دفعت خطورة الوضع في عرسال ومحيطها رئيس الوزراء تمام سلام إلى اتخاذ قرار بتوجيه طلب اليوم لدعوة مجلس الأمن إلى الإنعقاد، بعدما بدا أن المهل التي كانت مطاطة أخذت تقصر أكثر فأكثر ومنسوب التوتر يتصاعد بسرعة وعلى نحو دموي أوقع من الجيش ثلاثة شهداء، اثنان منهم بتفجير عبوة ناسفة بشاحنة عسكرية والآخر إعداماً، في موازاة سعي المسلحين إلى الإحتفاظ بسيطرتهم على ممرات آمنة بين عرسال وجرودها وصولاً إلى منطقة القلمون السورية، بعدما كان الجيش أعلن عزل عرسال عن الجرود.
وحجب المشهد الدموي على الحدود الشرقية مع سوريا الكلام السياسي وترتيبات الكواليس من أجل معاودة المؤسسات الدستورية دورها الطبيعي.
فمرة أخرى دفع الجيش ضريبة الدم باستشهاد اثنين من عسكرييه هما الشهيدان علي حمادي الخراط، ومحمد ضاهر، وجرح ثلاثة من رفاقهما بأسلوب جديد ولافت من الإستهداف بتفجير عبوة ناسفة لاسلكياً قدرت بنحو 10 كيلوغرامات لدى مرور آلية الجيش داخل البلدة. وعقب الإعتداء شن الجيش حملة دهم واسعة وأوقف عددا كبيراً من المشتبه فيهم. كما رد على ثلاثة صواريخ سقطت على اللبوة بقصف لمرتفعات يتمركز فيها المسلحون.
وربط متابعون توقيف ثلاثة سوريين يشتبه في أنهم من تنظيم “داعش”، وتحديدا جماعة الموقوف قائد “لواء فجر الإسلام” المدعو عماد جمعة، وذلك لاحتمال ضلوعهم في قتل الجندي الشهيد عباس مدلج وجرائم أخرى، بتصعيد المسلحين الإرهابيين اعتداءاتهم بتفجير الآلية العسكرية، وإعلان “جبهة النصرة” مساء في بيان إعدامها الجندي الأسير محمد حمية من بلدة طاريا. وقبل التأكد من الخبر، توافد الأهالي إلى منزله العائلي وساد جو متوتر. وقبل منتصف الليل قطع مواطنون من آل حمية طريق المطار، بعدما كان أهالي الشهيد الخراط قطعوا طريق المية ومية في صيدا بعض الوقت.
وبعيد منتصف الليل دعا والد الجندي محمد حمية، معروف حمية في بيان، الى الهدوء والتروي، وقال انه تلقى اتصالات من شخصيات عرسالية أكدت له عدم صحة خبر اعدام ابنه.
الموفد القطري
في غضون ذلك، علمت “النهار” ان الموفد القطري الموجود في لبنان منذ يوم امس اصطدم بواقع كون “جبهة النصرة” وتنظيم “داعش” يقاتلان معا في الميدان ويتواجهان في المفاوضات. وأفادت المعلومات ان صراعا خفيا بين الأطراف العرب والاقليميين قد استجد وخلف تأثيراته في عرسال، كما ظهرت معالمه في تحرك “داعش” ضد أكراد سوريا والتحرّك في القنيطرة مما تسبب بالتوتر في منطقة شبعا.
وقالت إن الجيش يستمر في تطبيق القرار السياسي لمجلس الوزراء بفصل عرسال عن المرتفعات، بينما يتمسك المسلحون بإبقاء الممرات مفتوحة، مع العلم أن هؤلاء يسيطرون على المؤن والوقود من أجل أعمالهم العسكرية على حساب اللاجئين وأهالي عرسال. وأضافت أن التوتر بدأ أمس عندما تعرضت مواقع الجيش لاعمال قنص من مسافات تراوح بين 500 و1500 متر مما يدل على حيازة المسلحين أسلحة متطورة.
دعوة مجلس الأمن
كذلك علمت “النهار” ان الرئيس سلام سيطلب اليوم دعوة مجلس الامن إلى الإنعقاد للبحث في التطورات في منطقة عرسال بعد استشهاد العسكريين وجرح آخرين وسط تصعيد لافت من المسلحين في جرود عرسال. وتأتي هذه الخطوة قبل 48 ساعة من سفر رئيس الوزراء الى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للامم المتحدة حيث من المقرر أن يطرح قضية اللاجئين السوريين في لبنان، ومن هناك سيوجه نداء الى المجتمع الدولي فحواه أن لبنان لم يعد يستطيع تحمّل أعباء هذه القضية، خصوصا أن الدول المانحة لم تف بسوى 17 في المئة من التزاماتها، مشددا على ان الدعم يكون بالفعل وليس بالكلام. كما سيشدد على أهمية انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وقد تلقى الرئيس سلام امس اقتراحا من رئيس كتلة نواب حزب الكتائب سامي الجميل حمله وزراء الكتائب، لعقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء اليوم من أجل متابعة تطورات عرسال، وسيدرس الاقتراح في ضوء المشاورات التي سيجريها. أضف أن مجلس الأمن المركزي دعي الى الانعقاد اليوم لعرض الأوضاع واتخاذ قرارات في شأنها.
إحياء مجلس النواب
على صعيد آخر، بدأت مشاورات لعقد جلسة لمجلس النواب الأسبوع المقبل، ويتولاها مدير مكتب الرئيس سعد الحريري السيد نادر الحريري مع وزير المال علي حسن خليل ووزير الصحة وائل ابو فاعور والنائب جورج عدوان. وتتمحور المشاورات على ثلاثة خيارات في شأن سلسلة الرتب والرواتب: إما تقسيط دفع المترتبات وإما ترشيق المطالب وإما زيادة طفيفة على الضرائب. ولكن لم يتقرر شيء على هذا الصعيد. وذكر أن أعضاء هيئة مكتب المجلس جاهزون للإجتماع لوضع جدول أعمال الجلسة، وهو يضم أيضا موضوعيّ سندات اليوروبوند وإيجاد صيغة لمشاريع الموازنات العالقة بما ييسر دفع رواتب العاملين في القطاع العام.
وعلمت “النهار” أن نائب رئيس حزب “القوات اللبنانية” النائب عدوان سيلتقي رئيس مجلس النواب نبيه بري في الساعات الـ48 المقبلة لبلورة إجراءات عقد الجلسات الإشتراعية، وسيبحث معه إلى المواضيع المشار اليها في التعديلات المطلوبة على قانون الإنتخابات النيابية في ما يتعلق بالمهل التي تم تجاوزها، لئلا تتعرض الإنتخابات في حال إجرائها للطعن. ووصف عدوان أجواء الإتصالات التي يجريها بأنها “مفتوحة على احتمالات إيجابية”، من غير أن يخفي تخوفه من الوضع الأمني في عرسال وما قد يجر إليه.
درباس وهموم اللاجئين
إلى ذلك، أبلغ وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس”النهار” أنه متوجس من تناقص المنح الدولية المخصصة للاجئين السوريين والتي تراجعت من 53 في المئة مما هو مطلوب عام 2013 الى 40 في المئة حاليا، وهذا يعني ترك لبنان يواجه مهمة إغاثة هؤلاء اللاجئين. وكشف عن قرار برنامج الغذاء العالمي خفض قيمة القسيمة الالكترونية الشهرية المخصصة لكل لاجئ من 30 دولارا أميركيا الى 20 دولارا بدءأً من تشرين الاول المقبل. وقال إنه سيحمل هذا الملف الى الكويت التي سيزورها في 12 و13 تشرين الاول المقبل ثم الى دولة الامارات العربية المتحدة في 14 منه . وستسبق هذه الجولة جلسة خاصة لمجلس الوزراء تحدد أطر التعامل الرسمي مع ملف اللاجئين “في ضوء رفض أحد الاطراف السياسيين إنشاء مخيمات على الحدود اللبنانية – السورية”.
وروى درباس لـ”النهار” أن المفوض السامي للامم المتحدة لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريس قال له خلال زيارته للبنان قبل أيام: “مهمتي أن أصون اللاجئين ومهمتك (أي الوزير) أن تصون بلدك، فأجبته بأن الاصح القول إن مهمتك ومهمتي معا صون الوعاء الذي يحتضن اللاجئين، أي لبنان”.