لعل أفضل ما يمكن اختصاره من نتائج واقعية للمشاركة اللبنانية في القمة العربية التي انعقدت أمس في الاردن يتمثل في عودة لبنان الى هذا المنتدى للمرة الاولى منذ ثلاث سنوات عبر بوابة ملء الشغور الرئاسي. أما في البعد السياسي والديبلوماسي، فان النتيجة الأخرى بدت استكمالا للاولى بمعنى ان حضور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يرافقه رئيس الوزراء سعد الحريري مكّن لبنان، بالاضافة الى عوامل عربية اخرى تتصل بمناخات القمة، من تمرير “قطوع ” خشي كثيرون قبيل انعقاد القمة احتمال حصوله. ولكن النتيجة جاءت لتجنّب الحكم والداخل السياسي اللبناني “مشروع” مأزق جديد في علاقات لبنان مع الدول العربية وتحديدا الخليجية من خلال تحييد العامل الساخن المتعلق بموضوع التنديد بالتدخل الايراني في الدول العربية الذي، وان لحظه البيان الختامي للقمة، صيغ بادبيات وفرت على لبنان الاحراج نظراً الى خلوه من اي ذكر لـ”حزب الله”.
وتعتقد أوساط ديبلوماسية وسياسية معنية ان تمرير “قطوع ” القمة بالنسبة الى لبنان كان نتيجة تفهم عربي واسع لاوضاعه بما يعد استكمالا لتوفير المظلة التي سهّلت التسوية الرئاسية والحكومية التي بدأت بانتخاب الرئيس عون وتشكيل حكومة الرئيس الحريري، وهو أمر يمكن ان يعتبر بمثابة جرعة منشطة اضافية لهذه التسوية وقت يعاني لبنان ازمات داخلية كثيرة لا تزال تجرجر ذيولها وترسم علامات الارباك على خلفية المشاركة اللبنانية في القمة. لكن الاوساط تلفت من زاوية أخرى الى ان ثمة أولويات أكثر الحاحاً وأهمية جعلت موضوع لبنان وما يعنيه يمر بحد أدنى من الاهتمامات العربية عبر قمة لم تكن نتائجها “مبهرة ” عموما وسط الاجواء المعروفة والصراعات التي تعتمل في المنطقة والكثير من الدول العربية. لذلك تؤكد هذه الاوساط ان القمة خلت من مفاجآت بالنسبة الى لبنان وهو امر قد يتيح للحكم والحكومة ان يعتبراه أفضل الممكن.
وسط هذه الاجواء تميزت الكلمة الاولى للرئيس عون في القمة العربية الاولى التي شارك فيها بمنحى “وجداني ” كما وصفها بنفسه، في حين شكلت من وجهة نظر أوساط سياسية أخرى رسالة واضحة من الحكم عن رغبته في تجسيد دور مختلف للرئاسة اللبنانية عبر تركيز الكلمة في معظمها على الحلول السياسية لصراعات المنطقة وتقديم “النموذج الحواري” اللبناني وسيلة لهذه الحلول. وقد خاطب الرئيس عون الزعماء العرب “سأدع وجداني يخاطب وجدانكم لعلنا نستفيق من كابوس يقض مضاجعنا”، عارضاً للحروب والمجازر في المنطقة العربية. وتساءل: “من ربح الحرب ومن خسر الحرب ؟” وأجاب: “الجميع خاسرون… وجميعنا معنيون بما يحصل ولا يمكن ان نبقى في انتظار الحلول تأتينا من الخارج “. وفي دعوة الى التزام ميثاق الجامعة العربية ذكر بان هذا الميثاق “يقينا شر الحروب في ما بيننا ويحصن سيادتنا واستقلالنا”، اضف أن الميثاق “يفرض على كل دولة ان تحترم نظام الحكم القائم في الدول الاخرى وتعتبره حقا من حقوقها وتتعهد الا تقوم بأي عمل يرمي الى تغييره”. اما عن واقع لبنان فاثار الرئيس عون مسألة النازحين لافتا الى ان ” لبنان يستضيف اليوم من سوريين وفلسطينيين ما يوازي نصف عدد سكانه”، ودعا الى عودة آمنة للنازحين الى ديارهم.
اما التطور اللافت الذي برز على هامش القمة، فتمثل في مغادرة الرئيس الحريري العاصمة الاردنية مرافقا العاهل السعودي الملك سلمان بن العزيز على الطائرة الملكية الى الرياض، وهي المرة الاولى يزور الحريري الرياض منذ تسلمه مهمات رئاسة الحكومة.
الى “الاستحقاق“
ومع انتهاء القمة، يعود المأزق الانتخابي الى الواجهة وسط معطيات تزداد قتامة عن فرص التوصل الى قانون انتخاب جديد قبل منتصف نيسان كموعد اخير مفترض لتجنب ازمة دستورية وسياسية كبيرة في البلاد. وقالت مصادر سياسية بارزة لـ”النهار” أمس إن مهلة منتصف نيسان لا تعني ان امكانات التوصل الى قانون جديد ستكون متاحة بل ان مجمل المعطيات تؤكد استبعاد الاختراق في المدى المنظور. ومع انها أكدت ان لا فراغ محتملاً في مجلس النواب “لان لدى رئيس المجلس نبيه بري الفتوى المناسبة ولا شيء اسمه فراغ في السلطة التشريعية”، قالت هذه المصادر ان استبعاد التوصل الى قانون جديد مبني على معطيات تفيد بعدم وجود مصلحة لدى بعض الافرقاء في حصول الانتخابات حاليا. ولوح بري امس بامكان دعوته قريباً الى جلسة مناقشة عامة للحكومة في ملف قانون الانتخاب، وابدى استياءه من “استنكاف الحكومة حتى الان عن التصدي لموضوع قانون الانتخاب الذي هو من اولى مسؤولياتها ومهماتها”، كما جدد التحذير من ان “الوقت صار داهما ولا يجوز الاستمرار على هذا المنوال”.
وفي المقابل، برزت مواقف جديدة لوزير الخارجية جبران باسيل من المأزق الانتخابي اعلنها عقب انتهاء مشاركته في الوفد المرافق للرئيس عون في قمة عمان. وقال في مقابلة تلفزيونية عبر برنامج “بموضوعية” من محطة “ام تي في”: “لدينا ايام قليلة (للتوصل الى اتفاق) والا سنذهب الى الحكومة لاقرار قانون الانتخاب بالتصويت “. وكشف “اننا تبلغنا من حزب الله موافقته على الاقتراح الاخير (الذي طرحه “التيار الوطني الحر” متضمنا نظامي الاكثري والنسبي) مع مطالبة بتغييرين وملاحظة”. وأكد ان “طرحنا الحقيقي هو “الارثوذكسي” لانه يمهد للانتقال من النسبية الطائفية الى النسبية الوطنية والعلمنة”.وشدد على ان لا عودة عن الاتفاق مع “القوات اللبنانية” وانهما متفقان على التحالف الانتخابي المقبل