وسط المراوحة التي تطبع الواقع السياسي الداخلي، والغموض الذي يكتنف بعض التحركات التي عادت تنشط على خط أزمة الفراغ الرئاسي في الايام الاخيرة، بدأت مجريات جلسات الغرفة الاولى لدى المحكمة الخاصة بلبنان في لاهاي تشد الانظار والاهتمامات، نظرا الى اقتراب هذه الجلسات من مرحلة مفصلية سيفتح معها ملف الدوافع السياسية التي أحاطت بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في 14 شباط 2005. واذ شكل فتح فريق الادعاء قبل يومين مسألة الملابسات التي اكتنفت علاقة الرئيس الحريري بالرئيس السوري بشار
الاسد في المرحلة الشديدة التوتر التي سادت تلك العلاقة قبيل جريمة الاغتيال، انطلاقا من الضغوط التي مارسها الاسد على الحريري، حسمت المحكمة امس مسألة الاستماع الى أول الشهود السياسيين الاساسيين في هذا الملف، وهو النائب مروان حماده وقررت الشروع في الاستماع الى شهادته ابتداء من الاثنين المقبل على رغم الاعتراضات التي أبداها فريق الدفاع. واذ يتوقع ان يستمر الاستماع الى حماده ثلاثة او أربعة أيام متعاقبة فان من شأن هذا التطور ان ينقل مسار المحاكمة الى مرحلة مهمة، اذ انه يعكس بوضوح تركيز المحكمة على الدوافع السياسية للجريمة من خلال اصرارها على الاستماع الى شهود ملمين بالوقائع التي أحاطت بظروف الاغتيال، وبالوضع اللبناني كلا في حينه، الامر الذي سيمهد لاستكمال الملف والاعداد للمرافعات والحكم لاحقا. وتستدل الاوساط المواكبة للمحاكمة على أهمية بلوغها هذه المرحلة المتقدمة من خلال ممانعة فريق الدفاع في أن يتقدم النائب حماده بشهادته باعتبار ان هذا التطور سيفتح الباب لسلسلة شهود سياسيين بارزين آخرين. ولم تنجح امس محاولة الدفاع في اقناع المحكمة بالتخلي عن هذه الشهادة بحجة الحصول على وثائق واوراق، اذ تبين ان الدفاع حصل عليها منذ أكثر من سنتين.
مجلس الوزراء
أما في الشأن السياسي الداخلي، فعلمت “النهار” امس ان الاجواء الصاخبة التي سادت جلسة مجلس الوزراء الاخيرة استدعت من رئيس الوزراء تمام سلام القيام بجولة اتصالات مع عدد من الوزراء تحضيرا لجولة أخرى من الاتصالات مع المرجعيات السياسية في الايام المقبلة. وأتت هذه الاتصالات تحت عنوان انه لا يمكن الحكومة أن تواصل عملها وسط التشنجات الراهنة. ووصفت مصادر وزارية ما جرى في الجلسة الاخيرة بأنه “القشة التي قصمت ظهر الحكومة”. وكشفت النقاب عن ان التشنج لم ينحصر بمناقصة الخليوي، بل تعداها الى مناقصات في وزارتي الداخلية والدفاع ولكن ارتؤي عدم الحديث عنها حفاظا على معنويات المؤسسات الامنية في هذه المرحلة. ولاحظت أن توقيع الوزراء الـ 24 القرارات لم يعد من باب الحرص على الميثاقية الوطنية بقدر ما صار انزلاقا الى “ميثاقية الفساد” خصوصا في ما يتعلق بالصفقات التي تفتح بازار تقاسم المغانم. وأشارت الى ان الرئيس سلام لا يستطيع تحمل مسؤولية حروب الاطراف السياسييين داخل الحكومة، وهو يتجه لهذه الغاية صوب المرجعيات السياسية ليضعها امام مسؤولياتها ولإخراج القضايا التي تهم الناس من عنق الفساد.
بكركي والسفراء
وسط هذه الاجواء، استرعت حركة سفراء الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الامن الى بكركي في الايام الاخيرة انتباه الاوساط الداخلية، اذ بدت ترجمة لما كان لمح اليه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قبيل عودته من جولته الاوسترالية عن اعتزامه الطلب من الدول المؤثرة التحرك في سبيل حل أزمة الفراغ الرئاسي المتمادية.
وتزامن هذا التحرك مع معلومات لـ”النهار” مفادها أن المراجع الرسمية تلقت رسائل من مراجع دولية فحواها أن التطورات في المنطقة تحتم الاسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وفي هذه الرسائل ان القوى النافذة في المنطقة لديها صراعات لن تتوقف ولا يمكن لبنان أن ينتظر نتائج هذه الصراعات التي قد تطول، لذا فان في امكان القيادات اللبنانية أن تقرر ما تشاء وستجد المراجع الخارجية داعمة لها. وفيما بدت هذه الرسائل بمثابة تطور جديد فسّر مرجع حكومي الامر بأنه ينقل المسؤولية من الجهات الدولية الى الداخل اللبناني.
وعلى صعيد متصل، يصل الى بيروت في 11 كانون الاول المقبل مساعد الامين العام للامم المتحدة اليان الياسون حيث يمضي يومين في لبنان لإجراء اتصالات تتعلق بالملف الرئاسي وقضية اللاجئين السوريين.
وبدا لافتا في هذا السياق كلام للسفير الاميركي ديفيد هيل شدد فيه على “ان المطلوب في هذه المرحلة التعويل على مكامن القوة في الدستور اللبناني لا هدمه”، مبرزا “ضرورة ان يتخذ اللبنانيون قرار انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت”. واذ أكد ان “أكبر خطر يهدد الاستقرار اليوم هو تنظيم داعش، ولكنه ليس عصيا على الهزيمة”، اعتبر ان “التغلب على داعش لن يعيد وحده الاستقرار الى لبنان”. ورأى ان “على رأس المخاطر التي سيبقى لبنان معرضا لها استمرار تنظيم مسلح هو حزب الله في حمل السلاح والتصرف منفردا من دون اي محاسبة”.
أما السفير الفرنسي باتريس باؤلي، فأكد من جانبه ان فرنسا “لا ترغب في التدخل في الانتخابات الرئاسية، وان هذا يقع على عاتق اللبنانيين وحدهم”. وتمنى على جميع الاحزاب والسياسيين “إيجاد وسيلة تمكنهم من انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع ما يمكن”.
عبوات في عرسال
الى ذلك، برزت على الصعيد الامني امس محاولات استهداف جديدة للجيش، تمثلت اولا في تفجير عبوة ناسفة بآلية للجيش لدى انتقالها في محيط عرسال مما أدى الى اصابة ثلاثة عسكريين بينهم ضابط بجروح. ولدى توجه دورية اخرى مع خبير عسكري للكشف على مكان الانفجار، تعرضت لاطلاق نار من مسلحين في جرود البلدة وتولت الدورية مطاردتهم.
وبعد الظهر فكك الجيش عبوتين ناسفتين معدتين للتفجير قرب المكان الذي زرعت فيه العبوة الاولى.
وفي سياق آخر، تعطلت حركة المرور بعض الوقت امس على طريق ضهر البيدر بعدما قطع أصحاب الشاحنات العاملين على هذا الخط الطريق مطالبين بتعديل المواعيد التي حددتها وزارة الداخلية لسير الشاحنات.