروفها حاليا غير مؤاتية، وان شاء الله تصبح الظروف افضل وقريبا”. والامر نفسه قاله النائب جورج عدوان من عين التينة: “الفراغ او التمديد”.
وأكد بري امام زواره حرصه الشديد على تحقيق الميثاقية وتوفيرها في التمديد لمجلس النواب وانه سيلتزم هذا المبدأ ولن يحيد عن تطبيقه. وافاد انه وضع عون وعدوان” في هذا الجو” مع ابراز “عدم التهاون بالميثاقية وحضور المكون المسيحي فضلا عن المكونات الاخرى في البلد وان الميثاقية تطبق على الجميع”.
وعلمت “النهار” أن عدم تخوف العماد عون من الفراغ في مجلس النواب أثار قلقاً وتساؤلات لدى بري الذي نقل عنه عدوان، قوله له ، إثر لقائهما بعد اجتماع رئيس المجلس مع عون: “تفضلوا تحملوا مسؤولياتكم. انتم اليوم امام خيار الفراغ وما يستتبعه، وكلنا نعلم ما يستتبعه، او ان تتخذوا موقفا (…) هناك موضوع ميثاقي وطني كبير، وانا أحترم هذه الميثاقية، واذا شعرت ان القوى المسيحية الفاعلة مصرة كلها على موقفها، لا اعرف ما الذي سيكون موقفي امام الفراغ او التمديد”.
وفي المعلومات أن الرئيس بري ارتاح إلى توافر الميثاقية عددياً لجلسة التمديد، بعدما سار به رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية ومجموعة من النواب المسيحيين أعلنوا موقفهم سابقاً، لكنه يفضل ألا تفقد أكبركتلتين مسيحيتين (“تكتل التغيير والإصلاح” وكتلة “القوات”) في المستقبل قدرتهما على “الفيتو الميثاقي” في مواضيع أخرى بعد أن يمر التمديد من دون موافقتهما.
الحريري
وقد برز تصريح للرئيس سعد الحريري رفض فيه أي دعوات توجه لانشقاق السنة عن المؤسسة العسكرية، فجزم بأن لا صدى ولا تأثير للدعوات التي لا تعرف التطلعات الوطنية وحقيقة أهل السنة في لبنان، بل هي دعوة تتساوى مع المشاريع المشبوهة لإنهاء الصيغة اللبنانية واستبدالها بدويلات ناقصة تتمايز بالصفاء المذهبي والطائفي لتعيش على أنقاض الحياة الوطنية المشتركة.
ودعا الحريري الى الشروع فورا في إطلاق مشاورات وطنية للاتفاق على رئيس جديد للجمهورية وانهاء الفراغ في موقع الرئاسة الاولى.
وأولى الاشارات الايجابية على كلامه جاءت من بنشعي حيث قال النائب سليمان فرنجية “إنّ رِهانَه اليومَ على الوعي والاعتدالِ في مواقفِ الحريري التي تُشبهُ مواقفَ والدِه الشهيدِ في أحداثِ الضنية”.
الامن والمخطوفون
امنيا، نظرة على طرابلس واخرى على ملف العسكريين المخطوفين، فقد أكد الرئيس سلام ان الوساطة القطرية لاطلاق العسكريين لم تتوقف مشيدا بأمير قطر وحكومتها على هذا الصعيد وغيرها من الصعد. من جهة أخرى قال الوزير وائل ابوفاعور إن المحادثات مع الخاطفين ايجابية ولكن لا ضمانات لوقف الاعدامات نهائيا. واعلن انه تلقى طلبا واحدا من الخاطفين تمت معالجته مع الرئيس سلام والمدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم.
وفي الشمال، تواصل وحدات الجيش البحث عن المسلحين والمجموعات الإرهابية التي استهدف عناصرها المؤسسة العسكرية، ولم تقصر الأخيرة في التقدم والمواجهة والوصول الى قلب باب التبانة وبحنين- المنية وتسلم المربعات والمواقع التي كان المسلحون يتحصنون فيها. وفي معلومات لـ”النهار” ان الجيش تمكن من القبض على 32 مشاركا ومطلوبا في الشمال، نفذوا عمليات واطلقوا النار على العسكريين.
من جهة أخرى، استغربت جهات متابعة لمسار التطورات العسكرية الأخيرة في طرابلس الحديث عن دخول سيارات باب التبانة ونقلها المطلوب شادي مولوي وعددا من أفراد مجموعته. وقالت إن الأخير أفاد من تداخل البيوت وقربها بعضها من البعض في التبانة والزاهرية، الأمر الذي ساعده على الهرب والتخفي وان الجيش “لن يتوقف عن ملاحقة المطلوبين المعتدين على المؤسسة والمواطنين ولن يتساهل مع هؤلاء”.
في غضون ذلك، قام قائد العمليات الخاصة الاميركية اللفتنانت جنرال ريموند توماس مع وفد عسكري بزيارة خاطفة للبنان استمرت بضع ساعات، ولم تتوافر معلومات تفصيلية عن زيارته. ويرجح ان يكون التقى قائد الجيش العماد جان قهوجي.