قد يتعيّن على رئيس الوزراء سعد الحريري أن يعيد تلاوة الخطاب الذي ألقاه أمس أمام مؤتمر بروكسيل للنازحين لدى افتتاح جلسة المناقشة العامة التي يعقدها مجلس النواب اليوم وغداً لأن ضجيج “الاستعدادات” للتوغل في أزمة دستورية وسياسية كبيرة حال على الارجح دون سماع الكثيرين الارقام الكارثية عن واقع لبنان التي أوردها الحريري مخاطباً المجتمع الدولي. ولعل المفارقة اللافتة التي نشأت بفعل التزامن بين مشاركة لبنان في مؤتمر بروكسيل أمس عشية الجلسة الأولى النيابية التي تخصص لمناقشة الحكومة تتمثل في ان تصاعد الاحتدام السياسي الداخلي قبل أيام قليلة قد تحسم الاتجاهات التي ستسلكها أزمة قانون الانتخاب طغى على الوقائع البارزة التي حملتها المشاركة اللبنانية في بروكسيل والتي يأمل الحكم والحكومة ان تؤدي الى تبدل ملحوظ في مستويات الاستجابة الدولية للمطالب اللبنانية لئلا تتسبب أعباء النزوح السوري بانهيارات مخيفة.
وقالت مصادر قريبة من الرئيس الحريري لـ”النهار” إنه، الى اهمية مضامين الكلمة التي ألقاها أمام المؤتمر فإن أهمية المؤتمر تمثلت في جزءين احدهما يتصل بمستقبل سوريا والآخر بواقع الدول المضيفة للنازحين ولبنان في مقدمها. وقد ركز الحريري في مجمل لقاءاته الجانبية مع رؤساء الهيئات الاممية والدولية وممثلي الدول المشاركة على زيادة الدعم للبنان وتغيير وجهة مقارباتهم لهذا الدعم، إذ أنه على أهمية المساعدات الانسانية، فإنها لا تكفي وحدها هذا البلد “المستوعب العملاق” للنازحين، اي لبنان المهدد بالسقوط تحت ضغط الأعباء الهائلة التي يتحملها. وأشارت الى أن الحريري صارح الذين التقاهم بأن البنى التحتية اللبنانية التي خططت لتحمل ثلاثة ملايين شخص باتت تنوء الآن بأعباء أكثر من ستة ملايين بما يهدد اللبنانيين والسوريين والمقيمين معاً وهي أزمة تعني العالم بأسره نظراً الى ما يمثله لبنان للعالم وفي ظل الخوف من اتساع التطرف والارهاب. ولذا حض الحريري الجهات الدولية والاوروبية والمعنية على دعم الرؤية التي قدمها لبنان ولمس من جميع الذين التقاهم ولا سيما منهم الأمين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس والممثلة الاوروبية فيديريكا موغيرني ووزراء خارجية دول عربية واوروبية استعدادات ايجابية وتفهما واسعا لواقع معاناة لبنان بل انهم أبدوا اعجابهم بالمقاربة اللبنانية. أما بالنسبة الى ترجمة هذه الاستعدادات، فتقول المصادر نفسها إنه لا بد من ترقب بعض الوقت لتبين اثر الاستعدادات التي أبديت.
واتسمت كلمة الحريري أمام المؤتمر بمكاشفة واسعة بأرقام الاعباء التي يتحملها لبنان وبنبرة تحذير من أخطار تحوله بسبب الأعباء “قنبلة موقوتة”. وقال إن أربعة ملايين لبناني استضافوا مليوناً ونصف مليون نازح سوري بالاضافة الى نصف مليون فلسطيني. ولفت الى انخفاض معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي من 8 في المئة الى واحد في المئة والى أن الخسارة التي لحقت بالناتج المحلي منذ بداية النزاع بلغت 18 مليار دولار عام 2015 ووصل معدل الفقر الى 30 في المئة وتضاعف معدل البطالة ووصل الى 20 في المئة، كما زادت نسبة العجز “ويشعر 90 في المئة من الشباب اللبناني بانهم مهددون من النازحين السوريين”.
طلائع الأزمة
في غضون ذلك تصاعد كلام كبير يقوله نواب وسياسيون عن طلائع ازمة سياسية خطيرة ترتسم ملامحها عشية جلسة المناقشة العامة التي سيعقدها مجلس النواب ووسط اشتداد التوترات السياسية حول قانون الانتخاب. وبداً واضحاً أن المناخ المشدود كان المادة الوحيدة في لقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري والنواب أمس فيما تسود معظم الاوساط السياسية مخاوف من مواجهة سياسية ظهرت معالمها بين اعلان الثنائي المسيحي “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” قراراً حاسماً بعدم موافقتهما على التمديد التقني للمجلس ما لم يسبقه او يقترن به اقرار قانون انتخاب جديد، الامر الذي اشعل رداً حاداً من الرئيس بري بدعم من “حزب الله” يحذّر من سقوط شرعية كل المؤسسات في حال حصول فراغ مجلسي. وستكون الأيام بالقريبة مصيرية ومفصلية، كما يؤكد جميع المعنيين وإن يكن بعضهم لا يذهب الى حدّ توقع مستويات من التأزم على النحو الظاهر الآن. ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد يكون أمام الاختبار الأشد إحراجا له مع تصاعد الخلاف الحاد بين “الثنائي المسيحي” و”الثنائي الشيعي”. وبرز ذلك في اتجاه الى عقد جلسة لمجلس الوزراء الاثنين المقبل في بعبدا لوضع يده على ملف قانون الانتخاب بدءاً بحصر المشاريع التي سيدرسها مجلس الوزراء. وبينما تردّد ان وفدا من “كتلة الوفاء للمقاومة” سيزور اليوم الرئيس عون للبحث معه في هذه الأزمة وسبل تجنّب الوصول الى الفراغ وتداعياته، قالت أوساط سياسية معنية بالاتصالات الجارية إن الساعات المقبلة ستحدد وجهة الأزمة التي إن لم توضع ضوابط لها، فإن انعقاد مجلس الوزراء وحده لن يكفي لمنع تفاقمها باعتبار ان الثنائي الشيعي يتعامل مع احتمال حصول الفراغ المجلسي كخط احمر فيما رسم الثنائي المسيحي خطاً أحمر مقابلاً برفضه التمديد التقني بمعزل عن قانون انتخاب جديد.
المشنوق وبن نايف
وبعد أيام من زيارة الرئيس الحريري للمملكة العربية السعودية، التقى أمس وزير الداخلية نهاد المشنوق ولي العهد السعودي الامير محمد بن نايف على هامش اجتماع وزراء الداخلية العرب في تونس. ثم كانت للمشنوق كلمة في المؤتمر دعا فيها الامير نايف الى “قيادة مبادرة انشاء نواة صلبة بين الاجهزة الامنية من مختلف الدول العربية لوضع آلية دائمة للتواصل والتنسيق وتبادل المعلومات من أجل مواجهة التحديات والاخطار التي تعصف بدول المنطقة”، محذراً من أن “لا نجاة لدولة دون أخرى في مواجهة انهيار الدول”.