Site icon IMLebanon

التمديد “القاهر”: لا فراغ ولا رابحون خلطة تحالفات واشتعال قواتي – عوني

في 31 أيار 2013 صوّت 97 نائباً مع التمديد الاول لمجلس النواب الحالي لمدة سنة وخمسة اشهر تنتهي في 20 تشرين الثاني 2014. وأمس، في الخامس من تشرين الثاني 2014، صوّت 95 نائباً مع التمديد الثاني للمجلس لمدة سنتين وسبعة اشهر تشكل واقعياً المدة المتبقية من ولاية كاملة ممددة للمجلس وتنتهي في 20 حزيران 2017، ما لم يضع حداً لها انتخاب رئيس للجمهورية او تطور آخر غير محسوب.

يوم قاتم من أيام تجاوز الاصول الدستورية والديموقراطية كان يوم التمديد الثاني للمجلس من دون شك. لكن كابوس الفراغ في مؤسسة مجلس النواب بعد الرئاسة الاولى ضغط بكل قوة من اجل استيلاد توافق عريض جديد على أسوأ الحلول واشدها مدعاة لتساؤلات قلقة جداً على النظام السياسي والدستوري في لبنان الذي يستعيد بدأب آفات الظواهر الاستثنائية. ولعل افضل تعبير عن هذه المعادلة المأزومة جاء على لسان الوزير بطرس حرب الذي حدد “التفسير الجدي لمعنى الفراغ الذي سيحصل في حال عدم التمديد اذ كنا بين انهيار النظام بكامله وان نكون مضطرين بحزن ان نخالف مبدأ دورية الانتخابات وديموقراطيتها”.

واذا كان استدراك الفراغ المجلسي وفّر للتمديد غالبية 95 صوتاً برافعة مسيحية من “القوات اللبنانية” والنواب المسيحيين المستقلين او المنضوين داخل كتل مختلطة اخرى وبمعارضة نائبي الطاشناق ومقاطعة نواب “التيار الوطني الحر” والكتائب للجلسة، فإن الاسوأ في ما تركه المشهد الصاخب امس تمثل في ان 97 نائباً اجتمعوا تحت قبة البرلمان وتمكنوا من التصويت مع التمديد او ضده، فيما كان هذا العدد يفوق بـ11 صوتاً النصاب القانوني لانتخاب رئيس للجمهورية الذي يتطلب الثلثين من اعضاء المجلس اي 86 نائباً. ووسط حركة احتجاجات واعتصامات لناشطي “الحراك المدني للمحاسبة” في وسط بيروت، حصل التمديد على اكثرية عريضة وسقطت محاولة “تمرير” عملية انتخابية لملء الفراغ الرئاسي. واذا كان التمديد للمجلس انقذ البلاد من خطر تمدد الفراغ وما قد يستتبع هذا الاحتمال من اخطار دستورية وسياسية وأمنية اضافية، فان الواقع ان معمعة التمديد اخرجت الجميع خاسرين، مؤيدين ومعارضين سواء بسواء، لأن صورة النظام الدستوري خرجت بجروح ثخينة لن يكون ممكنا ترميمها الا بانتخاب رئيس للجمهورية وكسر مدة التمديد واجراء انتخابات نيابية تعيد الاعتبار الى ديموقراطية عليلة.

واللافت في مشهد ما بعد التمديد القاهر والقسري ان تداعياته لم تتأخر في اثارة فرز من نوع جديد طاول الحلفاء داخل كل فريق من جهة واشعل حرباً كلامية عنيفة بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” استعادا معها حقباً قاتمة بين “الاخوة الاعداء” من جهة اخرى.

الفرز الطارئ برز من خلال تقارب بين افرقاء وتباعد بين آخرين. التيار العوني والكتائب سجلا غزلا بينهما على قاعدة مقاطعتهما جلسة التمديد، فيما برز تقارب بين “القوات” والنائب سليمان فرنجيه في موقفهما المؤيد للتمديد. كما ان اجتماع كتل كبيرة من فريقي 14 آذار و8 آذار ابرزها “المستقبل” و”التنمية والتحرير” و”حزب الله” و”القوات” والكتلة الجنبلاطية وكتلة فرنجيه الى النواب المستقلين المسيحيين شكل بدوره “بروفة” افتراضية لأي تسوية لاحقة ممكنة متى توافرت ظروف الانتخابات الرئاسية “التوافقية”، وهو الامر الذي يفسر كثيراً من اسباب تباعد صامت ضمني بين الفريق العوني وحلفائه الذين فشلوا في اقناع العماد ميشال عون بحضور نوابه الجلسة ولو صوتوا ضد التمديد.

احتدام

أما استعادة الحرب الكلامية والاعلامية الحادة بين “القوات” والفريق العوني فجاءت نتيجة تراكم سريع لحملات مركزة واكبت اليومين الاخيرين اللذين سبقا جلسة التمديد. ذلك ان “القوات”، التي برز دورها كحجر الرحى الاساسي في التغطية الحزبية المسيحية للتمديد، طورت موقفها بتدرج مدروس ومتقن من مبادرة اللحظة الاخيرة التي اعلنها رئيس الحزب سمير جعجع عشية الجلسة، طارحاً فيها على الفريق العوني تحديداً تحدي الذهاب الى انتخاب رئيس للجمهورية تجنباً للتمديد والفراغ معاً. لكن “التيار الوطني الحر” رد بتثبيت مقاطعته للجلسة اولا ومن ثم تحميل “الفريق الذي خرق الاجماع المسيحي في الماضي القريب في اتفاق الطائف رفضا لهذا الاتفاق “تبعة التمديد” غير الميثاقي وغير الدستوري وغير الاخلاقي”. وبدا واضحا ان هذا الاحتقان على خلفية ازمتي التمديد والفراغ الرئاسي عاد ليشعل الحرب الكلامية بين الفريقين، اذ رد جعجع محمّلا التكتل العوني “المسؤولية الكبرى عما جرى من خلال خطيئتين هما تعطيل الانتخابات الرئاسية والتواطؤ مع الآخرين في الحكومة على تعطيل الانتخابات النيابية”، ذاهبا ايضا الى وصف العماد عون بأنه “بطل الحروب الخاسرة والمغامرات الفاشلة”.

أما حزب الكتائب فنأى بنفسه عن السجالات الى ان رد الوزير السابق سليم الصايغ على جعجع معتبرا انه “مخطئ وهو لا يستطيع ان يغطي تمرير التمديد بالقاء قنابل دخانية”. ومساءً قالت اوساط كتائبية إن “الحزب مارس اقصى درجات الانضباط، واعتمد بيان المكتب السياسي الكتائبي مرجعاً للرد وتجنب المهاترات في موضوع التمديد لأن الامر برمته ليس للاستثمار السياسي وكل فريق تصرف استناداً الى قناعاته السياسية، لكن المزايدات والتهجم على الكتائب ومواقفها اقتضى وضع النقاط على الحروف”.

واشارت الاوساط القيادية الى ثلاث نقاط يجب التوقف عندها: “الاولى، ان وزير الداخلية نهاد المشنوق يتحمل مسؤولية عدم اجراء الانتخابات. النقطة الثانية، ان النائب سامي الجميّل عقد مؤتمراً صحافياً قبل تسعة أشهر حذر فيه من مغبة إهمال قانون الانتخاب والاعداد للانتخابات لكن احداً لم يرد أن يصغي. النقطة الثالثة، أن لا شيء أسمه الفراغ، ولو لم يحصل التمديد لاضطر وزير الداخلية الى اجراء الانتخابات ولو على مراحل مع أخذ ظروف كل منطقة في الاعتبار”.

نشر القانون

وعلمت “النهار” ان رئيس مجلس النواب نبيه بري رفع امس الى رئيس الوزراء تمّام سلام قانون التمديد للمجلس الذي يتضمن في احد بنوده تقصير المهل لكي يصادق عليه مجلس الوزراء مجتمعا في مهلة خمسة أيام بدل شهر المعطاة لرئيس الجمهورية. وعليه، فإن نشر القانون في الجريدة الرسمية سيكون الثلثاء المقبل بإعتبار ان الحصول على تواقيع 24 وزيراً غير وارد إنطلاقا من معارضة “التيار الوطني الحر” والكتائب والطاشناق.

في موازاة ذلك، تحركت لجنة نيابية امس في اتجاه الرئيس سلام لتفعيل العمل بين السلطتين الاجرائية والتنفيذية والعمل على تطبيق القوانين التي صدرت، فأكد الرئيس سلام التجاوب مع هذا المسعى. وقد ضمت اللجنة النواب مروان حماده وياسين جابر وعلي فياض ومحمد قباني.

وفي ما يتعلق بإحياء اللجنة النيابية السباعية المكلفة إعداد تصور لاقتراح قانون الانتخابات بمبادرة من بري، تدليلا على ان تمديد ولاية المجلس لا يعني صرف النظر عن إجراء الانتخابات، فقد أثار تحفظات إنطلاقا من أولوية اجراء انتخابات الرئاسة الاولى قبل أي شيء آخر. ومن المتحفظين كتلة “المستقبل” وكتلة النائب وليد جنبلاط. وقد طرأ تعديل على تشكيل اللجنة بأن حلّ النائب حماده محل الوزير أكرم شهيب الذي بات في موقع حكومي لا يتلاءم مع دوره في اللجنة. كما تردد ان النائب أميل رحمة سيمثل كتلة النائب سليمان فرنجية في اللجنة.