للمرة الاولى منذ تشكيل الحكومة على الاقل، وضعت تداعيات الكلمة التي القاها الامين العام لـ”حزب الله ” السيد حسن نصرالله مساء الخميس الماضي معادلة المساكنة السياسية بين “الحلفاء الاضداد ” للعهد العوني أمام اهتزاز حاد بما يشكل اختباراً حساساً لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وبدا واضحا ان الهجوم العنيف الذي شنه السيد نصرالله على المملكة العربية السعودية خصوصاً أعاد المشهد الخلافي والانقسامي الى داخل المربع السلطوي والحكومي منذراً برسم خطوط المبارزات الكلامية والسياسية بما يخشى معه ان يعود لبنان ساحة ومتنفسا للصراعات الاقليمية في حين ان جوهر التسوية التي أدت الى انتخاب الرئيس عون وتشكيل الحكومة يستند الى ما كان يعتقد انه هدنة اقليمية خاصة بلبنان أتاحت له الاقلاع نحو اعادة ترتيب اوضاعه الداخلية.
وقد برزت معالم التوتر الناشئ مع ردود متدرجة على نصرالله لكل من “تيار المستقبل” ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ومن ثم رئيس الوزراء سعد الحريري في مداخلته الافتتاحية لجلسة مجلس الوزراء بما رسم غيوماً ملبدة في أجواء العلاقات السياسية للقوى الحليفة للعهد، علماً ان تفاقم هذه الاجواء لن يكون بطبيعة الحال عاملاً مساعداً على التوصل الى تسوية لمأزق قانون الانتخاب الذي يراوح مكانه قبل أربعة أيام فقط من موعد توجيه الدعوة الى الهيئات الناخبة في 21 شباط الجاري. ولعل رد “تيار المستقبل” بدا الاكثر عنفاً في سلسلة هذه التفاعلات بما يكسبه دلالات مؤثرة لكونه يعكس الموقف العميق الحقيقي للرئيس الحريري مع ان كلمة الاخير في جلسة مجلس الوزراء حافظت على سقف أقل حدة وان تضمنت رسائل واضحة في الاتجاه نفسه. واتهم “تيار المستقبل” السيد نصرالله “بالاصرار على تخريب علاقات لبنان العربية وتعمد الاساءة الى النهج الذي اعتمده العهد في تصحيح الخلل الذي أصاب مصالح لبنان جراء التطاول على الدول الشقيقة”، لافتاً الى ان “هذه الاساءات المتكررة والمتعمدة أول ما تصيب العهد الذي دشن رئاسته عربياً بزيارة المملكة العربية السعودية”، ووضع مواقف نصرالله “برسم العهد الحريص على أفضل العلاقات مع السعودية”.
أما جعجع، فذهب الى اتهام نصرالله بانه “أعاد الامور الى نقطة الصفر بعدما دخلت البلاد مرحلة من الاسترخاء السياسي”، وسأله: “أين تكمن يا سيد حسن مصلحة اللبنانيين في ما اعلنت غداة الزيارة الرئاسية للمملكة العربية السعودية وانتم جزء من هذه السلطة؟”. واعتبر ان كلامه “ينسف كل مناخات الانفراج التي وعد بها اللبنانيون”.
الحريري
وقالت مصادر وزارية لـ”النهار” إنه على رغم تجنب طرح هذا الموضوع في جلسة مجلس الوزراء التي خصصت لدرس جدول أعمال عادي مع معاودة البحث في مشروع الموازنة العامة لسنة 2017 لم تغب عنها أجواء التفاعلات السلبية الناشئة. ووزعت المداخلة التي القاها الحريري في بداية الجلسة من دون انتظار انتهائها في ما عدته المصادر اشارة واضحة الى مستوى الجدية الذي، طبع موقف رئيس الوزراء الذي وان لم يكن كلامه موجهاً مباشرة الى السيد نصرالله انسجاما مع موقعه الرسمي في رئاسة الحكومة، أعاد التذكير بركائز التسوية السياسية وتحميل المخلين بها ضمنا مسؤولية هذا الاخلال. وتناول الحريري مسألة حماية لبنان “بالاجماع الذي نعيشه والالتفاف الذي نشهده حول الدولة ومؤسساتها”، مشيراً الى ان “حصانة لبنان تصونها علاقاته الممتازة بالعالم العربي وعلى رأسه المملكة العربية السعودية”، مذكراً بكلام الرئيس عون عنها “وعن حق بانها تقود المواجهة مع الارهاب والتطرف”. ودعا الجميع الى “الحفاظ على سياسة حماية لبنان من كل المخاطر المحتملة”.
ويشار في سياق منفصل الى ان قائد الجيش العماد جان قهوجي اطلق مواقف لافتة في اجتماعات عقدها مع اركان القيادة العسكرية وقادة الوحدات، فشدد على ان الجيش “سيبذل أقصى الجهود لمواكبة مسيرة العهد وتحقيق تطلعاته وخصوصاً لجهة حماية الانتخابات النيابية المرتقبة”. كما شدد على “تعزيز قدرات الجيش بالتعاون مع الدول الصديقة وخصوصاً بعدما حققت هذه المؤسسة انجازات كبيرة وحاسمة في مواجهة الارهاب”.
“عصف” انتخابي
في غضون ذلك، أبلغت مصادر مواكبة لمأزق قانون الانتخاب “النهار” ان لا تقدم ولا جديد في هذا الموضوع ووصفت ما يجري حالياً بانه عملية “عصف فكري في الوقت الضائع على حافة المهل الفاصلة عن هوة الفراغ في مجلس النواب”. واشارت المصادر الى ان ما سرب عن مشروع مختلط جديد طرحه رئيس “التيار الوطني الحر ” الوزير جبران باسيل باعتماد التأهيل والانتخابات على مرحلتين هو محاولة للجمع بين ما طرحه سابقاً رئيس مجلس النواب نبيه بري والافكار التي يطرحها حاليا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، لكن النقاش لا يزال يدور في حلقة مفرغة. ولفتت الى ان الرئيس عون لا يرى مشكلة في موضوع المهل ما دام مجلس النواب يمكنه تعديلها حتى اللحظة الاخيرة قبل انتهاء ولايته في 21 حزيران المقبل. ونقلت عن رئيس الجمهورية ان قانوناً جديداً للانتخاب سيولد وستجرى الانتخابات على أساسه واذا اقتضى الامر بعض التمديد التقني فلا شيء يمنع ذلك شرط تزامنه مع اقرار القانون الجديد.