ينقضي الاسبوع الجاري وسط اتساع الغموض الذي يغلف أزمة قانون الانتخاب وعلى خلفية سقوط مهلة دعوة الهيئات الناخبة في 21 شباط بامتناع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن توقيع المرسوم الخاص بتوجيه الدعوة. والواقع أن الجمود الذي يسود المشهد السياسي في شأن هذه الازمة أثار مزيداً من الريبة والشكوك حيال الامكانات المتاحة واقعيا لكسره في وقت قريب في حين لا تظهر أي ملامح جدية في أفق التحركات والمشاورات السياسية للخروج بحل توافقي من شأنه ان يحول دون نشوء تداعيات سلبية اضافية على مجمل الوضع الداخلي. حتى ان الايام الاخيرة التي تلت سقوط مهلة توجيه الدعوة الى الهيئات الناخبة شهدت تداولا مكتوما لاحتمالات لن تكون لمصلحة العهد والحكومة في حال استمرار الانسداد على حاله وعدم بروز مبادرات في أسرع وقت تخرج البلاد من هذه الازمة. وهي احتمالات ترقى الى مستوى تهديد العلاقات بين أركان الحكم أنفسهم بالاضافة الى ما ترتبه التباينات الحادة بين القوى السياسية حول ملف قانون الانتخاب والمشاريع المختلفة المطروحة في صدده من تعقيدات لا يبدو ان كل المرحلة السابقة التي شهدت طرح مشاريع تجريبية قد أدت الى تقارب جدي أو أحداث اختراق حقيقي في شأنها.
وتذهب أوساط معنية بهذه الازمة الى حدود التخوف الفعلي من ان تكون التسوية السياسية التي بدأت مع انتخاب الرئيس عون وتشكيل الحكومة على كف الاهتزاز والتراجع في ظل الاستسلام الحاصل بغرابة شديدة لحالة انتظارية عقيمة من دون أي مبادرات أو محاولات جادة لتجاوز ما أفضت اليه المراوحة الحاصلة في هذا الاستحقاق. وتقول هذه الاوساط لـ”النهار” إن كل ما أثير في الاسبوع الجاري من جدل حول موضوع المهل القانونية وخطورة التساهل حيالها لم يقترن على الأقل بأي محاولات جدية لاعادة الملف المأزوم الى كنف المؤسسات وفي مقدمها مجلس الوزراء ومجلس النواب. واذا كانت الكرة عملياً الآن في مرمى الحكومة باعتبار انها تعهدت اقرار قانون انتخاب جديد فيما هي تضم معظم القوى الاساسية في البلاد، فان المضي في اضاعة الوقت من دون وضع مجلس الوزراء يده على الازمة بات يثير الكثير من الغرابة ولا تنفع معه الذرائع من مثل الانتهاء أولاً من درس مشروع الموازنة واقراره لان مأزق قانون الانتخاب سابق أولاً للموازنة، كما ان الجميع يدركون ضمناً ان السبب الحقيقي في هذا الانكفاء الحكومي لا يعود الى أولوية الموازنة بل الى تصاعد ازمة التباينات بين مكونات الحكم والحكومة حول قانون الانتخاب بالذات. وتضيف الاوساط ان الفترة الاخيرة لم تشهد نشوء أي تطور مشجع على التوصل الى تفاهمات عريضة حول معضلة المعادلة الانتخابية بين النظامين الاكثري والنسبي على رغم كل ما قيل عن اعتماد المشروع المختلط حلاً وسطياً للتوصل الى تفاهم سياسي واسع حوله. اذ ان الفريق الذي يطالب بالنسبية الكاملة مثل “حزب الله” بات متشدداً أكثر من أي وقت سابق بهذا الشرط فيما الافرقاء المتحفظون عن النسبية الكاملة باتوا اكثر توجسا وعادوا الى التمسك بالصيغ المختلطة التي تلحظ ارجحية للنظام الاكثري. وتشير الاوساط المعنية نفسها الى واقع لا يوحي بالكثير من الآمال ويتمثل في انقطاع الحوار حتى بين المراجع الرسمية حول آفاق معالجة الازمة التي تترك في شكل لم يعد مقبولا للقنوات السياسية الثنائية والثلاثية والرباعية التي أثبتت عدم جدواها وعقمها في التوصل الى حل تسووي مقبول من الاكثرية السياسية على الاقل.
قرار المجلس الدستوري
وسط هذه الاجواء الملبدة ثمة من لا يزال يراهن على ان العهد والحكومة لن يقبلا بانقلاب الامور رأسا على عقب الى حدود تهديد الاستحقاق الانتخابي والوصول الى نهاية ولاية مجلس النواب في حزيران من دون قانون جديد. لكن هذا الرهان لا يخفف تداعيات تجاوز المهل القانونية وتنامي خطر التمديد القسري للمجلس أيا تكن طبيعة التمديد في حال حصوله أو الوقوع في المحظور الاكبر الذي يشكله فراغ المجلس. ولعل أفضل تعبير عن هذا الخطر جاء أمس في بيان لـ”الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات “التي ذكرت بما نصت عليه الفقرة الحكمية لقرار المجلس الدستوري في شأن الطعن في قانون التمديد للمجلس عام 2004 والذي تقدم به آنذاك نواب “التيار الوطني الحر” اذ اعتبر المجلس الدستوري ان “ربط اجراء الانتخابات النيابية بالاتفاق على قانون جديد أو بأي اعتبار آخر عمل مخالف للدستور”. كما ان الرئيس نجيب ميقاتي استغرب “تراجع النقاش في اقرار قانون جديد للانتخاب كأن هناك من يريد ابقاء الغموض سيد الموقف أو ايصالنا الى انتخابات وفق قانون الستين النافذ أو فرض تأجيل جديد للانتخابات بحجج واعذار مختلفة أو ادخال البلاد في متاهات وسجالات دستورية لا تحمد عقباها”.
وعلم ان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي استوضح الرئيس عون آفاق معالجة مأزق قانون الانتخاب في زيارته أمس لقصر بعبدا حيث حرص على الاشادة بجولات رئيس الجمهورية الخارجية قائلاً إنه “يعمد الى اعادة لبنان شيئاً فشيئاً الى مكانه داخل الاسرة العربية والدولية”. وأكد البطريرك “الحاجة الكبيرة بعد انتخابات الرئاسة وتشكيل الحكومة الى مجلس نيابي يجدد وجوه اعضائه والى قانون انتخاب يضمن للمواطن قيمة صوته فلا يفرض النواب عليه”.