تبعاً لنمط “الموجات الباردة والساخنة” تمضي دوامة الغموض التي تحف بأزمة تأليف الحكومة في فصول تكاد تتحول الى ازمة حكم ونظام ولن تقف تاليا عند حدود التأخير المتمادي في تأليف الحكومة وتداعياته التي تهدد البلاد بأوخم العواقب الاقتصادية والاجتماعية. هذه الانطباعات القاتمة قفزت الى واجهة الاهتمامات السياسية والشعبية غداة اعلان الرئيس المكلف سعد الحريري عن مهلة الايام العشرة لانجاز تأليف الحكومة والذي كان يفترض ان يأخذ مجراه السياسي واستكماله من خلال مواقف من شأنها تسهيل الاستحقاق والعمل على استعجال الولادة الحكومية قبل حلول نهاية تشرين الاول موعد الذكرى الثانية لانتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية. لكن ما جرى من اشتعال واسع مجددا للسجالات والحملات الحادة وخصوصاً بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية ” عقب المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس “التيار” وزير الخارجية جبران باسيل، رسم ظلال الشكوك تكرارا حيال الجهود التي يبذلها الرئيس الحريري لاستعجال الخروج من تعقيدات الشروط والفيتوات والسقوف المطلبية العالية والتعجيزية سعياً الى تأليف حكومة توافق وطني.
والواقع ان أوساطاً سياسية معنية بعملية التأليف لفتت عبر “النهار” الى قلق متصاعد لديها من امكان وجود “اجندات” تهدف الى افتعال الازمة تلو الازمة والتعقيد تلو التعقيد في ملف تأليف الحكومة في كل مرة يحصل فيها تحرك جدي نحو انهاء الازمة. وقالت هذه الاوساط إنه بصرف النظر عن اللعبة السياسية التقليدية التي يحتفظ عبرها الافرقاء السياسيون بالسقوف العالية للتفاوض وتحصيل المكاسب الوزارية، يبدو ان هذه الازمة تجاوزت البعد المتصل بالمناورات السياسية والاشتراطات وباتت تهدد بتعقيدات أعمق كلما توغلت الازمة في مزيد من افتعال مسببات العرقلة واستهلاك الوقت وتعميم الاهتراء والتراجع في كل القطاعات بما يضع البلاد أمام لوحة غير مسبوقة من احتمالات الانهيارات المتنوعة والمتعددة الوجه. وأضافت انه في حين اشتعلت الحملات والردود المتبادلة بين “التيار” و”القوات” أمس، بدت الجهود لاستعجال تأليف الحكومة كأنها أصيبت بطعنة الامر الذي أثار شكوكاً عميقة لدى بعض الجهات في موقف “التيار” ورئيسه الوزير باسيل ومن خلالهما موقف رئيس الجمهورية وما اذا كان يوافق على كل ما طرحه باسيل من اشتراطات بدت أقرب الى فرض معايير لطرف على الرئيس المكلف والقوى التي ستشارك في الحكومة.
ومع ان الانطباعات التي واكبت “النكسة ” السياسية الحادة التي أعقبت الاطلالة الاخيرة للرئيس الحريري وتعهده السعي الى تاليف الحكومة خلال مهلة أسبوع الى عشرة ايام، أوحت بامكان توتر العلاقة بين الحريري وباسيل، فان الاوساط المتابعة لفتت عبر “النهار” الى أن اي اشارة لم تصدر عن الحريري الى المواقف التي أعلنها باسيل أمس وان المعطيات المتوافرة تظهر ان الحريري لم يبد أي ردة فعل سلبية على هذه المواقف بل بدا مصمماً على المضي في جهوده ومساعيه لانجاز ما التزمه في حديثه الاخير ضمن مهلة الأيام العشرة بلا أي تعديل. وتحدثت الاوساط عن كثافة اتصالات ستشهدها الايام المقبلة وتشمل مروحة دائرية من الافرقاء بحيث يمكن على اثرها تبين تطور المواقف لدى جميع الافرقاء من سعي الحريري الى تشكيلة متوازنة وتوافقية.
باسيل و”القوات”
وصرح الوزير باسيل غداة اطلالة الحريري بأن “مهمتنا تسهيل الحكومة والانسان لا يمكن ان يعرقل نفسه”، لكنه بدا مشككاً في مهلة الحريري اذ قال: “اننا قد نكون في المرحلة الاخيرة قبل ولادة الحكومة اذا اعتمدنا المعايير الصحيحة واننا نريد حكومة وحدة وطنية، لكن ابتزازنا تحت ذريعة حكومة الوحدة الوطنية مرفوض”. واعتبر ان “حكومة الوحدة بعد الانتخابات النيابية يجب ان تعكس نتائج هذا الاستحقاق وبالتالي يجب اعطاء وزير لكل 5 نواب”. واذ أكد ان “معيار عدم الاحتكار في الطوائف يجب ان يتم تطبيقه”، قال: “يجب تحديد حصة الاطراف المسيحيين في الحكومة لكن بعد اقتطاع حصة رئيس الجمهورية”. وأفاد “ان رئيس الجمهورية يتخلى عن نيابة الرئاسة اذا اراد، فهذا عرف، ونحن لا علاقة لنا بالفيتو الوطني على حصول القوات على حقيبة سيادية”. ورأى ان “حصة القوات 3 وزراء ولا مانع في حصولها على أكثر بتنازل من رئيس الحكومة أو منا”. وأعلن أن “المصالحة المسيحية لن يهزها شيء ونحن نريد تفاهم معراب لكن كاملاً بدعم العهد ونحن مستعدون للحوار ولكن يجب وقف الحملات علينا”. وتساءل أن “الحقائب الخدماتية الاساسية المخصصة للمسيحيين هي ثلاث، فكيف تطلب القوات اثنتين منها وتقول إن هذا حقها؟”.
ثم قال إن “المطالبة بتفعيل الحكومة للضرورة وبأمور أخرى تدفعنا الى الخوف من وجود عقدة خارجية (…) ليضع الرئيسان عون والحريري التركيبة التي يريانها وليحكم عليها مجلس النواب واذا سقطت سنسمي الحريري مجدداً وان لم تعجبنا نحن كتيار فإننا مستعدون للبقاء خارجها”. وعن مهلة الأيام العشرة التي حددها الحريري للتشكيل قال باسيل: “لا أحب ان نعطي الناس تفاؤلاً مفتعلا حتى لا يحصل احباط، والاحباط الاكبر اذا شكلت حكومة لا تعمل. لننتظر لنعرف المعطيات التي لديه ونحن دائما ايجابيون”.
واستدعت مواقف باسيل ردوداً من “القوات اللبنانية”، فغرد وزير الاعلام ملحم الرياشي: “في العام ١٩٧٥ لعبت فاتن حمامة دور البطولة في فيلم “أريدُ حلّاً” ومدته 108 دقائق وانتهينا؛ واليوم يلعب جبران دور البطولة في فيلم “لا أريدُ حلّاً” ومدته… عند ربك”. كما أصدرت الدائرة الاعلامية في “القوات” بياناً شددت فيه على ان باسيل “ليس هو من يضع المقاييس والمعايير للحكومة، بل رئيس الحكومة بالتفاهم مع رئيس الجمهورية، ولم نتبلغ من الرئيسين يوماً انهما قد تفاهما على هذا المقياس الذي تحدث عنه”. وأوضحت انه “في ما يتعلق بالتمثيل الوزاري المسيحي المقياس الوحيد المنطقي هو النسبة التي نالها كل طرف في الانتخابات الأخيرة، وقد نالت “القوات اللبنانية” ثلث التمثيل الشعبي المسيحي، وبالتالي يحق لها ثلث التمثيل الوزاري في الحكومة عدداً ووزناً (…) باسيل قال انه لم يكن لديه في أي يوم من الأيام أي موقف اعتراضي على تولي “القوات” حقيبة سيادية، لكن المشكلة في رأيه تكمن في وجود فيتو وطني على تولي “القوات” حقيبة سيادية”، متسائلة: “أين هو هذا الفيتو الوطني الذي يتحدث عنه؟ وهل يمكنه ان يفيدنا مثلاً بأي تصريح او تلميح ان حزبا او بعض الاحزاب عارضت تولي “القوات” حقيبة سيادية؟ لا، بل عندما طرح تولي “القوات” لحقيبة سيادية كان لهذا الأمر وقعه الإيجابي والترحيبي من الكتل النيابية وفي غياب أي معارضة علنية او في الكواليس السياسية، وبالتالي ما قاله عن فيتو وطني لم نجد له اثراً لا في تصريح رئيس حزب ولا في مواقف كتل نيابية “.
وعلق مصدر في “التيار الوطني الحر” على بيان “القوات” قائلاً: “القوات تمثل أقل من ٢٥٪ من الكتلة الوزارية المسيحية بعد اقتطاع حصة الرئيس أي ثلاثة وزراء وهي تمعن في ضرب الرئيس برفض حصة وزارية له “.