وسط الجمود الذي عاد يحاصر عملية تأليف الحكومة عقب التطورات التي نشأت عن تقديم الرئيس المكلف سعد الحريري صيغة حكومية رفضها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بدا واضحاً ان ثمة محاولات دؤوبة لفرض وقائع سياسية كأمر واقع قسري توظف من خلاله قوى سياسية أزمة تأليف الحكومة لتمرير هذه الوقائع. فالمشهد الحكومي المأزوم الذي عاد الى دائرة التجاذب الحاد في الايام الثلاثة الاخيرة لم يحجب مشهد “التطبيع” الوزاري والسياسي الاحادي مع النظام السوري الذي تتفرد به قوى 8 آذار والذي سيرتب تداعيات داخلية انقسامية اضافية من شأنها زيادة التعقيدات في طريق تشكيل الحكومة وما يلي الولادة الحكومية من استحقاقات وتحديات.
وبرز هذا البعد شكلاً ومضموناً أمس مع زيارة أربعة وزراء من حكومة تصريف الأعمال لدمشق حيث أجروا محادثات منفصلة كل مع نظيره في الحكومة السورية، كما شاركوا جماعياً في افتتاح معرض دمشق الدولي. ويبدو انه على رغم وجود تمايزات بين أطراف 8 آذار تتصل بتشكيل الحكومة او بالموقف من العهد العوني أو بعلاقات سياسية وحزبية معينة يتمايز فيها هذا الطرف عن ذاك، فإنه أريد للعراضة الوزراية الموحدة للوزراء الاربعة أمس من دمشق ان تبرز وحدة حال تحالف 8 آذار في شأن “تطبيع” العلاقة مع النظام السوري وتصوير الامر بأنه قرار لبناني ناجز وواقعي ولا مجال للتراجع عنه لاحقاً ولو كانت الحكومة تضم مكونات لا تجمع على هذا الملف ولا يقوم بينها توافق حوله. ولعل الأمر الأشد سوءاً في هذا السياق ان زيارة الوزراء الأربعة لم تقف عند الحدود الدنيا من الاصول التي تمليها مناخات البحث عن مخرج للأزمة الحكومية ولا عند التحسب لما يمكن ان ترتد به خطوات وقرارات متفردة ومن طرف واحد كهذه.
وفي ظل هذا التطور لم تخف أوساط وزارية مناهضة للاتجاهات المتسرعة لـ”تطبيع” العلاقات اللبنانية مع النظام السوري توقعات متشائمة ان من حيث الانعكاسات السلبية التي ستثيرها خطوات حلفاء النظام في لبنان من قوى 8 آذار على مجمل المناخ السياسي الداخلي، أو من حيث ارتدادات خارجية وعربية سيئة على لبنان في ظل ما سيعتبر إسقاطاً جديداً لسياسة النأي بالنفس ما دامت خطوات التطبيع تجري على أيدي فريق واحد بعيداً من التوافقات والتفاهمات الوطنية العريضة. وفي أي حال، اكتسبت الزيارة الجماعية لوزراء الصناعة حسين الحاج حسن والزراعة غازي زعيتر والاشغال والنقل يوسف فنيانوس والسياحة افيديس كيدانيان طابعاً استعراضياً ودعائياً أكثر منها زيارة عملية على رغم محاولات الوزراء اللبنانيين الأربعة ادراجها في اطار عملي. بل ان محادثات وزير الصناعة مع وزير الاقتصاد السوري سامر الخليل التي تركزت على فتح معبر نصيب منيت بخيبة لبنانية لأن رد الوزير السوري كان سلبيا لجهة عدم فتح المعبر متحججاً بأن “لا قيمة كبيرة للمعبر بالنسبة الى المنتج السوري”، في حين ان الوزير الحاج حسن شدد على مصلحة المصدر اللبناني في فتحه.
وسط هذا المناخ لم يسجل أي جديد على صعيد ازمة تاليف الحكومة باستثناء مواقف جديدة قديمة لرئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قال أمس “ان الحكومة كان يجب ان تؤلف أمس قبل اليوم وغداً قبل بعد غد لأن الوضع الاقتصادي خطير ولا يتحمل كما كان يحصل في تشكيل حكومات سابقة”. وأكد “ان وضع الليرة غير ممسوس ولن نصل الى هذه المرحلة”. وعما يثار بالنسبة الى عملية تشكيل الحكومة من آراء وبيانات قال: “لا شك ان الدستور واضح وهو ان الحكومة تتصدر بتوافق رئيسي الجمهورية والحكومة أما من يشكل الحكومة ويعمل في طبخها فهو رئيس الحكومة المكلف”. وكرر أن من يحق له تفسير الدستور هو المجلس النيابي ونقطة على السطر.
وعن المسؤولية في تأخير التاليف قال: “كل حرف عن حرفه مسؤول.كلنا مسؤولون من دون استثناء. طبعاً يقال ان الحكومة الفلانية استمرت عملية تشكيلها سبعة اشهر والحكومة الفلانية تسعة أو عشرة أشهر. الوضع الذي كان يتحمل آنذاك ليس قائماً الآن. فالوضع الاقتصادي خطير وقد قلت هذا الكلام أمس وذهبت الى القول أيضاً ان لبنان في غرفة العناية الفائقة. طبعاً أنا لم أتكلم عن الوضع النقدي، أنا تكلمت عن الوضع الاقتصادي، لكن الوضع الاقتصادي يؤدي في النهاية الى نتائج سلبية. لا يزال مساحة زمنية قصيرة جداً”.
ردود “المستقبل”
في غضون ذلك، لوحظ انه لليوم الثاني بثت محطة “تلفزيون المستقبل” مقدمة سياسية مسائية عكست موقف الرئيس الحريري من التطورات وجاء فيها:
“لا نزاع صلاحيات بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، لأن النزاع على الصلاحيات غير موجود اساساً في قاموس الرئيسين العماد ميشال عون وسعد الحريري لكنه موجود في خزائن التحريض على فتنة دستورية، تَستدرجُ البلاد اليها، أصوات وأقلام وتقارير وتغريدات، تعمل على إغراق البلاد بوهم العودة ثلاثين عاماً الى الوراء.
إن تيار المستقبل، الذي يتحرك بتوجيه مباشر من الرئيس الحريري، لم يكن في لحظة من اللحظات، في وارد الخوض في أي سجال على صورة ما فُرض عليه في اليومين الأخيرين، وهو اتخذ على الدوام جانب المصلحة العامة وشدد على أهمية وقف المنازلات السياسية، وتغاضى عن الكثير من الاساءات والرسائل السلبية التي استهدفت الرئيس الحريري والمسار الذي اعتمده لتشكيل الحكومة.
ولكن كيف لتيار المستقبل ومكونات سياسية اساسية في البلاد، ان تغض النظر عن مطالعاتٍ تتهم الرئيس الحريري مباشرة بالإنضام الى محور تعطيل تأليف الحكومة وتُطلق على الصيغة التي تقدم بها أوصافاً ونعوتاً لا تليق بأصحابها؟… الرئيس سعد الحريري يقول، نحن لسنا أهل فتنة ونزاعات أهلية. نحن أهل وفاق وحوار واعتدال، ونحن أهل مؤسسات ودولة وعيش مشترك، ونحن أهل الطائف الذي يسخرون منه. وسيبقى رغماً عن ذلك القاعدة الأساس للسلم الأهلي اللبناني ولو كره الكارهون.
اتفاق الطائف خط أحمر، والاستقرار السياسي خط أحمر. وطريق العودة بالزمن الى الوراء مقفل بارادة اللبنانيين وصيغة الوفاق الوطني. فليسمع من يريد ان يسمع ونقطة على السطر”.
ويشار في هذا السياق الى ان موضوع احتمال توجيه رئيس الجمهورية رسالة الى مجلس النواب أثير على هامش كواليس المشاورات الجارية وتبين ان لا اتجاه جدياً بعد الى هذه الخطوة التي ستعتبر تصعيدية، علماً ان قلة من الكتل والنواب تبدي حماسة لها. ولا يستبعد في المقابل ان يوجه الرئيس بري في وقت غير بعيد دعوة الى المجلس لعقد جلسة تشريع، علماً ان اللجان النيابية المشتركة عقدت أمس جلسة وأقرت مشروع قانون مهماً يتصل بالشفافية ومكافحة الفساد في قطاع النفط والغاز.