لم تعد المواقف السياسية المتضاربة والمعلنة من أزمة قانون الانتخاب تعكس حقيقة لا تجد من يتجرأ على الجهر بها خشية تعميق المأزق وهي تتمثل في بداية انزلاق جدي نحو تجاوز المهل القانونية والاتجاه نحو أزمة أكبر تتهدد الاستحقاق الانتخابي برمته. ذلك ان الاصوات المبشرة أو المتفائلة بامكان التوصل الى قانون انتخاب جديد في الاسبوعين المقبلين أو الأيام العشرة الاخيرة الفاصلة عن 21 شباط الجاري لا تزال تبدو محصورة بطرفي “تفاهم معراب” أي “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” وحدهما دون سائر القوى والافرقاء السياسيين الأمر الذي يشكل لغزاً محيراً يصعب معه تقليل هذا الاصرار على توقع اختراق اللحظة الحاسمة ولكن أيضاً من دون اسقاط احتمال اخفاق محاولات تعويم الحل التوافقي وتعويم الصيغ التجريبية المطروحة التي تتساقط تباعاً الواحدة منها تلو الأخرى. وبدا المأزق متجها نحو مزيد من الغموض والتعقيد على رغم ان اللقاءات والمشاورات الكثيفة الجانبية التي حصلت خلال عطلة عيد القديس مارون ومن ثم في مناسبة تقاطر الشخصيات الرسمية والسياسية الى بشري لتقديم التعازي الى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بوفاة والدته لم يغب عنها هاجس الانسداد الذي تصطدم به المحاولات لتحقيق اختراق في جدار الأزمة.
وأكدت مصادر اللجنة الرباعية التي نيط بها البحث في مشاريع القوانين الانتخابية والتي يبدو عملها معلقاً امس لـ”النهار” ان لا جديد في المساعي الجارية بعد توقف عمل اللجنة وان السمة البارزة للمناخ السياسي الذي يغلف المأزق تتمثل في استمرار التمترس وراء المواقف المتضاربة من الطروحات الانتخابية المتداولة. ولعل اللافت في كلام المصادر انها بدأت تقلل شأن مأزق المهل القانونية بدءاً من موعد 21 شباط لدعوة الهيئات الناخبة وتشكيل هيئة الاشراف على الانتخابات عملاً بمقتضيات قانون الستين النافذ بحجة ان مسألة المهل يمكن درسها والعمل على معالجتها قبل 20 حزيران موعد انتهاء ولاية مجلس النواب. وفي رأيها ان معالجة المهل ممكنة بقانون جديد يلحظ مهلاً جديدة، أو بتعديل مهل القانون النافذ علماً ان الخيار الثاني يستتبع حكماً التمديد للمجلس من أجل انضاج قانون جديد، ولكن ليس ثمة أي اتفاق بعد على أي اتجاه. ذلك أنه في ظل تصلب الاتجاهات المؤيدة للنسبية الكاملة كما يعبر عنها “حزب الله ” وبعض حلفائه والرفض المقابل للنسبية المطلقة كما يعبر عنه “تيار المستقبل” و”اللقاء الديموقراطي” من شأنهما ان يجعلا الحد الفاصل في الحسابات السياسية مصير الانتخابات النيابية كلا وليس قانون الستين فقط، وخصوصاً مع تنامي المخاوف من تساقط المهل القانونية تباعاً.
ويبرز التفاوت الواسع بين التقديرات السياسية في اصرار قوى كتيار “المستقبل” و”القوات ” على التمسك بصيغة مختلطة جديدة، فيما ارتفعت في الآونة الاخيرة اسهم تعويم مشروع القانون الذي اقرته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الذي دعا أمس في مؤتمر صحافي الى تبني هذا المشروع باعتباره ” الأنسب وأفضل الممكن ويعطي الاقليات حق التمثيل ويؤمن الشركة”. واذا كان الموقف الواضح لـ”حزب الله ” من ملف قانون الانتخاب سيتحدد في الكلمة التي سيلقيها غدا الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله فان المعطيات المتوافرة تشير الى ان الحزب بات يردد في المشاورات الجارية ان مشروع حكومة الرئيس ميقاتي القائم على النسبية الكاملة في 13 دائرة انتخابية هو في رأيه الأنسب ويترك مجالاً لامكان تعديل عدد الدوائر بما يتناسب وتأمين التوافق السياسي.
لكن رئيس الوزراء سعد الحريري رفض التسليم بمنطق المهل الداهمة وأكد أمس من بشري التي زارها لتقديم التعازي لرئيس حزب “القوات ” متابعة العمل الحكومي “بجهد كبير” في الملف الانتخابي قائلاً: “لا شيء داهما ونحن نعمل لاقرار قانون جديد”.
الموازنة
الى ذلك، اوضحت مصادر وزارية مطلعة لـ”النهار” ان ثمة قراراً جامعاً بإنجاز مشروع الموازنة لسنة ٢٠١٧ واقراره قبل نهاية شباط الجاري، وهذا ما التزمه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الذي قال إنه قد يعقد الاسبوع المقبل ثلاث جلسات متعاقبة للاسراع في درس الموازنة، اي الاربعاء والخميس وحتى الجمعة بمن حضر.
وقالت المصادر إن كل القوى الحكومية المعنية تجمع على ضرورة اقرار الحكومة للموازنة وايجاد الصيغة القانونية التي تسمح باقرارها في مجلس النواب ونشرها اذ لا يجوز تعليق الموازنة وتعليق المحاسبة، ما دام التدقيق في الحسابات ممكناً في اي وقت لاحق، وعمليات التدقيق في وزارة المال متواصلة وتنتهي كما ابلغ وزير المال علي حسن خليل في آب المقبل، وهي تشمل كل الحسابات المالية منذ مطلع التسعينات الى اليوم.
واشارت مصادر قريبة من وزير المال الى انه يتوقع اقرار الحكومة الموازنة وإحالتها على المجلس قبل نهاية شباط، والا فان وزارة المال لن تبقى قادرة على مواكبة هذه العملية، لأنها تبدأ من أيار المقبل العمل على إعداد موازنة السنة المقبلة.
“معارضون ” في بيروت
في غضون ذلك، اهتمت أوساط داخلية بالتطور الذي سجل في انعقاد اجتماع لمعارضين وموالين سوريين في بيروت في اليومين الاخيرين للمرة الاولى منذ نشوب الحرب السورية. وانعقد الاجتماع تحت عنوان عودة اللاجئين السوريين الى بلادهم كما تخلله اعلان المعارض في الداخل السوري لؤي حسين قيام تحالف “الجبهة الوطنية” داعيا الى انتخابات حرة وعادلة في سوريا، معتبراً ان “الحرب انتهت عمليا”. وبرز هذا التحالف أواخر كانون الثاني الماضي مع توجه حسين الى موسكو للمشاركة مع شخصيات المعارضة المقبولة لدى الرئيس السوري بشار الاسد في المحادثات. واوردت وكالات للانباء ان حسين يدعم التعاون مع حكومة الاسد ولكن من غير ان يكون واضحاً، ما اذا كان ذلك مقبولاً لدى المعارضين الاخرين.