إذا كانت إسرائيل تُهدّد الأمن وتُخرِّب الاقتصاد بتهديد الوافدين عبر مطار بيروت الدولي، والمستثمرين من تنامي نفوذ “حزب الله” وامتلاكه أنواع الأسلحة والصواريخ التي تستجلب الحرب وتقضي على الاستقرار الضروري لنمو الأعمال والسياحة، وتأثير ذلك على الوضع العام في البلاد، فإنّ ثمّة من يلعب على وتر تخريب السلم الأهلي الداخلي بقصد أو من غير قصد بتصرّفات غير مسؤولة تنذر بتداعيات غير مضمونة النتائج.
وفيما يقرأ مسؤولون سياسيون واقتصاديون أن إسرائيل تعمد إلى تسمية المطار لتخويف المسافرين والمستثمرين من دخول لبنان عبر المعبر الإلزامي في غياب المعابر البريّة بسبب الحرب السوريّة، وتأثير ذلك على قدوم السيّاح إلى لبنان، نقل نائب عن الجبل إلى رجل دين بارز تخوّفه من تخريب مصالحة الجبل وضرب المصالحة التي تمّ العمل عليها سنوات بعد الحرب الأهليّة المدمّرة للبشر والحجر. ورأى أن الحملات الانتخابيّة رفعت منسوب الاحتقان، وأعادت الفرز المسيحي – الدرزي، في قرى وبلدات كثيرة، وان المساعي التي تبذل بوتيرة سريعة تهدف إلى منع العودة إلى الوراء. وأكّد أن كل الاجتماعات السياسيّة على مستوى عالٍ تظهر ضرورة تحصين تلك المصالحة ودفعها إلى الأمام، لكنّ المسؤولين المحليّين، ومسؤولي قطاعات، لا يتنبّهون لخطواتهم ونشاطاتهم وتصريحاتهم، وهذا ما انعكس على أوضاع عدد كبير من القرى الشوفيّة.
وروى أن إطلاق بلدية تتبع الحزب التقدمي الاشتراكي اسم “شهيد” على إحدى الساحات، ولّد حساسيّات لدى المسيحيّين بسبب اعتباره مشاركاً في مجازر سابقة، وأوجد انقساماً كبيراً، ما دفع رئيس الحزب وليد جنبلاط إلى التدخّل شخصيّاً وإزالة اللوحة التي رُفعت، ودفع البلدية إلى العودة عن قرارها لضمان التوافق الأهلي. لكن الرواسب تتفاقم عندما يفيد منها أشخاص غير مسؤولين، مُطلقين العنان لتحريضاتهم.
وقبل أيّام، وزّع قطاع الشباب في “التيّار الوطني الحر” دعوة إلى لقاء مع النائب انطوان بانو عن “حرب الجبل” السبت المقبل في عاليه، ما أدّى إلى نشوب “حروب” عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بلغت حدّ فتح صفحات الماضي الأليم، ونبش صور ومواقف وتوزيع تهم. وقد تدخّلت اللجنة المشتركة التي قامت أخيراً بين الاشتراكي و”الوطني الحر”، لتخفيف الاحتقان، كذلك أجرى المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم اتصالات أدّت إلى إلغاء اللقاء.
وإذ استغرب مسؤول في الاشتراكي “نبش الماضي الأليم والذي يُشكّل مادّة مختلفاً عليها، ولكل وجهة نظره حيالها، ولكل تبريراته، من دون هدف مُحدّد سوى تخريب المصالحة التي نسعى يوميّاً إلى تثبيتها”، أكّد ناشط في “الوطني الحر” أنه لم يرافق مرحلة الاعداد للقاء لكنه متأكد من ان الدعوة “لم تستهدف توجيه التّهم إلى الاشتراكي وإنّما عرض الواقع الذي أدّى إلى حرب أهليّة وتهجير وقتل، كي لا تتكرّر”. ورفض اعتبار اللقاء “استفزازيّاً وردّاً على التباعد السياسي القائم في ملف تأليف الحكومة إذ ليس من مُهمّة هيئة عاليه مواجهة الحالة الإشتراكيّة”.
لكنّ الدعوة ليست “بريئة” تماماً إذ انّها تأتي بعد الخلاف السياسي الذي استتبع بعمليّة “انتقام” من الموظّفين وجعلهم مادّة للصراع. ففي سابقة خطيرة أصدر وزير التربية مروان حمادة قراراً بإعفاء الموظفة في وزارة التربية هيلدا خوري من إحدى مهماتها، لأن الأخيرة كانت تشغل أكثر من منصب في الوزارة خلافاً للقانون. وتزامنت هذه الخطوة مع وصف رئيس الاشتراكي العهد بالفاشل وبعض مسؤوليه بـ”العلوج”. وقد سارع وزير البيئة طارق الخطيب الى إصدار قرار يقضي بنقل مدير محمية أرز الباروك نزار الهاني، المحسوب على الاشتراكي، إلى مهمات أخرى في الوزارة، وتم نقل الموظّف في مؤسسة كهرباء لبنان رجا العلي إلى مهمات أخرى أيضاً في المؤسسة.
وخرج الخطيب مجاهراً بأن “القرارات التي اتخذها في وزارة البيئة والقرارات في وزارة الطاقة التي طالت مقرّبين من الاشتراكي هي قرارات كيديّة وسياسيّة”، وقال: “المسألة ليست مسألة حرب، إنما هي قرارات كيدية تعسفية صدرت في حق موظفين شرفاء أكفاء، فاضطررنا الى القيام بردة فعل لنؤكد لهذا الفريق الذي تعوّد التسلط، أن زمن الميليشيات والحرب انتهى ونحن مش لقمة سهل ابتلاعها”.
اللاعنف
وفي مقابل التوترات المتنقلة، كان لبنان يحتفل للمرة الاولى بـ”اليوم الوطني لثقافة اللاعنف” وبتدشين “تمثال اللاعنف العالمي: المسدس المعقود”، بدعوة من الكلية الجامعية لحقوق الإنسان “أونور”، وبرعاية الرئيس سعد الحريري الذي مثله وزير الثقافة غطاس الخوري، على كورنيش الزيتونة – بيروت، وفي حضور ارون غاندي حفيد المهاتما غاندي، الذي قال: “ان فلسفة اللاعنف التي بدأت مع جدي قبل 125 عاماً بعدما كان في جنوب افريقيا عندما أُهين وطرد من القطار بسبب لون بشرته، وفهم انه اذا لم نغير مسار حياتنا لن نكون وطنا. وقد طور ثقافة اللاعنف لمواجهة العنف الذي يسيطر على كل تفاصيل حياتنا”. وأضاف: “ان السلام لا يأتي من المزيد من السلاح والقتل اذا سعينا الى عالم يعيش فيه الناس بكرامة”. وأبدى قلقه على حقوق الانسان في العالم، قائلاً: “لا يمكن ان تكون لدينا حقوق من دون مسؤولين… ان العالم لا يمكنه ان يعيش بسلام في ظل أسلحة الدمار الشامل وعلينا ان نفكر بالعالم كوحدة متكاملة للبشر”.