ترسم التحركات السياسية المحمومة التي تكثفت في الأيام الثلاثة الأخيرة وخصوصاً عقب الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء التي أطلق فيها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون موقفه من رفض قانون الستين الانتخابي وتفضيله الفراغ على التمديد لمجلس النواب، خطاً بيانياً لاستنفار سياسي يسابق البداية الوشيكة لمهل قانون الانتخاب النافذ. واذا كانت كفة الشكوك في احتمالات التوصل الى قانون انتخاب جديد بالسرعة المتوخاة لا تزال راجحة بقوة، فإن كثافة اللقاءات والمشاورات الجارية بدأت تعكس بدورها احتمالات يصعب تجاهلها من حيث السعي المحموم الى التوصل الى صيغة يغلب الاعتقاد انها ستصب في حال نجاح هذه المساعي في خانة صيغة مختلطة بين النظامين الأكثري والنسبي لتعذر اجتراح أي تسوية أخرى.
وتعاملت القوى السياسية أمس مع الانذار الذي مرّره رئيس الجمهورية في جلسة مجلس الوزراء برفضه تعيين هيئة الاشراف على الانتخابات وامكان تجاوز مهل القانون النافذ، باعتباره انذاراً بإمكان ايصال المجلس الى الفراغ إذا لم يوضع قانون انتخاب جديد، كما تمّ التعامل معه على أنه بمثابة مهلة حثّ للإسراع في إيجاد قانون انتخاب جديد. لكن الخطورة في الموضوع أنه إذا لم يتحقق التوافق على صيغة قانون، فمعنى ذلك أن البلاد على وشك الدخول في أزمة سياسية – دستورية، عنوانها الفراغ في السلطة التشريعية، وهذا ما لا يمكن القبول به. من هنا، بدأت تلوح في الأفق مؤشرات غير مريحة إذا لم يتحقّق التوافق على قانون جديد.
والاجتماع الذي انعقد رباعياً في بعبدا بعد جلسة مجلس الوزراء الاخيرة سيستكمل في الثالثة والنصف بعد ظهر اليوم رباعياً أيضاً في مكان آخر يحاط بالكتمان. وعلم ان الأفرقاء الأربعة “التيار الوطني الحر” و”تيار المستقبل” وحركة “أمل” و”حزب الله” يبحثون في أكثر من صيغة نسبية، فيما لن يشارك الحزب التقدمي الاشتراكي في هذا اللقاء.
وعلم أن اجتماعاً عقد بعيداً من الاعلام في ساحة النجمة على هامش الجلسة التشريعية للمجلس أمس، أطلع فيه الوزير علي حسن خليل والنائب علي فياض رئيس المجلس نبيه بري في حضور رئيس الوزراء سعد الحريري والوزير محمد فنيش على صيغ النسبية المطروحة في اللقاء الرباعي، حيث لا يزال للفريق الشيعي طرحه، ولكل من “التيار الوطني الحرّ” كما لـ”المستقبل” طرحهما المختلط.
أما الطرح الأكثر تداولاً حتى الآن، فهو القائم على التأهيل على النظام الاكثري في القضاء والانتخاب على النظام النسبي في المحافظة باعتماد المحافظات الخمس التاريخية: الشمال، البقاع، بيروت، الجنوب، على ان يقسّم جبل لبنان دائرتين: الشوف وعاليه دائرة والباقي كله دائرة وذلك بهدف طمأنة النائب وليد جنبلاط.
وبمعزل عن تقسيم الدوائر في هذه الصيغة، تؤكد مصادر الاشتراكي رفض النسبية كمبدأ، وعلم أيضاً أن اقتراح المحافظات الست لم يرضَ به بعد لا “المستقبل” ولا “التيار الوطني الحرً”.
وقال الرئيس بري أمام زواره امس ان كلام الرئيس عون هو تحفيز على قانون جديد واجراء الانتخابات في موعدها، كما أدرجه في اطار تشجيع الجميع على القيام بالمطلوب منهم لتسهيل التوصل الى قانون جديد.
معراب والخطوط المفتوحة
وشهد مقر حزب “القوات اللبنانية” في معراب حركة ناشطة، إذ عقد ليل الاربعاء اجتماع ضم رئيس الحزب سمير جعجع ورئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل ووزير الاعلام ملحم الرياشي والنائب ابرهيم كنعان وتناول ملف قانون الانتخاب بكل تشعّباته والصيغ المختلفة المطروحة. كذلك التقى جعجع بعد ظهر أمس وفداً من “اللقاء الديموقراطي” وتركز البحث على موقف الحزب التقدمي الاشتراكي وسط حرص الفريقين على استمرار التنسيق بينهما انطلاقاً من “ثبات المصالحة التاريخية في الجبل والحفاظ عليها” كما أوضح جعجع. وأضاف: “يهمنا أن يكون الحزب التقدمي الاشتراكي مرتاحاً الى أي قانون جديد”، كاشفاً ان “النتائج النهائية لكل المحادثات الجارية ستظهر خلال اليومين المقبلين”.
وأبلغت مصادر “القوات اللبنانية”، “النهار” إن الاجتماع بين “القوات” ووفد “اللقاء الديموقراطي” كان أكثر من ممتاز إلى درجة أن الفريقين شعرا كأنهما يشكلان جزءاً لا يتجزأ من فريق عمل واحد، حيث أن التوافق في الرؤية الوطنية عموماً والبعد التعايشي في الجبل خصوصاً وأهمية قانون الانتخاب تحديداً كان تاماً.
وقد بدا استرعى الانتباه وفد “اللقاء الديموقراطي” ومشاركة نجل النائب وليد جنبلاط تيمور في الاجتماع في إشارة واضحة إلى عمق العلاقة الوطنية التي تربط بين معراب والمختارة، وخصوصاً في ظل التفهم المتبادل القواتي والاشتراكي لهواجس كل الأطراف وضرورة الخروج باتفاق يؤمّن مساحة مشتركة في المشروع الانتخابي بين الجميع.
وتحدثت المصادر عن فتح خط مباشر بين معراب وكليمنصو من أجل تداول التطورات الانتخابية لحظة بلحظة وتنسيق المواقف إلى حين الوصول إلى النهاية السعيدة التي تأخذ في الاعتبار مصالح الجميع وخصوصياتهم، وأشارت الى الانتقال إلى مرحلة غربلة المشاريع المطروحة من أجل الخروج بالمشروع الذي يحظى بأوسع توافق ممكن ويؤمن صحة التمثيل.
وفي السياق نفسه، قالت المصادر إن اجتماع معراب بين “القوات” و”التيار الوطني الحر” وضع اللمسات الأخيرة على خطة تحرك مشتركة وسريعة ترمي إلى الوصول الى القانون الانتخابي العتيد، لأن الاستمرار بالوتيرة القديمة والمنهجية السابقة أثبت فشله بعد أكثر من ثماني سنوات من البحث العقيم، وتالياً حان الوقت للتركيز على المشروع الذي يحظى بالقبول لدى الجميع والعمل على تطويره بغية الخروج بالصيغة التي تبدد هواجس الجميع، وقد بات معلوماً أن الاقتراح المختلط هو الأقل رفضاً لدى القوى السياسية على اختلافها.
جنبلاط والجميل
والتقى النائب جنبلاط مساء رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل. وقال مصدر كتائبي لـ”النهار” ان وجهات النظر كانت متطابقة من حيث رفض أي شكل من أشكال التهميش لأي مكون طائفي او سياسي. وتم التأكيد ان العيش المشترك في الجبل هو من الخطوط الحمر التي لا يجوز المس بها. وعبر الجميل عن حرصه على قانون للانتخاب يطوي نهائياً صفحة الهواجس والمخاوف ويستبدل منطق التسويات السياسية المرحلية بقانون عصري ثابت ودائم يؤمن الاستقرار للمجتمع اللبناني وللمؤسسات الدستورية.
وأوضح المصدر ان الحزب وقف وسيقف الى جانب رئيس الجمهورية في سعيه الى الدفع في اتجاه انتاج قانون جديد يضمن صحة التمثيل والاستقرار السياسي لعمل المؤسسات الدستورية أطول فترة ممكنة.
وأضاف ان الزيارة الاخيرة للنائب سامي الجميل لبعبدا تندرج في هذا الإطار وقد جاءت الأحادث خلالها ايجابية للغاية والحزب سيتابع التنسيق مع الرئيس ميشال عون ومع كل العاملين على ملف قانون الانتخاب للتوصل الى أفضل صيغة ممكنة تضمن اجراء الانتخابات في موعدها وتضمن التمثيل الصحيح.
بون في عرسال
على صعيد آخر، جال السفير الفرنسي ايمانويل بون أمس على مراكز الجيش المنتشرة في عرسال واللبوة على الحدود اللبنانية – السورية. وزار يرافقه قائد اللواء التاسع العميد جوزف عون وعدد من الضباط، مركز الجيش في وادي حميد البعيد مئات الامتار عن الحدود، كذلك مركزاً للمراقبة على التلة المواجهة لعرسال والجبال المحيطة بهذه المنطقة.
وأكد بون للعسكريين “وقوف الدولة الفرنسية الى جانبهم”. وقال: “نعرف صعوبة المهمة التي تقومون بها والتزامكم هذه المهمات. والجيش اللبناني يستحق منا كل الدعم”.